أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 9 سبتمبر 2021

يا حنّان يا منّان/ يوسف شرقاوي


 


لمن يكتب هذا الكاتب الفذ؟

أو لمن يروي هذا الروائي الاستثنائي؟

لأراخنة القوم؟ أم لنا نحن أبناء "القُلف" البسطاء؟

برواية جديدة من رواياته متعددة المغامرات، التي لا يكررها مرتين في الشكل والمضمون، يطلع علينا هذه المرة بروايته  الجديدة "الإنجيل  المنحول لزانية المعبد"

لن أتكلم هنا عن براعة الكاتب، ولا عن تمكنه من عجن اللغة وتشكيلها وإعادة سكبها في النصّ الذي يريد، بل سأتكلم  هنا عن عبقرية الوصول إلى الفكرة المكثفة في هذه الرواية الدقيقة أحيانًا، وواسعة الأفق  والثقافة والتفكير أحيانًا أخرى، وكيف أن تفسيره الأدق للدين، وللكتب السماوية المنزلة، أن الإله أراد خدمة الإنسانية، والبشرية، بتلك الكتب المنزلة، وليس العكس، وأن الإنسانية، والبشرية بحاجة إلى هذا الخالق العظيم وليس العكس من ذلك.

يدخلك الكاتب في هذه الرواية لنص أدبي كتب بأناقة فريدة أدبية توعوية تكشط تكلس مسلمات واهية بأسلوب ديني شيق، وبسيط، أبعد ما يكون عن الأساطير الخشبية، نص يصلح لأن يكون عملاً مسرحيًا، بخلفية موسيقية أوبرالية، حينما تبدأ شخصيات الرواية عندما تتهدج أصواتها  بالتضرع والدعاء.

"يا من رأفت بأجدادي، وأبردت النار التي رمي فيها إبراهيم، وأشفقت على الذبيح إسحق، ولم تقبل أن تسفك دماءه من أجلك، وثبت خطوات يعقوب، ثبت خطوتي، وامنحني حظوتك، يا قاهر الجيوش، ووحوش الإنس والجن، ومنبت الأشجار، ومفجّر الينابيع، ومُنزِّل المطر، ومرسل الرياح الثمانية، ممسك الأراضي السبع، والسموات السبع، المسيطر على البحار، ومحيي الأسماك، ووحوش الماء، الكل يتحرك بمقاديرك، يا محدد المقادير، لا تكن عليقًا ناخزًا، ولا شوكًا موجعًا، قدِّر وضعي، إن لم يكن من أجلنا أنا وتمار، فمن أجل والدي ابن حبيبك، ونمو السلالة التي لولا عطفك، لما كان لها شأن، يا حنّان، يا منّان، يا غيور، يا منتقم، غر علينا وانتقم من أعدائنا، نحن منك وإليك، سواء فوق أرضك أو تحتها، يا رب الجبال، والوديان، يا مختلف الليل والنهار، ومحيي الأموات، ومميت الأحياء، وراعي الصغار والكبار، وفي يدك نواميس البقاء والفناء، والشدة والرخاء، أتطلع إليك، وأقدّم ولائي، واعتذاري، فيما أخطأته، وفيما سأخطؤه" وعلاوة على الأدعية، هنالك كلمات مؤثرة ، تلامس الوجدان.

تمار: سأنجب ابنك يا عِير، يا حبّي الأوّل، وستكون حبّي الأخير.

ويتطرق أيضًا الكاتب للقدرية، اللوح المحفوظ، المحمول على أعمدة رخامية، خُط فيه بقلم من الزبرجد والياقوت، مصير كل من يدب على الأرض، السعادة، أو الشقاء، أي  بمعنى ديني: رُفعت الأقلام، وجفت الصحف.

 ويستحضر الراوي ، أناشيد الرعاة في البراري

"قامتك مثل النخلة

يا نخلة

وثدياك شماريخ بلح

يا بلحة

أصعد النخلة

وأتعلق بعذاقها

فيكون ثدياك لي

كعناقيد الكروم"

اخجل يا عير ، ولم يخجل عير، بل كرر النشيد بحماسة أكثر

واستحضر الراوي العلاقات الكنعانية، والإسرائيلية في الخطوبة والزواج، وعدة أدعية مؤثرة "يا الله لا تنتقم منا، ولا تغضب علينا، إن لم تعنا".

وكرر أكثر من مرة عبارة ذات مغزى "القلوب المختونة" و"لا تغلفوا بالشحم قلوبكم" و"النسل الرباني  لا يهتم بالنسل السلالي"

واستحضر طرائف "سهو يعقوب عندما أمسك بعقب عيسو"

المسيح الذي ثار على تراث من سبقوه ومنهم يهوذا، والفرق الدينية المهرطقة. المصدر الموثوق لحكاية تمار ويهوذا، موجود فقط في الكتاب المقدس، تمار نخلة كنعان المتسامقة رواية في إنجيل واحد، وغير معترف بها في أناجيل غير قانونية أربكت رجال الدين، من تفشيها في المجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق