-يواصل الصديق العزيز، المخرج والكاتب خالد
أبو عجمية، من ايرلندا، اشتباكه مع رواية الإنجيل المنحول لزانية المعبد، آملاً أن
يسفر هذا الجهد الجاد الذي افتقدناه منذ زمن، في إثارة النقاش، ليس فقط حول
الرواية، وتناول المقدس، ولكن ليتسع ليشمل الحالة الثقافية، بعيدًا عن سفاهة بعض
المترخصين المؤمنين، إيمانًا أطرشًا وأعمى، وسفالتهم وبذاءتهم-.
تقديم ضروري
لقد أصبت بالدهشة والاستغراب عندما سمعت منع
رواية الإنجيل المنحول لزانية المعبد، في معرض الكتاب في عمان، لأنها قصة موجودة
في الكتاب المقدس العهد القديم (سفر التكوين الإصحاح 38) لماذا تم منعها؟؟ ما هو مسوغ
هذا المنع؟؟ ليس إلا أن من أصدر القرار جاهل بالمطلق وربما لم يسمع بالعهد القديم
في الكتاب المقدس، وهذا أمر محزن جدًا.
يحدث أن يرى غير المسيحيين أن المسيحية هي الإنجيل
فقط (العهد الجديد)، وهنا يحصل الالتباس في كثير من الأحيان، فالكتاب المقدس هو
العهدين القديم والجديد معًا، والمسيحية تؤمن بما جاء بهما كاملاً، هل زال
الالتباس؟؟
شاءت الأقدار أن أحصل على كتابين كنت أنتظر
الحصول عليهما رواية الصديق المبدع أسامة العيسة الأخيرة، وكتاب الدكتور العزيز جبرا
الشوملي المسيحية من الداخل، وقد يتساءل البعض ما علاقة هذا بذاك؟ وهذا سؤال منطقي
ظاهريًا، باعتبار أن الأوَّل رواية أدبية والثاني دراسة متخصصة، ولكن حين نعود
للنصوص المقدسة التي هي منهل هذين العملين نجد هناك علاقة وثيقة، أو على الأقل هذا
ما أدعيه وأريد أن أكتب فيه لأني أرى أن رواية الصديق أسامة لا تبدأ ولا تنتهي بين
دفتي الكتاب، ويجب العودة لأصل النص لتفكيكها، أو إعادة تركيبها بعدما فككها أسامة
وبنى منها رواية رائعة بكل المقاييس، فهي عمل متكامل امتلك الكاتب دقيق التفاصيل
فيه ونسج حكايته هو من حكايات أخرى.
استعرض في هذا القسم رواية أسامة كما جاءت.
لقد أعطى أسامة بطلة الرواية، أن تقص
حكايتها علينا بطريقتها رغم أنه لم يكن بعيدًا عنها، بل بقي ملازمًا لها يقدم لها
الكلام والقصص ويشجعها على قول ما تريد دون تأتأة أو تواني عن قول كل شيء، لا بد
من الإشارة أن الرواية وردت في ((سفر التكوين الإصحاح 38 )) يمكن الرجوع إليها.
ما يلي هو ما قاله أسامة وليس النص الأصلي:
تمارا (ثمار-بمعنى النخلة) بنت وحيدة لكاهن
كنعاني (شوا) كبير في قومه، ترعى غنم والدها (باعتبار أن الكنعانيين رعاه وصناع)
تلتقي مع عير الإسرائيلي وهو الابن البكر ليهوذا المنحدر من يعقوب نسل إبراهيم
النبي، أحد أبناءه الاثنى عشر والذي تكون مهمته حفظ السلالة التي أمر الرب أن
تستمر، وله ثلاثة أبناء هم عير البكر، وأونان، والصغير شيلة، من زوجته الكنعانية
التي خالف في الزواج منها أوامر الرب، وكان لا يجب أن تختلط الأنساب بين
الكنعانيين والإسرائيليين، لكنه مع ذلك بقي من الأراخنة في قومه.
يلتقي عير وتمارا معًا على عين ماء (ويقعان
في الحب) كما قال أسامة، ويجري حوار بينهما عن الشرائع وموقف الأهل من زواجهما،
وفي النهاية يوافق يهوذا على زواج عير من تمارا الكنعانية، أما هو فقد غفر له الرب
زواجه من كنعانية، (هذا الرب الحقود الغيور) لكن عير يصيبه مرض ولم يفلح بإنجاب
ابن يواصل السلالة ويموت، وكانت الشرائع تقضي بأن يتزوج الأخ زوجة أخيه الأرمله
ليواصل محاولة بعث السلالة (("زواج زوجي"، كما هو موضح في سفر التثنية
25: 5-10)) لكنه أيضًا يموت وتصبح تمارا، أرملة تلبس ملابس خشنه لسنوات في انتظار أن
يكبر شيلة لينجب فاتح رحمها لينسب إلى عير والثاني لأونان وهكذا.
