الاثنين، 30 يونيو 2008
وين ع رام الله
عندما دخل الجنود الإسرائيليون مدينة رام الله، في حزيران (يونيو) 1967، استخفهم الفرح بمنازل هذه المدينة المغطاة بالقرميد الأحمر، وكان ذلك إيذانا بدخول المدينة، التي تعبد 15 كلم القدس، إحدى اسوأ حقبها، فبنى المحتلون المستوطنات حولها، وحاصروها بالحواجز والجدران، وسالت دماء رجال ونساء في شوارعها وازقتها. وحال الاحتلال الإسرائيلي دون استمرار هذه المدينة بالتطور، وحول مقر المبنى الحكومي المتوارث منذ عهد الانتداب البريطاني إلى سجن، وتعرض رئيس بلديتها الراحل كريم خلف إلى محاولة اغتيال، وبدا وكأن الزمن يتراجع في المدينة التي اعتبرت مصيف فلسطين.
وفي ظروف متغيرة، بعد اتفاق أوسلو، تحول السجن إلى مقر لرئاسة السلطة الفلسطينية، وشهدت المدينة طفرة عمرانية كبيرة، لوجود مؤسسات السلطة المركزية فيها، وان كانت فقدت القها الرومانسي القديم كمدينة القرميد الأحمر. وأطلقت بلدية رام الله، التي تقودها لاول مرة، ومنذ 100 مائة على تأسيسها امرأة هي جانيت ميخائيل، مشروعا ضخما لإحياء مئوية بلدية المدينة، التي يطلق عليها عروس فلسطين.
ورغم أن الرقم مائة، يعتبر مغريا للاحتفال، إلا أن ظهور رام الله الحديثة على مسرح الأحداث، هو اسبق من قرن، ويعود لحكاية تأخذ منحى فلكلوريا دراميا، مثل كل الحكايات التي تختزنها ذاكرة عروس فلسطين.
وتبدا الحكاية، بعيدا هناك في مدينة الكرك الأردنية، عندما قرر راشد الحدادين، في منتصف القرن السادس عشر، الجلاء، بسبب تعقيدات العادات البدوية المتأصلة، وفي هذا المجال يحكى الكثير عن سبب قرار الحدادين، الذي لم يكن ليخطر بباله كم سيكون تاريخيا.
ومما يروى، أن راشد الحدادين رزق بطفلة، وخلال تلقيه التهاني بها، تلقى مباركة من أحد شيوخ الكرك المسلمين فرد عليه الحدادين قائلا، وعلى عادة البدو، بأنها ستكون لهذا الشيخ، الذي يبدو انه اخذ الأمر على محمل الجد، وعندما كبرت الطفلة، عاد لراشد يطالبه بالإيفاء بوعده، فما كان من هذا إلا شد الرحال، والانطلاق نحو غرب نهر الأردن، مثلما كانت تفعل العشائر الأردنية كثيرا، عندما تقع المعارك بينها، والتي كانت تتسم بالعنف الشديد، وسقوط القتلى، وارتكاب المذابح.
وعندما تعب الحدادين حط رحاله في خربة رام لله المهجورة، المجاورة لمدينة البيره، وكان المكان الذي يحوي آثارا رومانية وكهوفا تعود لما قبل التاريخ، مثاليا اكثر بكثير مما توقع، لممارسته مهنته وهي الحدادة، لوجود الأشجار الحرجية.
وعندما اشترى الحدادين المكان، من أصحابها عائلة (الغزاونة) من أهالي البيرة، لم يكن يدري انه كان يؤسس المدينة التي سيكون لها دور هام في تاريخ فلسطين المعاصر.
ولكن راشد الحدادين، الذي نجح في موطنه الجديد، لم يفارقه الحنين إلى الكرك، وقرر العودة إليها، بعد وفاة الشيخ المتسبب في رحيله، تاركا خلفه أبنائه لخمسة، الذين أسسوا عائلات رام الله، وفي مركز مدينة رام الله، المسمى المنارة، تنتصب الان خمسة تماثيل من الأسود تمثل هؤلاء وهم: صبرة، وإبراهيم، وجريس، وشقير، وحسان، وهم أجداد العائلات المعروفة بأسماء: آل يوسف، وال عواد، وال الشقرة، وال الجغب، وال عزوز.
وتم وضع هذه التماثيل من جديد، قبل سنوات، بعد ان تم وضعها في مخازن البلدية في بداية الاحتلال الاسرائيلي. وبدأت رام الله، تأخذ مكانتها على الخريطة الفلسطينية، بعد طول غياب قسري، رغم قدمها وتشهد على ذلك مثلا خربة الردانا الأثرية، والقبور الرومانية، والآثار الصليبية.
وفي عام 1807، بنيت في المدينة كنيسة الروم الأرثوذكس، وفي عام 1869 افتتحت مدرسة الفرندز للبنات، وتحولت في عام 1902 إلى مقاطعة عثمانية، تضم ثلاثين بلدة محيطة بها، وفي عام 1908، تحولت رام الله إلى مدينة، وتأسيس مجلسها البلدي برئاسة الياس عودة.
وبعد مائة عام تقرر بلدية رام الله الاحتفال بتأسيسها، بعد أن أصبحت مساحتها الان 19 ألف دونما، وعدد سكانها 35 ألف نسمة، ويتبع لها 80 بلدة وقرية، ولتكون مع مدينتها التوأم البيره مركز محافظة يبلغ عدد سكانها نحو 279 ألف نسمة.
وتقول رئيسة بلدية رام الله عن مشروع هذه الاحتفالية التي سيشارك في إطلاقها الشاعر الفلسطيني محمود درويش "بدا كحلم، فغدا فكرة، وتبلور مشروعا متكاملا، وها نحن نجتهد الان كي يصبح واقعا وحقيقة".
وعبر محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية الذي يقع مقره في رام الله، عن دعمه للمشروع قائلا في رسالة وجهها لرئيسة بلدية المدينة "نحن نشعر بالفخر والاعتزاز لجهودكم التي تهدف إلى تحويل هذه المناسبة إلى خطة عملية لبناء وتطوير المدينة، أملا أن تتبوا مدينة رام الله، مكانة خاصة، حيث أنها تحتضن حاليا المؤسسات الرئيسية للسلطة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى مكاتب الممثلات الأجنبية لسلطتنا، والمؤسسات الأجنبية والدولية، ومؤسسات القطاع الخاص وابرز المؤسسات الأهلية".
ووضعت البلدية خطة لمدة ثلاث سنوات، ضمن مشروع الاحتفالية، تستهدف النهوض بالمدينة، وتشمل الخطة عدة محاور منها: تطوير البنية التحتية، وحماية الموروث الثقافي، وتعزيز الثقافة والعلوم، وتعزيز التعددية والمشاركة الاجتماعية، وتطوير مؤسسي شامل في بنية بلدية رام الله، وتشجيع السياحة والاستثمار. وفي التفاصيل، فان الخطة تشمل عشرات المشاريع، في محاولة للاستفادة القصوى من مشروع الاحتفالية، والدعم الذي سيقدم من المانحين.
ومن بين هذه المشاريع ما يتعلق بحماية الموروث الثقافي للمدينة، والتي ستشمل ترميم البلدة القديمة، بكلفة تصل إلى 6 ملايين دولار، ومشروع للحفاظ على المباني التاريخية، ومشروع ترميم عيون المياه التاريخية في المدينة، وغيرها، ومما يلفت الانتباه هو سعي البلدية لإقامة نصب تذكاري لمؤسس مدينة رام الله راشد الحدادين وذلك "وفاء له، ولتعريف الأجيال الشابة والجديدة به، وبفضله في تأسيس المدينة".
وإذا كان الحدادين هو مؤسس المدينة وكاتب أولى حكايتها، في نهضتها الجديدة، إلا انه ليس الوحيد الذي تتداوله حكايات رام الله، مدينة الحكايات، والكفاح، والصيف الفلسطيني المبهج.
وتشهد المدينة الان استعدادت لإطلاق الحفل لمركزي لمئوية المدينة، في منتصف شهر تموز (يوليو)، تحت عنوان (وين ع رام الله) وهو مقطع من أغنية فلكلورية فلسطينية وأردنية، تردد صدى ملحمة المدينة التي تحاول أن تبني وتكافح الاحتلال، والاستيطان، والفساد، والثقافات المشوهة الدخيلة.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2008/6/344156.htm
الأحد، 29 يونيو 2008
قصر الامويين المنهوب والخليفة المحتجز لدى الاسرائيليين
احتفل فلسطينيون واميركيون في مدينة اريحا، باطلاق مشروع تطوير موقع قصر هشام الاموي في المدينة اريحا.
وهو مشروع تم التحدث عنه كثيرا خلال السنوات الماضية، وسيتم بدعم من الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (USAID).
ويعتبر قصر هشام، الذي يحمل اسم الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك، وان كان هناك تشكيكا بنسبته اليه، القصر الاموي الاهم في فلسطين، واحد اهم القصور الاموية الصحراوية في بادية الشام.
