قيسارية؛
حبة العقد في مشروع عظيم فلسطين، هيرودس، تطورت في العصر البيزنطي، لتضحى، نموذجًا
للتعددية الفلسطينية، ربما كما حلم بها هيرودس حاكم فلسطين العَلماني. هذا ما يمكن
أن نستشفه من الحفريات واللقى الأثرية، ولكن أيضًا من إخباري القرن السابع الميلادي
البلاذري (ت: 892 م (297 هـ).
ليس
لدى البلاذري معلومات يقينية حول تاريخ فتح العرب لقيسارية، مشيرًا إلى أن ذلك تم
ما بين سنتي 18-20ه.
لا
شك أن البلاذري، يبالغ عندما يذكر بان معاوية بن أبي سفيان عندما فتح قيسارية وجد
بها: "من المرتزقة سبعماية ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود مائتي
ألف، ووجد بها ثلاثمائة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مائة
ألف".
وقد
يكون جنوحه للمبالغة، سببه إظهار البأس الإسلامي في فتحها، وتغلب فئة مؤمنة صغيرة
على فئة كافرة كبيرة، ولكن من ناحية أخرى، ربما لا تبتعد أرقام البلاذري كثيرًا،
عن ما نعرفه عن ازدهار فلسطين البيزنطية.
الحفريات
الأثرية، أكدت تعددية قيسارية بشكل جزئي، كما ذكرها البلاذري، فمن بين ما كشفته،
في السنوات الأخيرة، كنيس سامري يعود للعصر البيزنطي.
ويمكن
لفلسطينيٍّ معاصر محبط من الهزائم، أن يشعر بزهو، للعثور أخيرًا، على جاسوس يهودي،
عندما يقرأ للبلاذري: "كان سبب فتحها أن يهوديًا يقال له يوسف أتى المسلمين
ليلاً فدلهم على طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله، وأنفذ
معاوية ذلك. ودخلها المسلمون في الليل وكبّروا فيها، فأراد الروم أن يهربوا من
السرب فوجدوا المسلمين عليه. وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه. وكان بها
خلق من العرب".
يشير
البلاذري إلى وجود شقراء في قيسارية، يقال أن اسمها شعثاء، ولكن يبدو انها ليست
أية شقراء، مشيرًا إلى انها من قال فيها شاعر الرسول الكريم، حسان بن ثابت:
تقول
شقراء لو صحوت عن الخمر لأصبحت مثرى
العدد
في
العقد الفريد، وديوان حسان، نجد البيت مع اختلاف بسيط، وأبيات أخرى:
تقول
شعثاء لو صحوت عن ال ... كأس لأصبحت مثري العدد
أنسى
حديث الندمان في فلق ال ... صبح وصوت المسامر الغرد
لا
أخدش الخدش بالجليس ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
يأبى
لي السيف واللسان وقو ... م لم يساموا كلبدة الأسد
وحسب
شارح ومحقق ديوان حسان (القاهرة/ المطبعة الرحمانية/1929م)، عبد الرحمن البرقوقي، فإنَّ الشقراء، تحث حسّان،
ليقلع عن الشراب، ليصبح ثريًا، وباقي الأبيات متعلقة بالخمر والندماء (ومن يرغب
بالاستزادة يمكنه العودة إلى ديوان حسَّان).
حسَّان
الذي يصفه شارح ديوانه بالجبان، كتب هذه الأبيات على الأرجح، إذا صدقنا رواية
البلاذري بعد إسلامه، وتكريسه كشاعر للرسول، ومع ذلك يبدو أنه لم يقلع عن الشرب،
بل أن ما كتبه في الشراب، ربما يصنف من عيون الشعر الذي قيل في بابه.
ماذا
كانت نتيجة تدمير مجد قيسارية البيزنطية، النتائج الآنية، كما نفهم من البلاذري،
أن سَبْي قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس.
البلاذري
يكتب تاريخ منتصرين عن التطهير العرقي الذي تعرضت له قيسارية الفلسطينية، ولكن
ماذا حدث لسَبْي الفلسطينيين؟
يذكر
البلاذري، بأنه تم جر هذه "الرؤوس" إلى الجزيرة العربية، وقسّمهم عمر بن
الخطاب، في لفتة موجهة على الأرجح للرأي العام الداخلي، على يتامى الأنصار، وجعل
بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين. وهذا يعني أن من سَبْي الفلسطينيين، من
الكفاءات العالية.
ملاحظة
يصر البلاذري على ذكرها، ليؤكد لفتة الخطاب: "وكان أبو بكر الصديق رضى الله
عنه أخدم بنات أبى أمامة أسعد بن زرارة خادمين من سبى عين التمر فماتا، فأعطاهن
عمر مكانهما من سَبْي قيسارية".
ويبدو
أن البيزنطيين، لم يسلموا، بسقوط قيسارية المدوي، يخبرنا البلاذري عن هجوم للروم،
في أيام ابن الزبير، على قيسارية: "فشعثتها وهدمت مسجدها".
وبعد
أن حسم عبد الملك بن مروان، الخلافات الداخلية بين المنتصرين، استعاد قيسارية.
كفلسطيني
معاصر، هل أنا من أحفاد الفاتحين، أم من أحفاد من نجو من السبي؟
في
عام 1948، انضم مسبيون جدد إلى قائمة سَبْي قيسارية الطويل، وهذه المرة، على يد
محتلين جدد، حملوا أيضا السيف بيد، وكتاب مقدس بيد أخرى، وسيكتب بني موريس تاريخ
منتصرين، وبأن قيسارية كانت أول بلدة، تعرضت لعلمية طرد منظم لسكانها العرب، على
يد الهاغاناة، وهو ما يسميه ايلان بابيه: "تطهير عرقي".
بقي
من منازل قيسارية ستة منازل لم تُدمر، والسبب نقص المتفجرات..!
يا للصدف عندما تنقذ ناسًا من الموت، ولكن
لتجعلهم سبايا..!
مسجد
قيسارية، حوّله المحتلون الجدد، إلى مقصف..!
**
الصورة:
سائحة تجرب قدراتها الصوتية الأوبرالية على مسرح قيسارية الروماني، أمام مجموعتها
السياحية.