تنتظر تمارا سنوات حتى يكبر شيلة ويوفي
يهوذا بوعده لكنه يماطل، وشيلة يشتهي تمارا بالحرام وليس الزواج فتصده، ومع الوقت
تدرك تمارا أن العجوز قد نكث بوعده لأنه يخشى موت ابنه الثالث إذا ما دخل
بالكنعانية، مما دفعها لأن تذهب لشيوخ قومه وتعرض حكايتها أمامهم وتطلب منهم إقامة
العدل، لكن شيلة في المحاكمة يرفض الزواج منها ويصبح بعد ذلك مجنون وهذا سنأتي على
تفسيره،
أصبحت تمارا لا تطيق الانتظار وقررت
الانتقام من يهوذا.
تعترض طريقه وهو ذاهب لجز الغنم وتعرض نفسها
كإحدى زانيات المعبد المقدس ((ما يسمى "الدعارة المقدسة" سفر التكوين 38
"دعارة هيكلية)) وتطلب منه مقابل ذلك جدي لكنه يعد أن يحضره بعد أن يعود من جز
الغنم، فتطلب منه رهن حتى يعود، فتأخذ إكليله وحزامه وخاتمه وتعود دون أن يدرك
العجوز أنها كنته تمارا.
حين يعود يبحث عن الزانية ليعطيها الجدي ويأخذ
الرهن لكنه لا يجدها، فيرسل صديقه حيرة للبحث عنها، فلا يجدها ويشارك يهوذا هواجسه
التي هي جزء هام في العمل، ويخفي الأمر عن قومه رغم حيرته في كيفية تصريف أعماله
والحفاظ على مكانته بين قومه دون خاتمه وختمه.
بعد أشهر يظهر الحمل على تمارا، تجلب العار
لوالدها أمام قومه، وعندما يسمع يهوذا أن كنته حامل من الزنى يحرض الرعاع أن
يجلبوها للحرق لأنها اخترقت الشرائع وعندما يهمون باقتحام بيتها لجرها أمامه لتحرق،
تطلب أحدهم وتفشي له السر أنها حامل من يهوذا وتقدم البراهين، هنا يقف يهوذا أمام
قومه ويعترف بأنه الزاني وإن تمارا ليست زانية ولا حاجة لحرقها، تمارا تطلب من القارئ
أن يعمل الفكر ويعطي رأيه فيما حصل، وكيف يكون حكمه عليها.
هذا ملخص الرواية بشكل إجمالي
الرواية محبوكة على ثلاثة أعمدة رئيسية، هي:
أولاً: المكان والوقت.
ثانيا: الشرائع والقوانين (النصوص).
ثالثا: الشخوص وما يمثلون.
مد أسامة هذه الخيوط بدقة متناهية وأخذ ينسج
ما بينها بخيوط من العادات والتقاليد والقصص والحكايات التي تتعلق بالطقوس
والمواسم التي أدخلها بحنكة ودراية من مواقع أخرى من خلال اطلاعه وسعة معرفته
وبحثه الطويل في النصوص القديمة، وأدب الرحالة ومشاهداته في بعض الأحيان للأماكن
وقراءته الخاصة للموروث وبهذا لم يكن بعيدًا، بل كان متواجدًا على الصفحات مختفيًا
خلف تمارا ولكن ظهر ظله في مواقع متعددة بوضوح، وأرى أنه قال رأيه أيضًا.
لم يترك أسامة الرواية تدور في مسرحها، بل
جرها إلى الزمن الحالي ومنطقها على أحداث حالية بذكاء وحنكة.
عود على بدء، ما علاقة هذا بذاك؟ تتأتى
العلاقة من خلال مرتكز الرواية الأهم على النصوص المكتوبة وفي جزئها الأكبر في روايات
العهد القديم من الكتاب المقدس وهذا ما حاول الدكتور جبرا أن يعرج عليه في كتابه
(المسيحية من الداخل) وبينهما كان الكتاب المقدس نفسه حرفيًا.
#خالد_أبو_عجمية
#الإنجيل_المنحول_لزانية_المعبد
#المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر
#جبرا_الشوملي
#المسيحية_من_الداخل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق