دوثان...وجب يوسف

تُظهر بقايا بئر الحفيرة، في السهل الممتد الذي يحمل اسمها، عصرها الذهبي، عندما لم تحاط فقط بالأساطير، ولكنها اجترحت أساطيرا، بتحويل السهل إلى جنة خضراء.

تقع هذه البئر، أسفل خربة دوثان، التل الاثري، الذي تتابعت عليه الحضارات، وارتبط بقصص العهد القديم عن النبي يوسف واخوته، كما هو الحال، في مواقع أخرى في فلسطين، تؤكد المكانة التي تبوأها يوسف الصديق في الوعي الجمعي الفلسطيني.

وهذه البئر، التي تبعد 2 كلم إلى الشرق من قرية عرابة القريبة من جنين، عبارة عن نبع، تعرض للجفاف في السنوات الأخيرة، كانت المياه تستخرج منه بواسطة مضخات ما زالت بقاياها موجودة، وتسير في قنوات، لتصب في بعض الابار القديمة، منها واحدة، تُعرف محليا، بجب يوسف، وهي حسب الاعتقاد البئر الذي رمى الاخوة، النبي يوسف فيها، عندما اتوا الى دوثان ليرعوا الغنم.

ويوجد على البئر بقايا مبنى قديم، بجواره بركة، استخدم كبيت زراعي، وسط السهل. وتسمى البئر ايضا، بئر الباشا، نسبة لحافظ باشا عبد الهادي. وكانت تقع على طريق القوافل القديم التي تخترق فلسطين، ومن هنا اخذت بعض اهميتها، وارتباطها بقصة يوسف الذي بيع للمديانيين، بعد اخراجه من الجب، حسب الرواية التوراتية.

ويذكر المؤرخ عبد الله مخلص في بحثه عن (جب يوسف الصديق وقبره الشريف) الذي نشره في عام 1928: "زرت دوثان غير مرة وكان بجوارها عند حضيض الاكمة من الجنوب حديقة غناء تسمى الحفيرة ملك المرحوم حافظ باشا المحمد عبد الهادي الذي كان مضرب المثل بجوده وكرمه وهو من الاسر المعروفة في بلاد نابلس. وبحثت في جوانبها واعتليت تل دوثان وشربت من ماء النبع الذي بجانبه الطريق القديم، ورأيت هنا اجبابا ربما كان احدها الجب الذي طُرح يوسف فيه. وقد حاولت بعض البعثات الاثرية الاجنبية الحفر في دوثان والتنقيب عن اثاره فلم تفلح، لان أصحاب الارض طلبوا تعويضا باهظا عن تعطيل زراعتهم في التل المذكور فغل ذلك أيدي الراغبين بالعمل عن مواصلة السعي لدى الحكومة العثمانية، وبقيت الكنوز التاريخية مدفونة الى يوم الناس هذا".

وتم لاحقا التنقيب في التل، وذلك خلال عقد الخمسينات من القرن العشرين، بواسطة المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية. وتبين نتائج تقارير الحفريات وجود بقايا 19 حقبة تاريخية تتابعت على الموقع، مما يجعله واحدا من اهم المواقع الاثرية في فلسطين.

والكنوز الاثرية التي عثر عليها في التنقيبات موجودة اما في الخارج، او في متحف روكفلر في القدس الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال، او متحف القلعة في العاصمة الاردنية عمان.

ويعاني التل الان، من الحفريات غير المنظمة، بهدف سرقة الاثار، ويساعد على ذلك وقوع التل في منطقة (ج).

ورغم الشح في مياه بئر الحفيرة الان، الا ان الفلاحين يواصلون زراعة سهل الحفيرة، ويقول الفلاح حرز الله عبد الرحيم حرز الله (64) عاما: "بئر الحفيرة لم تعد كما كانت، ورغم شح مياهها الا اننا نواصل زراعة السهل، معتمدين ايضا على مصادر اخرى للمياه، كمياه المطر".

وحرز الله من بلدة عرابة، تتنازعه المشاعر الفياضة، لعمله في زراعة الأرض قرب جب يوسف، التي يقول بان المستوطنين اليهود، يأتون بشكل دوري اليه.

ولكن مجيء المستوطنين، اخذ بعدا اخر كما يقول حرز الله: "جاء نحو 200 مستوطن قبل شهرين، ومعهم مختارهم، الذي اشار الى المنزل المبني على بئر الحفيرة وقال بانه يريد ترميمه".

وهذه المرة الاولى، كما يقول حرز الله، التي يفصح فيها المستوطنون عن نواياهم في الاستيلاء على الموقع. في حين لا يملك المواطنون كما يقول حرز الله اية قوة لمنعهم.

ويخشى حرز الله، وغيره من الفلاحين، من المخططات الاستيطانية للاستيلاء على المنطقة، والتي يبدو انها تتم بهدوء وبكثير من السرية، ولا يستبعد البعض ان تصبح بئر الحفيرة، وجب يوسف، مسمار جحا جديد في يد المستوطنين، كما هو الحال في قبة راحيل، قرب بيت لحم، ومقام النبي صموئيل في القرية التي تحمل اسم المقام، وتعرضت لتدمير وتطهير عرقي بعد حزيران 1967، او في اكثر من موقع في مدينة الخليل.

http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/10/31/page8.pdf