ويعتبر القصر هو المعلم الابرز فيما يعرف باسم خربة المفجر، التي تقع على بعد 3 كيلو متر إلى الشمال من مركز مدينة أريحا، وهي واحة صغيرة، في غور الأردن، وطوال قرون كانت هذه الخربة محجرا لسكان أريحا، يستخرجون منها الحجارة لبناء منازلهم، رغم وجود هذا الاثر الاموي الهام، على الضفة الشمالية لوادي الناعمة، وبناه الخليفة الأموي ولكنه لم يسكنه بسبب زلزال ضرب المنطقة وتركه أطلالا، وطوال القرون الماضية، كان هذا القصر وأطلاله في صراع مع الطبيعة ومع البشر واستطاع أن يحافظ على كثير من كنوزه في هذه المواجهة غير المتكافئة مع طبيعة قاسية ووعي بشري قاصر، وايضا قوة احتلال ثقيلة.
ومنذ عام 1995، بدأت دائرة الآثار الفلسطينية، بعد أن تسلمت الموقع من الإسرائيليين، بالتخطيط لإعادة تأهيله وعقدت ورشات عمل وبرامج بالتعاون مع مؤسسات أجنبية وفرق أكاديمية من جامعات مختلفة مثل جامعة فلورنسا، واليونسكو، التي رشحت الموقع ليكون على لائحة التراث العالمي، ودعمت عمليات ترميم لفسيفساء القصر.
وياتي مشروع تطوير القصر، بدعم اميركي الان، استمرارا لتلك الجهود الاجنبية، التي شملت إعادة تأهيل الموقع وإنقاذه، وتطوير مرافق القصر الخدماتية وإبراز فسيفساء الحمام في القصر التي تعتبر من أهم معالمه، والكشف عن أرضيات فيسفساء الحمام الكبير التي تعتبر من روائع الفن الأموي.
ويتفق الاثاريون على أهمية قصر هشام، ويعتبرونه واحدا من المواقع الأثرية الرئيسية في فلسطين، ومن ابرز الآثار المعمارية الأموية في بلاد الشام.
الخليفة بحلة حمراء
ونسب القصر إلى الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، على أساس بعض الدلائل الكتابية المكتشفة في الموقع، لكن يعتقد ان الخليفة الوليد الثاني أو الوليد بن يزيد الذي حكم ما بين (743 –749م) هو الذي شيد هذا القصر في الفترة ما بين 743م-744م، حيث لم يكن القصر هو المقر الرسمي للخليفة وإنما هو عبارة عن قصر شتوي للراحة والاستجمام على أطراف بادية الشام ودمر هذا القصر العظيم بواسطة زلزال عنيف ضرب المنطقة عام 749م قبل ان يكتمل بناؤه.
وعثر في إطلال القصر على تمثال لرجل يرتدي حلة حمراء ويقف على أسدين جاثمين، مشهرا سيفا، يعتقد انه للخليفة هشام أو الوليد الثاني.
وجرى تنقيب في الموقع من قبل دائرة الآثار الفلسطينية في زمن الانتداب البريطاني ما بين 1935م-1948م تحت إشراف كل من روبرت هاملتون والدكتور ديمتري برامكي.
وعثر برامكي، وهو آثاري فلسطيني رائد، على نقش يشير إلى أن القصر يعود إلى هشام بن عبد الملك الذي حكم لمدة عشرين عاما (724-743م).
واستمر الحفر في المكان حتى عام 1948، وكانت النتيجة الكشف عن القصر ومسجد وحمامات وفناء كبير تنتشر فيه الأعمدة وبركة مزدانة بالفسيفساء.
وفي العهد الأردني، نقب الدكتور عوني الدجاني، مدير دائرة الآثار الأردنية وآخرين في المكان وأدى ذلك إلى الكشف عن السرداب والحمام الكبير وغيره من معالم.
وعثر الدجاني على بيوت العمال الذين بنوا القصر، ووجد في المخازن كميات من الحبوب والزبيب والتمر والسمسم، وعثر على مواقد وافران، ونقود وأسماء لعمال غير عرب أو غير مسلمين مثل قسطنطين، وسيمون، ويوحنا، وماركوس، يعتقد انه تم الاستعانة منهم بسبب معرفتهم بالفنون البيزنطية.
وكان العثور على أي شيء جديد في الموقع يذهل المنقبين، لأنه كان يكشف على مدى السخاء الأموي الذي انفق على هذا القصر، والذي جعله الأهم من باقي القصور والمباني الأموية في بادية الشام.
ويمكن ملاحظة ذلك من التصاوير الملونة على الجدران، والزخارف من الجبص والتماثيل، والتي تقدم صورة عن ذلك العصر وكأنه إحدى حكايات ألف ليلة وليلة.
ونقلت دائرة الآثار الأردنية المكتشفات إلى المتحف الفلسطيني في القدس المعروف باسم (متحف روكفلر) والذي أصبح ومنذ حزيران (يونيو) 1967 في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن بخلد هشام أو الوليد عندما بدء العمل في بناء القصر، ان تماثيلهما وحاجيات القصر ستكون في سجن دولة ستنشأ بعد قرون اسمها إسرائيل.
ومن بين هذه المكتشفات تمثال الخليفة نفسه والاعمال الجصية بالغة الروعة التي زينت القصر، وتماثيل الراقصات مكشوفات الصدور، وغيرها من مواد ربما تكشف عن طبيعة الحياة في القصور الاموية.
ويجمع الاثاريون، بان هذه القصر دمره الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 747م، قبل أن يكتمل أو أن يسكنه الخليفة الأموي، ودمر الزلزال أيضا كثيرا من المواقع مثل كنيسة القيامة بالقدس.
ولكن هذا الزلزال كان له اثر ايجابي في حفظ بعض معالم القصر، ويعتقد انه بسبب الأنقاض المتراكمة حفظت الفسيفساء والمصورات الرائعة التي كانت موجودة فيه.
مسجد ونساء عاريات
ومن أهم القطع الفسيفسائية هي الموجودة في احد الحمامات والمغلق حاليا، وتمثل شجرة نارنج مثمرة، أبدع الفنان الأموي في رسمها حتى انه لم ينس رسم الظلال، والى يسارها غزالان يأكلان، وعلى اليمين أسد يصرع غزالا.
ومن الأمور اللافتة التي تم العثور عليها في القصر المتسع أشكال هندسية لرؤوس رجال مغطاة بالعمامات ونساء مغطاة بالخمار ومزدانة بالأقراط، واخريات عاريات الصدور، وراقصات، ومصورات لجياد طائرة وطيور حجل وحيوانات أخرى.
وفي القصر توجد بقايا خندق مائي، وقاعات وأروقة مرصوفة بالبلاط الأسود، فيها فتحات لخروج الماء من القصر.
وما زال بقايا المسجد موجودا في الجهة الشرقية للقصر، والذي يعتقد بانه المسجد الخاص بالخليفة، وبخلاف باقي منشات القصر فانه خلا من الزخارف أو المصورات، وبجانبه تتناثر قطع من القرميد كانت معدة للاستخدام، وهناك مسجد أخر للضيوف.
ويعتقد بان مقر الخليفة هو في الجانب الغربي ومكون من صفين من الغرف كل صف يحتوي على ست غرف بمساحات مختلفة، لها أبواب داخلية تصلها مع بعضها البعض، ولا تجعل على المقيمين بها مغادرتها.
ومن ابرز معالم القصر الحمام، والذي يعتبر بهندسته واستقدام الماء إليه من ينابيع بعيدة، قصة أخرى متفردة في العمارة الأموية.
ويقع الحمام وسط مسكن الخليفة، وهو ينخفض بمقدار 5 أمتار، ينزل إليه بدرج دقيق، وفيه بقايا مدفأة، وأحواض ساخنة للاستحمام وأخرى باردة، وغرفة بخار، للاستمتاع بحمام بخار، مشابه لما وصل إليه الإنسان المعاصر المترف، ومكان للتمدد والاستراحة، وفوقه غرفة خاصة للخليفة سقفت بالقرميد الأحمر.
وفي سقف الحمام توجد نوافذ لدخول ضوء خفيف ليريح الأعصاب والعضلات المرتخية بفعل طقوس الحمام.
وجميع منشات القصر أو ما بقي منها يمكن أن تثير الاهتمام ومنها القاعة التي بنيت لتكون مخصصة ليجلس فيها الخليفة لمشاهدة الراقصات وفيها عثر على تماثيل لنساء عاريات الصدور ورجال بلباس الأسود.
ولكن المنقبين لم يجدوا أي دليل على أن الخليفة الأموي قضى في هذا المكان حتى لو يوما واحد، لأنه هدم قبل إتمامه، وبهذا لم تتم فرحة الأمويين بقصرهم، وبعد سنوات قليلة انهارت الامبراطوية الأموية، لتحل مكانها إمبراطورية معادية لهم، نقلت مقر الخلافة إلى بغداد وأهملت القصر ولاحقت بقايا الأمويين حتى قتلتهم، واضعة حدا لحكاية عشق طويلة وذات أبعاد درامية عديدة ربطت بين البيت الأموي وفلسطين، حتى قبل إنشاء إمبراطوريتهم.
وهناك دلائل بان جيش صلاح الدين رمم بعض غرف القصر لإسكان جنوده في القرن الثاني عشر الميلادي، وتم معرفة ذلك من العثور على عملات معدنية وفخاريات تعود لذلك العصر.
القصر ما زال منهوبا
ويقع متحف القصر، ضمن موقع قصر هشام، وهو مبنى حديث، رمم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2000م، ويعتبر هذا المتحف نموذجا لما يسمى متحف الموقع الذي يستخدم لعرض قطعا أثرية من نفس الموقع الموجود فيه، حيث يعرض نماذج للفخار الأموي والعباسي التي اكتشفت داخل القصر والذي يحمل الكثير من ميزات الفخار العصر البيزنطي المتأخر.
ومن أهم أنواع الفخار المعروضة الأواني ذات اللون الأسود، واغلبها زبادي ذات قاعدة منبسطة وجدران مستقيمة ولبعضها أيدي على شكل بروز خفيف، وزخرفت من الخارج بواسطة التحزيز ويعتقد أن اصل هذا النوع من شمال غربي الجزيرة العربية.
وهناك نوع أخر هو الفخار المقطوع واغلبه زبادي لها جدران مصنوعة باليد مزخرفة بزخارف مقطوعة في جسم الآنية وهي مستوحاة على الأغلب عن نحت خشبي.
ويوجد أيضا الفخار المزخرف بالدهان الأحمر مثل الجرار والأحواض المصنوعة من فخار سميك وهو شائع في شمال فلسطين والأردن وسوريا، ومزين بزخارف حلزونية ونباتية.
ومن أهم أنواع الفخار التي تعرض في هذا المتحف النوع المعروف باسم (فخار المفجر) وهو ذو لون اخضر مائل للأبيض، يعتقد انه ادخل إلى فلسطين من بلاد بين النهرين.
ورغم إطلاق مشروع تطوير القصر، الذي تم باحتفال شاركت فيه الدكتورة خلود دعيبس وزيرة السياحة والاثار في السلطة الفلسطينية، فان القصر المهيب سيبقى منهوبا، مع استمرار اسرائيل احتجاز روائع مكتشفاته، من خلال سيطرتها على المتحف الفلسطيني بالقدس.
السبت، 28 يونيو 2008
اكاديميو فلسطين واموال العم سام
يرتبط الدعم الاميركي للجامعات الفلسطينية باجندة سياسية
الاميركيون نظموا مؤتمرا لدعم التعليم الجامعي
تخلله عشاء في الفندق الفلسطيني الافخم الذي كان يجب ان يكون متحفا
ولكن عرفات حوله الى فندق لمكاسب ضيقة
جلس المدعون تحت اشجار الزيتون التي يزيد عمر الواحدة منها عن اضعاف عمر الولايات المتحدة
الجامعات التي ترتع بالفساد والضعف الاكاديمي وسيطرة اجهزة الامن عليها تمد يدها غير خجلى للعم سام
اصطف وطنيون ويساريون واسلاميون في طابور الاستجداء ونيل ثقة السيد الاميركي
وفي الخارج وعلى الشاشات يمارسون الكذب على الجمهور
صحتين لاميركا..ووداعا للخجل الفلسطيني
الخميس، 26 يونيو 2008
جسر اسرائيلي في القدس
افتتح مساء الاربعاء جسر معلق عند مدخل القدس في احتفال تخللته العاب نارية وحضره العديد من المسؤولين الاسرائيليين. وهذا الجسر المقام في القدس الغربية من تصميم المهندس المعماري الاسباني الشهير سانتياغو كالاترافا.
ويثير هذا الجسر الذي شبه مرة ببجعة رشيقة ومرة بقيثارة او ايضا بهيكل ديناصور جدلا. ويفترض ان يضم في نهاية 2010 خط تراموي تاخرت اعمال بنائه ولا يزال قيد الانشاء. وهذا البناء مصنوع من 4300 طن من الحديد الصلب ومثبت ب66 كابل تتصل بصارية تمتد على مسافة 360 مترا ويصل ارتفاعها احيانا الى 120 مترا. ومن اشهر اعمال سنتياغو كالاترافا المجمع الرياضي للالعاب الاولمبية في اثينا واوبرا فالنسيا.
(عن الفرنسية )
الأربعاء، 25 يونيو 2008
ميثولوجيا يونانية في قرية فلسطينية
تقدم قرية بيت جبرين، في السهل الساحلي الفلسطيني المحتل منذ عام 1948، في الأدبيات الفلسطينية، كإحدى القرى التي دمرت عام النكبة، والتي اشتهرت بوجود الجيش المصري فيها إبان حرب عام 1948، لكنها بالنسبة إلى علماء الآثار تعتبر إحدى المواقع الأثرية والتاريخية المهمة في فلسطين. واحتفظت البلدة باسمها الكنعاني الذي يعني "بيت الرجال الأقوياء"، ومنذ أن أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية فإن المعاول لم تتوقف عن الحفر فيها، وأهم ما كشف عنه نحو 1000 كهف اعتبرت من الكهوف النادرة وتعود لعصور قديمة ومختلفة، ويحيط بها الاف أخرى من الكهوف تصل إلى 30 لف كهف.
وأطلق على هذه الكهوف وصف "الكهوف والمغر الجرسية"، لأنها بينت بطريقة تشبه شكل الجرس، ولكل منها فتحة من الأعلى، ثم تتوسع مع النزول إلى الأسفل، حتى تتشكل الكهوف مثل الأجراس تمامًا.
وتضم هذه الكهوف المحفورة في الصخور، قاعات، وممرات، وغرف، وصهاريج ومعاصر، ومقابر، ومخازن، ومخابئ، وبعضها يشكل سلسلة من الكهوف وكأنها متاهات متصلة بعضها ببعض عبر ممرات.
وفي عام 1948، وبعد سقوط مدن فلسطينية ساحلية مثل يافا، لجأ سكان من هذه المدن الى كهوف بيت جبرين هذه للاختباء، قبل ان تسقط هي الاخرى، وتصبح جزءًا من دولة اسرائيل.
وتقع بيت جبرين في الشمال الغربي من مدينة الخليل، في موقع استراتيجي، على الطرق القديمة المؤدية إلى القدس وبيت لحم والبحر المتوسط، وشهدت انتعاشًا في عهد الاسكندر المقدوني، وتحولت إلى ما يشبه الدويلة المستقلة، وكانت من بين ما عرف بتحالف المدن العشرة، والتي ضمت بالإضافة إلى بيت جبرين، مدنًا أخرى مثل جرش، وعكا، وفيلادلفيا وهي الان العاصمة الأردنية عمان، وبيسان، ونابلس.
وبسبب موقعها الاستراتيجي ودورها السياسي، هدمها الفرس في عام 40 ق.م، واعيد بناؤها عام 68 ق.م.
ومن ابرز معالم بيت جبرين الان، إحدى أهم الغرف-الكهوف-المغر المحفورة في الصخر، والتي لا يوجد مثيل لها في فلسطين، وتعود إلى الحقبة الهيلينية (اليونانية)، أي القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد.
وتم تعريف هذه المغارة، باعتبارها مقبرة، تحوي بالإضافة إلى أماكن الدفن المحفورة في الصخر، رسومات تعطي فكرة مهمة عن تقاليد الدفن خلال الحقبة اليونانية في فلسطين.
وهي المغارة الوحيدة المكتشفة في فلسطين التي تحوي مثل هذه الرسوم الفنية المبهرة، التي تتضمن حيوانات وأدوات موسيقية وأشخاص.
ويعتقد بان هذه المغارة، كانت مقبرة لعائلة شخص يدعى "ابولوفانيس ابن سيميوس" الذي كان حاكمًا محليًا لمدة 33 عامًا، وتوفي عن عمر 74 عامًا، كما تشير كتابة باليونانية وجدت في المكان.
وكان ابولوفانيس، زعيمًا لبلدة مريشة، وهي التلة التي توجد فيها المقبرة، وكلمة مريشة كنعانية تعني القمة، ويطلق عليها سكان بيت جبرين الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين اسم (تل صندحنة)، وسبب ذلك يعود لوجود كنيسة من العهد البيزنطي في المكان باسم القديسة حنة، واعاد الاسرائيليون الان اسم مريشة الى الحياة، واطلقوه على المكان.
وهذه المغارة عبارة عن مدفن مستطيل حفر كاملا في الصخر، يحتوي على قاعة، على جانبيها حفرت قبور متجاورة، تعلوها رسومات لحيوانات، ولأشخاص، ومناظر تعبيرية، وفي صدر القاعة يوجد ما يعرف باسم السرير، وهو عبارة عن مصطبة حجرية يرتقى إليها بعدة درجات، ويبدو أن التقاليد المتعلقة بالموت كانت تقام عليها.
ويمكن رؤية العلامات التي تركتها الأزاميل التي تم حفر الصخر بها، قبل 2300 عام، واضحة، وكأن العمال انهوا عملهم للتو.
ومن بين الرسوم الحيوانية يمكن تمييز بعض الأنواع مثل الأسود، والزرافة، وحيوانات صورت وهي تتناول فرائسها، وغزلان، وفيل، واسماك، وجوامس، ووحيد القرن، والثعلب، وغيرها.
ويعتقد بأن للرسوم الحيوانية في هذه المقبرة، وظيفة رمزية، فمثلا الغربان رسمت لتخويف الشياطين، أما الكلب الأسطوري ذو الرؤوس الثلاثة الذي يطلق عليه اسم (سيربيروس)، فهم يقوم بمهمة حراسة المدخل، وما زال في وقفته هذه منذ تم رسمه في مدخل المدفن.
وبالنسبة إلى رسم النسر المطل على القبور، فهر طائر الفينيق، الذي يولد من جديد، من بين الرماد، وهو جزء من طقوس ترمز إلى النار والحياة، وتمثل الحياة بعد الموت.
ويوجد داخل هذه المقبرة كهف صغير يضم قبورًا أخرى، يطلق عليه كهف الموسيقيين، لوجود رسم لرجل ينفخ في الناي وامرأة تعزف على القيثارة.
ويعتقد أن هذا الرسم، وضع لمرافقة الموسيقى العذبة للميت في طريقه إلى العالم الآخر، وان ذلك جزء من تقاليد الدفن في تلك الفترة.
وتعرضت بعض اللوحات الفنية في هذه المقبرة إلى السرقة في عام 1902، وفي 1993، تمكنت سلطة الحدائق الوطنية الإسرائيلية من إنجاز بعض الرسومات التي سرقت، من جديد.
وتثير رسوم الحيوانات في هذه المقبرة تساؤلات الباحثين، عن المصدر الذي أوحى بها للفنان الهيليني، خصوصًا وان بعضها لم يعش في الأراضي الفلسطينية، مثل الفيل مثلا، ويعتقد بعضهم أن ذلك الفنان القديم ربما رأى بعضها في حديقة للحيوانات في مدينة الاسكندرية التي بناها اليونانيون، ومن المعروف أن المدينة المصرية التي تقع على ساحل البحر المتوسط لا تزال تحمل حتى الان اسم بانيها الاسكندر المقدوني.
وتحظى هذه المقبرة باهتمام كثير من زوار الأرض المقدسة، ومن قبل الإسرائيليين، ويمنع الفلسطينيون من الوصول إليها.
الاثنين، 23 يونيو 2008
مسح اثري لوادي الدرجة
During February 2006 a survey was conducted in Nahal Darga, in southeast Jerusalem (Permit No. A-4731*; map ref. NIG 22220–320/62530–60; OIG 17220–320/12530–60), prior to the construction of the Har Homa (East) road. The survey, on behalf of the Antiquities Authority and with the financial support of the Ministry of Housing, was performed by Z. ‘Adawi, A. Eirikh-Rose and B. Tori. |
In the surveyed area (0.05–0.10 × 1 km) east of Kh. Umm Tuba, north of Kh. Luqa and on the slope of Kh. Mazmuriya (Fig. 1), 56 sites that most likely belonged to these three ruins were documented. Among the features surveyed were stone quarries, agricultural installations, hewn caves (Sites 1, 4, 5, 11, 14, 23, 24, 28, 29, 39), natural caves, some of which were probably used as dwellings (7, 9, 12, 20, 54) and some for burial (17, 21), and cupmarks (2, 6, 8, 16, 36, 38). Walls that were apparently used as animal pens were discovered in the courtyards of two caves. At the bottom of the Kh. Mazmuriya slope, agricultural terraces whose fieldstone walls have survived to a height of 2–3 courses (3, 15, 18, 19, 26, 27, 35, 42–53, 55, 56) and in one instance, the terrace wall was constructed on top of building remains (3) were surveyed. A system of dams (22) and fieldstone walls that probably belonged to buildings or watchtowers (1a–4a, 25, 41) was surveyed in the wadi between Kh. Luqa and Kh. Mazmuriya. A cross was carved on one of the stones (26; Fig. 2). Six rock-hewn winepresses (10, 30–33, 40) were also surveyed. A few of the potsherds that were gathered in the survey dated to Iron II and the Roman and Early Islamic periods, but the vast majority were from the Byzantine period. A rich concentration of sherds in one of the sites probably indicates the existence of a pottery kiln (1a). |
The dense concentration of installations of this nature bears witness to the extensive agricultural use of the region, particularly in the Byzantine and Early Islamic periods. |
الأحد، 22 يونيو 2008
السبت، 21 يونيو 2008
شعوب متوحشة
ما ينسب لما يفعله رعاع الاقباط والمسلمون في مصر، بسبب ممارسة رجل او امراه لحقه-حقها في اختيار الدين، لا يمكن ان يضع هؤلاء الا في خانة الشعوب المتوحشة التي تاكل لحوم البشر.
الحوادث تتكرر بشكل مفزع مما يشير الى ان هذه الشعوب لا تزال تعيش العصور الحجرية، بل ان المكتشفات الاثرية للعصور الحجرية تؤكد على حضارة شعوبها.
زارني اليوم صديقي القادم من اسكتلندا واخبرني انه اختار طريقه اخيرا، وتعمد، بعد ان وجد كم هو حجم الكذب والنصب والدجل لدى مسلمي هذه الايام، وانه لم يعد يحتمل كل هذا.
صديقي هذا قدم سنوات من عمره في السجون الاسرائيلية مدافعا عن حقوق شعبه، ولكنه لا يستطيع ان يستوعب ما فعله زعماء هذا الشعب بهذه القضية.
احترمت حقه في اختيار دينه الجديد، وهو حقه الذي لا ينازعه فيه احد، ولكن لماذا يحدث ما يحدث في بلد مثل مصر.
يمكن مطالعة ما حدث في مصر مؤخرا على رابط هذا المقال للاستاذ نبيل شرف الدين:
http://65.17.227.80/ElaphWeb/Politics/2008/6/341756.htm
الجمعة، 20 يونيو 2008
الخليل العذراء
ارشيف الدكتور ابراهيم الفني لا ينضب..
والنقاش معه مستمر سواء في منزله او عبر الهاتف
تناولت الغداء على مائدة الدكتور ابراهيم يوم امس الخميس، في منزله بمدينة البيره، وكان هناك عدة مناسبات للاحتفاء من بينها صدور كتاب الدكتور الجديد عن التوراة، والتحضيرات مع جامعة الخليل لمشروع توثيقي عن المدينة.
قال الفني بان الخليل عذراء من حيث الدراسات الفلسطينية والعربية، والواقع بان فلسطين كلها عذراء..
اما الدراسات الاسرائيلية والغربية، فهي تسبقنا بسنوات ضوئية.
في انتظار مئذنة الاقصى الخامسة
مثل أبواب البلدة القديمة في القدس، يحمل باب الرحمة، عدة أسماء، اشهرها الباب الذهبي، ويمتاز هذا الباب، الذي ينظر إليه كأجمل أبواب البلدة المغلقة، بأنه بالإضافة لكونه أحد أبواب البلدة القديمة، هو أيضًا أحد أبواب الحرم القدسي الشريف. ويقع هذا الباب، وهو عبارة عن بابين مغلقين، في السور الشرقي للبلدة القديمة والحرم القدسي الشريف، تم إغلاقه في وقت معين، قبل قرون، لأسباب يعتقد أنها دفاعية، ويبرز جمال هذا الباب الأخاذ، وفنونه المعمارية المختلفة، من داخل الحرم، حيث يبدو كقلعة صغيرة، ويطلق على الجزء العلوي من الباب من الداخل ( الغزالية ) حيث اعتزل فيه أبو حامد الغزالي، الذي أتى من بغداد إلى هذا المكان، وانجز أحد اشهر كتبه ( إحياء علوم الدين ). بالقرب من هذا الباب، الذي تنسج حوله القصص والحكايات الكثيرة، وتنسب إليه أحداث تاريخية تختلط فيها الحقيقة بالأساطير، سيتم تشييد المئذنة الخامسة للحرم القدسي، إذ يعتبر الإعلان عن تشييدها يحمل اكثر من مغزى.
في الأردن الذي سيتولى تمويل هذه المئذنة، أعلن عن استدراج عروض لتصميمها، ومن المعلومات المتناثرة المتوفرة، فإنها ستكون أعلى مآذن الحرم، حيث سترتفع 42 مترًا، وستكلف 700 ألف دولار. واعلن اهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسرئيلي عن موافقته على بناء هذه المئذنة، التي ستكون الأولى التي ستبنى منذ ستة قرون، واستعد المتطرفون اليهود، الذي كانوا قد أعلنوا قبل اكثر من عامين، انهم لن يسمحوا بتشييد المئذنة الخامسة في الحرم الذي يطلقون عليه (جبل الهيكل) لإحباط هذا المشروع.
وكان أول رد فعل سجل للمتطرفين اليهود ضد تشييد المئذنة، في شهر أيلول (سبتمبر) 2004، عندما زار وفد اردني برئاسة المهندس رائف نجم – وزير الأوقاف الأردني السابق ونائب رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى- الحرم القدسي، تفقد خلالها الوفد بعض أعمال الترميم والصيانة في المسجد التي تنفذها لجنة الإعمار والأوقاف الإسلامية في السور الشرقي والجنوبي للمسجد الأقصى وفي قبة الصخرة من أعمال الترميم للرخام الداخلي للمسجد.
وسبق زيارة الوفد بأيام تصريحات وزير الأوقاف الأردني احمد هليل أعلن فيها عن رغبة الأردن تنفيذ مشروع بناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى وان التفكير أن تكون في الجهة الشرقية من المسجد لعدم وجود مئذنة في تلك المنطقة.
في تلك الأثناء أعلن الشيخ عبد العظيم سلهب – رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس - أنه خلال زيارة الوفد الأردني جرى بحث الأفكار وآليات التنفيذ لبناء مئذنة خامسة داخل المسجد الأقصى المبارك، وإن بناء المئذنة محور واحد من محاور وأهداف زيارة الوفد الأردني برئاسة المهندس رائف نجم.
وقال سلهب "إن المئذنة تأتي تيمنًا بأركان الإسلام الخمسة حيث يوجد في المسجد اليوم أربع مآذن وتخلو الجهة الشرقية من المآذن ووجودها يخدم ويسد حاجة ملحة، وقال إن البحث والتخطيط يجري الآن لبناء المئذنة الخامسة". ومقابل هذا الترحيب الفلسطيني، كان على الجانب الآخر من يتابع ما يجري أولا بأول، واعلنت جماعات يهودية متطرفة بأنها ستعمل وبكل وسيلة ممكنة لمنع بناء المئذنة الخامسة، مشددة على انه، من وجهة نظرها لا يحق لاولمرت، أن يحدث تغييرًا في ما يطلقون عليه جبل الهيكل، وهددت بالتوجه لمحكمة العدل العليا الصهيونية لمنع بناء المئذنة.
وقال يهودا عتسيون من زعماء منظمة أمناء جبل الهيكل "لن نسمح أبدًا بناء هذه المئذنة الخامسة وسيكون ذلك إن حدث على جثثنا".. هذه التهديدات تجددت مؤخرا بعد أن أفادت صحيفة يديعوت احرنوت العبرية، بان اولمرت ابلغ الأردن، بموافقته بناء المئذنة الخامسة في المكان الذي يطالب فيه المتطرفون اليهود بإقامة كنيس في المسجد الأقصى قرب المصلى المرواني، والمقصود المنطقة الشرقية من الحرم القدسي.
وقالت الصحيفة، بان اولمرت الذي أعطى موافقته الرسمية للملك عبد الله الثاني، لبناء المئذنة التي ستكون اكبر مآذن الحرم، ينتظر الوقت المناسب للإعلان عن ذلك. وانضمت مجموعات أخرى للجماعات المتطرفة اليهودية ضد بناء المئذنة الخامسة، تضم أكاديميين وأثرين وسياسيين، معتبرين ان بناء هذه المئذنة، يشكل خرقًا لمبدأ "الوضع المتنازع عليه" في الحرم القدسي، وان البناء سيتم من دون اشراف اثري اسرئيلي.
وحسب هؤلاء فإنه، إذا أريد بناء كوخ في منطقة نائية من اسرائيل، فان ذلك يستلزم موافقة سلطة الآثار المسبقة، لكن "إذا أراد المسلمون البناء في أهم موقع مقدس على الأرض، فانه لا تنطبق عليهم القوانين"- حسب قول احدهم. المئذنة الخامسة التي ستبنى على السور الشرقي للحرم، والتي ستكون الأكبر، ستنضم إلى المآذن الاربع الأخرى المنتشرة في جهات الحرم الأخرى الثلاث.
وفي ما يلي تعريف موجز بمآذن الحرم الأربع:
مئذنة باب المغاربة
المئذنة الأولى أقيمت في عام 1280م، وهي المعروفة باسم مئذنة باب المغاربة، لوقوعها شرق باب المغاربة، ويطلق عليها أيضًا مئذنة الفخرية، لقربها من الزاوية الفخرية، والغريب أن هذه المئذنة بنيت من دون أساس، على مسجد النساء الملحق بالمسجد الأقصى. وينسب بناؤها للسلطان الملك السعيد ناصر الدين برمة خان، وتصدعت عام 1922م، ويذكر الباحث احمد فتحي خليفة في كتابه دليل أولى القبلتين، بأن المجلس الإسلامي الأعلى هدم نصفها العلوي، واعاد بناءها، واستحدث لها قبة فوق المربع العلوي، ولكن يتضح من شكل البناء، بأن المجلس نفذ عملية ترميم في النصف العلوي، لأن اسلوب العمارة القديمة لها يظهر بشكل واضح.
مئذنة باب الغوانمة
المئذنة الثانية من حيث القدم، هي مئذنة باب الغوانمة، وهي مبنية على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، شمالي شرق باب الغوانمة الذي تحمل اسمه. وحسب الباحث خليفة فإن بانيها هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين في الفترة ( 1297-1299م)، وجددها المجلس الإسلامي الأعلى عام 1927م. ومثل باقي المآذن فإن لها اكثر من اسم، ويعرفها بعض الباحثين بمئذنة قلاوون، لان السلطان المملوكي هذا جددها عام 1329م، كما يشير النقش الذي ما زال عليها، وتدعى أيضًا مئذنة السرايا.
مئذنة باب السلسلة
تقع هذه المئذنة فوق باب السكينة، ولكنها حملت اسم باب السلسلة الذي تقع بمحاذاته من الناحية الشمالية، وهي المئذنة الرئيسة على الحائط الغربي لسور المسجد الأقصى المبارك. بنى هذه المئذنة الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الناصري عام 1329م، ويعتبر هذا الأمير الذي كان واليًا على الشام في زمن المماليك، أحد كبار البناة في المسجد الأقصى وحوله، ومن بين آثاره المدرسة التنكزية، وسوق القطانين، وهي معالم في غاية الأهمية، بعضها استولت عليها سلطات الاحتلال مثل المدرسة التنكزية التي تحولت الى مركز لحرس الحدود الاسرائيلي، او مثل حمام العين الذي تحول الى كنيس.
وفي عام 1922م، رمم المجلس الإسلامي الأعلى مئذنة باب السلسلة.
مئذنة باب الأسباط
تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، بالقرب من باب الأسباط داخل الحرم الذي تحمل اسمه، وهي قريبة أيضا من باب الأسباط الآخر، وهو الباب الشرقي المفتوح للبلدة القديمة، والذي يفضي إلى باب الأسباط وهو أحد أبواب الحرم القدسي. هذه المئذنة هي اخر مئذنة بنيت في الحرم عام 1367م، بناها السلطان الملك الاشرف شعبان بن حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وما زال النقش الذي يؤرخ لذلك موجودا عليها.
يقول الباحث خليفة "صدعها زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م مما اضطر المجلس الإسلامي الأعلى إلى هدم القسم العلوي وبنائه من جديد. وعند احتلال إسرائيل للمكان في سنة 1967م، تضررت المئذنة اثر إصابتها بالقذائف، وقد جرى ترميمها كاملاً. وهذه المئذنة من أجمل مآذن المسجد مظهرًا، أمتنها بناء وأفخمها عمارة، ولها من الأسماء: مئذنة الصلاحية لكونها واقعة في جهة المدرسة الصلاحية".
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AkhbarKhasa/2008/6/341382.htm
الأربعاء، 18 يونيو 2008
أسبلة القدس تشابه في الفن المعماري والتهميش
تتوسط مدينة القدس المرتفعات الوسطى الفلسطينية، والتي حظيت باهتمام العالم منذ الاف السنين، لاسباب مختلفة، لم تحظ بمصادر طبيعية كانت تحتاجها بشدة، مثل المياه، وهي المعضلة التي كانت تواجه الحضارات التي تعاقبت عليها.
ومنذ العهد الروماني، تم جلب المياه إلى القدس من عيون مياه بعيدة، عبر قنوات ونظام مائي فريد، ظل ترميمه وحمايته والحفاظ عليه، المسالة الأهم لكل الدول التي سيطرت على القدس.
وتكثر في مدينة القدس الان الاسبلة، سواء داخل الحرم القدسي الشريف، وبعضها يعمل حتى الان مثل سبيل الكأس، الذي يتوسط المسافة بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهو مبني دائري مكشوف من الرخام، وبعضها الآخر يقف شاهدا على الأساليب المعمارية التي ميزت من وضع بصماته في هذه المدينة، مثل سبيل قايتباي المملوكي، الذي يعتبر من اجمل الاسبلة المملوكية في بلاد الشام.
ويقول الدكتور إبراهيم الفني المختص بالآثار الفلسطينية "السبيل مبنى متميز في العمارة الإسلامية إذ يشكل معلما معماريا زخرفيا، وفي الوقت ذاته يوفر الماء العذب إلى سكان الأحياء والى زوار المسجد الأقصى".
وعن الأنماط العمرانية للاسبلة في القدس، يقول الفني لمراسلنا "صمم المهندسون والمعماريون هذه الاسبلة، عبر الطرق والشوارع العامة، ويعتبر كل سبيل من هذه الاسبلة وحدة قائمة بذاتها، وأحيانا كانت ترتبط بأنماط معمارية مثل المساجد والمدارس، خصوصا وان المعماريين اهتموا بإقامة الاسبلة على مقربة من المباني الدينية لحاجة المصلين إليها مثل الوضوء والصلاة".
ولكن وظيفة السبيل لم تقتصر أبدا على مسالة الوضوء، فالاسبلة في القدس مثلا انتشرت في أماكن أخرى ذات طابع حيوي تتعلق بحركة الناس اليومية.
وخارج الحرم القدسي توجد ستة اسبلة تتشابه في معمارها، وتتوزع بين شوارع وأزقة البلدة القديمة، تعود كما تظهر النقوش عليها إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، بنيت بين عامي 1536-1538م.
وتتشابه هذه الاسبلة بنمطها المعماري، ولكل واحد منها قنطرة مزخرفة، وبرواز حجري، ورغم صغر حجم هذه الاسبلة إلا انه يظهر عليها أساليب معمارية مختلفة، وتحمل كتابة تذكر ببانيها الأول السلطان سليمان القانوني على النحو التالي "أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك مولانا السلطان الملك الأعظم والخاقان المكرم مالك رقاب الأمم سلطان الروم والعرب والعجم عز الإسلام والمسلمين ظل الله في العالمين حامي الحرمين الشريفين السلطان سليمان بن السلطان سليم خان خلد الله ملكه وأدام عدله وإحسانه في سنة ثلاث وأربعين وتسعماية".
وهذه الكتابة تظهر على اشهر هذه الاسبلة وهو المعروف باسم سبيل باب السلسة، لوقوعه قبالة أحد الأبواب المؤدية إلى المسجد الأقصى والذي يحمل اسم (باب السلسلة).
وفي ما يمكن وصفه مفارقة صارخة، فان هذا السبيل الذي بناه شخص، اسبغ على نفسه في يوم من الأيام لقب مالك رقاب الأمم، يستخدم من قبل جنود دولة صغيرة جغرافيا تسمى إسرائيل، الذين يتولون مراقبة الداخلين إلى المسجد الأقصى من باب السلسلة، ويحددون من يحق له الدخول للصلاة في أولى القبلتين.
وعلى بعد أمتار منه يقع مقر لحرس الحدود الإسرائيلي، الذي استولى على المدرسة التنكزية التي تعود إلى العهد المملوكي، وحولها مركزا له.
وكثيرا ما شهد هذا المكان مواجهات بين الفلسطينيين الغاضبين، وجنود الاحتلال الإسرائيلي، خلال السنوات الأربعين الماضية من الاحتلال.
وهذه الصورة للسبيل الان تناقض تلك التي شهدت ما يمكن تسميتها عصره الذهبي، كما تصورها المؤرخون والاثاريون ومنهم الإسرائيليون، ففي متحف تاريخ القدس، في مبنى القلعة، وضع الإسرائيليون مجسما لباب السلسلة هذا وأمامه يقف عدد من الشخصيات المتنوعة، وكتب عليه هذا التعليق "السبيل الذي بناه سليمان العظيم في القرن السادس عشر في أحد مداخل الحرم: باب السلسلة، وبواجهته مجموعة شخصيات تميز القدس في القرن التاسع عشر"، ومن هذه الشخصيات: جندي تركي، وخوري يوناني أرثوذكسي، وفلاح فلسطيني، ويهودي شرقي، وزائر أوروبي.
ورغم أن سبيل باب السلسلة عثماني التأسيس والمنشا، ويعتبر من المآثر العثمانية في القدس، إلا انه يحمل لمسات فنية موروثة من العهد الصليبي في القدس.
ويقول الفني "البرواز الخارجي على هذا السبيل، عبر انحناء القوس هو مدلول عن فن النقش الذي ادخله الصليبيون إلى القدس، ويمكن القول أن هذا قد نقل من جماليات إحدى الكنائس في القدس، التاجات التي كانت قائمة على طرفي الدعامات هي من نمط عرف في فترة القرن الثاني عشر بالقدس".
ويضيف الفني "يمكن الإشارة إلى أن التغيرات التي طرأت على هذا السبيل منذ إنشائه قليلة، ومنها الدعامات التي بنيت، واعتقد أن هذا قد تم لابراز تلك الكتابة الموجودة على هذا السبيل".
وكان هذا السبيل مثل الاسبلة الأخرى في البلدة لقديمة، تصله المياه عبر القنوات العظيمة من برك سليمان التي تصب فيها الينابيع القريبة من بيت لحم، وكانت هذه المياه تصل إلى منطقة المسجد الأقصى، وقسم منه كان يزود بناية التنكزية المملوكية، التي تحولت الان إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية.
ومن بين الاسبلة التي بناها السلطان سليمان القانوني، سبيل شارع الواد، الذي تعرض هذا الشارع للتدمير منذ الاحتلال في حزيران (يونيو) 1967، وإزالة كثير من معالمه العربية والإسلامية، لأنه يؤدي إلى ساحة حائط البراق (المبكى)، وهذا السبيل مهمل الان بشكل كبير، وتحول إلى ما يشبه مكب للنفايات.
ويقع هذا السبيل قرب حمام مملوكي اسمه حمام العين، استولت عليه مؤسسات يهودية، وعملت على تحويله إلى كنيس في بداية عام 2007.
ويبعد الحمام نحو خمسين مترا عن المسجد الأقصى، وبمحاذاة الباب الشمالي المؤدي إلى حائط البراق، وبقي من هذا الحمام الأثرى، منشاة مجاورة تدعى (اميم حمام العين) والاميم يعني المكان الذي تسخن فيه المياه لاستخدامات الحمام، ويتعرض هذا الاميم، وهو مبنى تاريخي تمتد جذوره إلى العهد المملوكي لاستهداف، مما جعل مركز دراسات القدس، الذي يتخذ من مبنى اثري قديم يدعى خان تنكز مقرا له، لإطلاق حملة لإنقاذ الاميم الذي يقع مدخله الشرقي داخل الخان الذي بقي شاهدا على ازدهار القدس المملوكية.
وهذا الاميم ملاصق لسبيل شارع الواد الذي خدم في سنوات مغرقة في القدم، الحجاج والمسافرين والأدباء والعلماء والرحالة والمرابطين بجوار الحرم القدسي الشريف، وكان على الأرجح هو من يمد اميم حمام العين بالمياه.
وفي إصدار يحذر من المخاطر التي تواجه الاميم والسبيل أشار مركز دراسات القدس "يقع هذا المكون الفريد في عمق الحي الإسلامي الذي تعمد السلطات الإسرائيلية على تفريغه من مكوناته الحضارية الإنسانية العربية الإسلامية واستبدال معالمه الحضارية بمعطيات ادعائية لهيكل تراءى لهم في العهد القديم".
ورأى المركز بان الاميم هذا المبنى التاريخي الذي تمتد جذوره للعهد المملوكي يتعرض كما هو حال الكثير من المباني لمصادرة "وجوديته القريبة من حائط البراق والحرم القدسي الشريف وإلحاقه بالزحف الاستيطاني المستمر في الحي لالتهام المزيد من المباني والعقارات".
ورغم كل هذه السنوات فما يزال سبيل شارع الواد، المهمل والمهدد مثل الحمام والاميم، يحمل تلك الألقاب التي اسبغها القانوني على نفسه، وهو ما يظهر من النقش الذي ما زال يحمله وينص "أمر بإقامة هذا السبيل مولانا السلطان الملك المعظم الملك العادل منصف الشعب سلطان العجم والترك والعرب السلطان سليمان بن السلطان سليم خان".
ويعود تاريخ البناء إلى عام 1537م، وتوجد بصمات من المعمار الصليبي على هذا السبيل، مما يشير إلى استفادة مهندسي سليمان القانوني من الأنماط المعمارية التي سبقتهم، وكما يقول الفني "المواد والأنماط الحجرية التي استخدمت في هذا البناء هي من الفن الصليبي، القوس الرئيسي اخذ من فتحة قوس لشباك أو باب، والملاحظ أنها نقلت من موقع لم نعرف مكانه، لكن يظهر بوضوح النمط الصليبي في هذا البناء".
وتوجد اسبلة أخرى مهملة في شوارع القدس القديمة، يتخذها الباعة المتجولون، عناوينا لهم يقفون فيها لبيع بضائعهم، مستفيدين، من مواقع هذه الاسبلة الاستراتيجية في جغرافية أسواق القدس، التي تبدو حزينة جدا الان بعد 41 عاما من الاحتلال.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2008/6/340914.htm
اريحا 10 الاف عام
لا يأبه الأطفال الذين يمرحون في قناة الماء التي تحمل المياه من عين السلطان، الواقعة في سفح تل السلطان، إلا بهذه المياه الباردة المنعشة لتي لم تتوقف عن الجريان منذ آلاف السنين، وكانت السبب في جعل مدينة أريحا واحة، وسط صحراء البحر الميت، التي تحيطها من كل جانب.ويعتبر تل السلطان هو أريحا القديمة، التي يخطط الفلسطينيون للاحتفاء بمرور عشرة آلاف على إقامتها، باعتبارها اقدم مدن الأرض.
وتم إطلاق مشروع (أريحا 10 آلاف عام)، حيث سيتم إحياء هذه الذكرى في احتفالات كبيرة عام 2010. وتسعى عدة جهات لتخرج هذه الاحتفالات، بشكل يليق بما يعتبر اقدم مدينة في التاريخ، تخضع الان لحصار إسرائيلي خانق، وجلب تمويل لمشاريع من اجل النهوض بالمدينة. وشاركت بلدية أريحا في مؤتمر الاستثمار لفلسطيني الذي عقد بمدينة بيت لحم مؤخرا، وحظي بحضور دولي مكثف، وعرضت في جناحها مواد دعائية عن أريحا، وشرحا عن فكرة الاحتفال والمشاريع التي تحتاجها المدينة.
ويفخر حسن صالح رئيس بلدية، بان البلدية هي التي كانت المبادرة للمشروع، واعرب عن أمله أن يجد متابعة من المستوى السياسي الفلسطيني، مشيرا إلى أن المشروع وجد قبولا عالميا كبيرا من خلال ردود أفعال الوفود الأجنبية التي تزور البلدية. ويؤكد صالح، بان المشروع لن يقتصر على فعاليات احتفالية فقط، ولكنه يسعى لاستقطاب مشاريع للمدينة، ووجه دعوة إلى رجال الأعمال الفلسطينيين والعرب إلى الاستثمار في أريحا.
ويعتبر صالح أريحا مدينة في غاية الأهمية "لموقعها التاريخي وكبوابة فلسطين الشرقية وأهميتها في إحلال السلام باعتبارها منطقة حدودية، لكن المدينة ما زالت بحاجة إلى مزيد من التنمية لا سيما المشاريع الحيوية مثل الصرف الصحي والبنية التحتية حيث يحتاج الاحتفال بهذه المناسبة إلى كثير من المشاريع الحيوية حتى تكون المدينة على حجم الحدث".
ولقي المشروع اهتماما من الحكومة الفلسطينية، التي قررت تشكيل لجنة متابعة للمشروع، وهو ما أعلنه الدكتورة خلود دعيبس، خلال الاحتفال بمشروع تطوير موقع قصر هشام في مدينة أريحا، ويعتبر قصر هشام أحد أهم القصور الأموية في بلاد السام. وقالت دعيبس، بان مشروع أريحا 10 آلاف عام، سيساهم في تسويق فلسطين سياحيا، ويسلط الضوء على الغنى الثقافي والتراثي والأثرى في فلسطين.
واضافت دعيبس "نود إرسال رسالة للعالم بأننا جزء من التراث الإنساني العالمي، ونسعى لتغيير الصورة النمطية حول فلسطين في العالم، ومثل مشروع أريحا يساعد في ذلك، في ظل ما نعانيه من تدمير إسرائيلي متعمد من لتراثنا وهويتنا الوطنية". وحظيت أريحا بالاهتمام بصفتها اقدم تجمع بشري في العالم، بفضل عالمة الآثار الشهيرة كاثلين كينيون، التي نقبت في تل السلطان في خمسينات القرن الماضي، وكشفت عن طبقات حضارية مغرقة في القدم، وواجهت بشجاعة ما وصف بالأساطير الإسرائيلية حول مدينة أريحا، باعتبارها أول المدن الفلسطينية التي سقطت في يد يوشع بن نون.
وناقضت حفريات كينيون رواية العهد القديم، وكتبت بأنه لم يكن هناك أسوار لاريحا، في زمن يوشع بن نون، كي تسقط بنفخ أبواق القبائل العبرية.
وتوصلت كينيون، إلى أن عمر أريحا لا يقل عن 10 آلاف عام، من خلال دراسة التسلسل الطبقي بالموقع، وتحليل عينات الكربون التي وجدت بأقدم الطبقات. ويقول وائل حمامرة مدير آثار أريحا، بان كينيون توصلت إلى نتائجها اعتمادا على البقايا العمرانية التي وجدت في مدينة أريحا واعتبرت كأقدم مدينة بالعالم، مثل بقايا السور والبرج الدفاعي داخلها.
ويشير حمامرة، وهو أحد الاثاريين الشبان المتحمسين، بأنه يوجد في أريحا اكثر من 80 موقع اثري بالإضافة إلى مئات الشواهد الأثرية، وهي عبارة عن أجزاء من موقع وليست موقع رئيسي. وبسبب الشهرة التي أعطتها حفريات كينيون لتل السلطان، فما زال الموقع يستقبل يوميا أعداد كبيرة من السياح الأجانب، الذين يأتون ليعاينوا الموقع الذي شهد اكثر من 20 طبقة أثرية حضرية، وما زالت بعض القطع الأثرية مثل الجرار، في مكانها وسط التراب والأنقاض.
ويقع تل السلطان على بعد نحو 2 كلم من مركز مدينة أريحا الحالية، وهو عبارة عن تل اصطناعي بيضاوي الشكل، مساحته نحو 3 هكتارات.ووصلت كينيون إلى التل في عام 1951، لتفا جيء العالم بعثورها على بقايا مستوطنات بشرية تعود إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد. ولم تكن كينيون، أول من نقب في هذا التل الصغير، الذي أصبح يعرف بأريحا القديمة، فقد سبقها كثيرون، ففي عام 1911، نقبت بعثة ألمانية-نمساوية، ولم تحقق نتائج ملموسة، ولكن حفريات، نفذتها مدرسة الآثار البريطانية بالقدس بين عامي 1930-1936، أسفرت عن اكتشافات مهمة، أعلنها البروفيسور جون جارستانج، مسؤول البعثة ومنها العثور على خنادق وطبقات أثرية تعود لنحو 6 الاف قبل الميلاد، وعثرت البعثة البريطانية على أضرحة دقيقة الصنع تعود إلى العصر البرونزي الأوسط، والمعروف فلسطينيا، باسم عصر الهكسوس.
وعندما جاءت الدكتورة كينيون، بعد ذلك لتكمل ما فعله مواطنوها، كان لديها ثقة بان التل، لن يخذلها، وهو ما حدث. وربما الأهم، أنها، اختلفت عن من سبقوها في المنهج، فهي، أدركت منذ البداية، انه من الخطأ، استمرار الربط التعسفي بين أي كشف اثري، وقصص التوراة، ويمكن القول أن كينيون، كان لها فيما بعد اثر بالغ، على جيل من الأثريين، تعتبر هي أستاذتهم، كانوا مخلصين أكثر إلى عملهم البحثي والتنقيبي، أكثر من أية دعاوى أيدلوجية أو دينية. عملت كينيون، في التل، حتى عام 1961، وكانت الاكتشافات تتوالى، ونشرت عن ذلك في مجلدين كبيرين.
وأشارت كينيون إلى أن تل السلطان هو عبارة عن بقايا لنحو 23 حضارة قديمة، تتالت على المكان، وكشفت عن خندق عرضه 9 أمتار وعمقه أكثر من 3 أمتار، محفورا داخل الصخر، وكشفت أكثر من مائة قبر، وأختام، وبذور، وعلى ما اعتبر أقدم نظام درج في العالم، وأقدم حائط أو ساتر كبير وأقدم برج دائري للدفاع في العالم، يعود إلى 8000-9000 سنة قبل الميلاد. وهذه الاكتشافات، جعلت كينيون تقول للعالم، بان أريحا هي أقدم مدينة في العالم، محددة العصور التي استوطن الإنسان فيها، حتى العصر البيزنطي، والإسلامي الأول.
وكان لدى كينيون، من خلال هذه الاكتشافات، ما يشير إلى أن أريحا شهدت سلطة مركزية، وكانت أولى الحضارات في تدجين الحيوانات والزراعة المنظمة وصناعة الفخار، وان ما كشفته، كالبرج الدفاعي والسور، سبقت الأهرامات بنحو 4000 سنة. ونقبت كينيون، فيما بعد في مدينة القدس، وكشفت عن القدس اليبوسية، وتوقف عملها بسبب الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وعادت إلى لندن التي ولدت فيها عام 1906، ابنة للسير فريديك كينيون، الذي عمل كمدير للمتحف البريطاني لأكثر من عشرين عاما.
ورغم أنها استمرت في ابحاثها إلا أن اكتشافها لأقدم مدينة في العالم، هو من ظل يثير النقاش حولها، الذي كان يتجدد بين فترة وأخرى، ومنها ما كان في عام 1981، عندما كان عليها أن تواجه من جديد تفسيرات أثريين لاكتشافها في أريحا وعلاقته بقصة يشوع بين نون في التوراة، فردت على ذلك بالكتابة في صحف أميركية وبريطانية "في أريحا ثمة أحلام، وخرابات، وأشباح، لم أجد جرة مهجورة ربما تركتها ربة منزل قبل الغزو الإسرائيلي للمدينة، لم أجد شيئا يعود لعصر يشوع".
ورغم الهجوم الذي لم ينقطع عليها، والذي اتخذ صبغة علمية، إلا انه كان هناك من قدر إسهاماتها الجوهرية في علم الآثار، فمنحتها الملكة اليزابيث الثانية عام 1973، وساما ولقبا، وفي عام 1978 توفت كينيون، التي لم تتزوج، وحيدة عن عمر 72 عاما، والتي ينظر إليها الان كواحدة من أهم الأثريين في القرن العشرين.
وبسبب تحررها من سلطة النصوص المقدسة، التي ينظر إليها كتاريخ، تمكن الفلسطينيون الان من إطلاق مشروع أريحا 10 آلاف عام، رغم عدم معرفة الكثيرين وإدراكهم لدورها الريادي في الدراسات الاثارية الفلسطينية، وبانها تستحق ان يحيا ذكراها خلال الاحتفالات التي ستشهدها اريحا بعد عامين.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/6/340783.htm
الثلاثاء، 17 يونيو 2008
عش غراب..مع رئيس بلدية بيت ساحور
جنكيز ايتماتوف..سلاما
رحل جنكيز ايتماتوف وستبقى منه رائحة "جميلة" و"وداعا جولساري" وشخصيات اخرى قرغيزية وروسية، وبعضها من اثنيات صغيرة لا تكاد تذكر، تمكن ايتماتوف من ايصالها الى 150 لغة في العالم.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فعل ايتماتوف، مثلما فعل كثيرون جاء الى اسرائيل، مكرما، وهو ما اثار استيائي حينها..واعتبرته فعل خيانة، لابطال روايته الانسانيين قبل أي شيء.
بعد فترة وجيزة من زيارته التي فسرت على انها جزء من السعي خلف نوبل، التي يستحقها، اكثر من كثيرين حصلوا عليها، جاء الكل الى اسرائيل وفي مقدمتهم فصائل حركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة التي تولت، وما زالت، مهمة الاشراف على سجون يعيش فيها ابناء الشعب الفلسطيني، ولاطالة عمر الاحتلال، وجعله ارخص احتلال في التاريخ.
وداعا يا جنكيز..غيابك يوم حزين بالنسبة لي
عن رحيل الروائي الكبير يمكن مطالعة مقال الاستاذ فالح الحمراني على هذا الرابط
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2008/6/338839.htm
الاثنين، 16 يونيو 2008
الأحد، 15 يونيو 2008
السبت، 14 يونيو 2008
من منا داود ومن منا جليات؟
خرج الفتى داود العبراني، الصغير، الجميل، المحق، يلاحق عدو شعبه جليات الفلسطيني، المشهور بجبروته وعدوانيته، وتمكن داود من قتل جليات العملاق، بحجر من مقلاعه.
قد تكون هذه الاسطورة واقعية، او فيها شيء من احداث واقعية، لكنها تحولت عبر اجيال، الى اسطورة حية، بفضل اهم كتاب ادبي على الاطلاق، ما زال يؤثر في القسم الاغلب من البشرية.
تحرك داود في المكان، المشهور باسم عزيقة، والذي تغلب فيه، وفقا للكتاب الادبي البالغ الاثارة، على تحالف الملوك الكنعانيين، وهو نفس المكان الذي خيم فيه الفلسطيّون قبل حربهم ضدّ شاول، والتي جرت خلالها الاحداث الرمزية المرتبطة بالفتى داود والعملاق جليات، والتي حصنها رحبعام، واحتلها نبوخذ نصر، وأقام فيها اليهوذاويّون العائدون من السبي.
اسم هذا المكان الان تل زكريا، الواقع على وادي السنط، وفي ظرف زماني، غير الذي عاشه الفلسطينيون الحاليون، منذ قرن او قرنين اوثلاثة، قد لا يوجد افضل من هذا المكان الدرامي، ليولد به المرء، ولكن، بسبب تحول الكتاب الادبي، الى شيء اخر، اصابت لعنة المكان ساكنيه، ومن بينهم والدي، الذي هجر عن قريته.
زكريا تحولت الى مستوطنات يهودية، والتل اصبح معلما سياحيا، احيانا يشعر المغتصبون برغبة بتمثيل قصة داود العبراني وجاليات الفلسطيني، ويقدمونها بشكلها الاكثر حقيقية وواقعية كما هي في هذه الصورة المرفقة.
السلفية الجنسية طريق إلى الشهرة الأدبية
سيجد المدافعون عن الشكل الكلاسيكي للرواية، والمنتصرون للتجريب على حد سواء، صعوبة كبيرة، في تصنيف كتاب (برهان العسل) لسلوى النعيمي، باعتباره رواية، ولكن الناشر والكاتبة قدما الكتاب للجمهور باعتباره ينتمي لفن الرواية، فيما يشبه تحميل الأمور اكثر مما تحتمل بكثير.وربما الإصرار على وصف الكتاب بالرواية، يعكس رغبة لدى الكاتبة، في أن تصنف في عداد المحسوبين على فن الرواية، دون أن تمتلك، على الأغلب الأدوات اللازمة لذلك، وربما عدم نجاحها في ذلك أصابها بالغيظ، عندما عبرت في حديث نشر على الشبكة العنبكوتية، عن انزعاجها من الالتفات إلى جانب معين في الكتاب وهو الجنس، دون الالتفات إلى الجوانب الأدبية، والتي سيجد القاريء صعوبة كبيرة في تحسسها، وهو أمام عمل يحوي نتفا من حكايات شبيهة بتلك المتداولة بين ربات البيوت العاطلات عن العمل.
وبعد أن اصبح الكتاب مشهورا، وصدرت منه عدة طبعات، لم تعد هوية الكتاب الأدبية مهمة، بقدر طبيعته الصادمة.
وأرادت المؤلفة، كما نسب إليها من تصريحات نشرت في مواقع إلكترونية، كسر تابو الجنس، بل أنها اعتبرت انه لم يعد كذلك في الكتابة العربية بعد كتابها.
وربما يحق للنعيمي، التي حصدت شهرة واسعة، من كتابها هذا، بعد عدة كتب لم تحظ بشهرة، أن تقيم دور كتابها كما تشاء في مسيرة الأدب العربي، وان كان من التزيد القول بان كتابا واحدا كان له الفضل في كسر تابو ما، على فرض أن هذا التابو حطم فعلا في العالم العربي.
وسبب شهرة كتاب النعيمي، هو عودتها إلى كتب التراث العربي الجنسية، لتضمن نتفا منها في صفحات كتابها، التي تسمي الأعضاء الجنسية بأسمائها الصريحة، وتعلي من شان التصورات الشعبوية حول الجنس، التي تنتمي اكثر إلى ميثولوجيا وأساطير الشعوب، اكثر منها إلى الثقافة الجنسية العلمية.
وقد لا يكون مطلوبا من النعيمي، أن تقدم في كتابها هذا جرعات من الثقافة الجنسية لجمهورها العربي، ولكنها هي أرادت ذلك، كما تظهر في اكثر من صفحة من كتابها، بل أن العمل الروائي والفني عموما، لكي يكون إبداعيا فعلا، فانه لا يحتمل أية جرعات وعظية، سواء كانت جنسية، أو دينية، أو أيديولوجية.
ومثلما يحدث مع موجات الكتابة السلفية الدينية، التي حصد أصحابها أيضا شهرة واصبحوا نجوما، سلكت النعيمي نفس المسار، فعادت إلى كتب الجنس العربية التراثية، المليئة بكثير من المغالطات حول الجنس، لتقول بان العرب كانوا سباقين، أو على الأقل اكثر دراية بالجنس من العرب المعاصرين.
وفي هذا السياق تقتبس شذرات من هنا وهناك عن شخصيات أسطورية مثل التي يطلق عليها الألفية، لأنه وطأها ألف رجل، وهي شخصية تصلح لان تكون جزء من عمل روائي، ولكن ليس بالشكل الذي ظهرت فيه في كتاب النعيمي، كمنظرة للجنس، يتوجب الأخذ عنها.
وتورد النعيمي فقرات من التراث، عن مكونات خلطة لتقوية الجنس، دون أن يتم تجريبها فعلا، أو أن تخضع لفحص حديث، وفقرات أخرى تبدو غريبة عن موافقة عربي على ممارسة زوجته للسحاق، ليس لسبب إلا لان ذلك مفيد صحيا للفرج وأعضاء المرأة التناسلية.
وتضع النعيمي هذه الفقرات وغيرها الكثير كدليل على وعي العرب القدماء الجنسي وانفتاحهم، في مواجهة ما تراه الانغلاق والجهل الحالي.
والواقع أن الكتب التي لجأت إليها النعيمي، مليئة بالتصورات عن الجنس اكثر من كونها تعد إسهاما حضاريا عربيا في الثقافة الجنسية، واختارت الكاتبة الطريق الأسهل، فلم تلجا إلى النبش في هذه الكتب لتسليط الضوء على ما يمكن وصفه الجنس الخالي من الخرافات، لتقول بفخر عن العرب ما قالته في كتابها كما أرادت، ولكنها لجأت إلى نوع المهيجات الشعبوية، وكثير منه يدخل في باب الميثولوجيا والتصورات حول الجنس، مثل اقتباسها للحديث الذي دار بين آدم وحواء، بعد أن ضاجع الأول الثانية، دون أن تعرف ما هذا الذي حصل أو ما اسمه، ولكن الأمر أعجبها فتطلب المزيد منه.
وفي هذه الأمثولة قد يجد الباحث الكثير، ليقوله دون عناء، واقله عن هذه النظرة الدونية للمرأة، باعتبارها مستقبلة ومفعول بها، دون حتى أن تعرف حتى ماهية هذا الفعل، أو اسمه.
وتفخر النعيمي بهذه النصوص العربية، لكونها عربية، وفي الوقت ذاته تسخر من الأسئلة الجنسية التي يطرحها قراء إيلاف على الدكتور خالد منتصر، مستغربة: كيف لهؤلاء الذين تقول بان لديهم مثل هذا التراث لا يفهمون في الجنس؟.
ويبدو من كتابها، أن النعيمي، هي اكثر ما تكون حاجة لمطالعة ردود طبيب إيلاف، وهذا ليس عيبا، لاكتساب ثقافة جنسية حديثة، بدلا من السخرية، وتمسكها بوضع عمامة الثقافة الشعبوية الجنسية، على رأسها، لتفت معتمدة على وصفات الجدات في كتب التراث، وكتب ما يسمى الطب النبوي.
والمقارنة بين ما تدعو إليه النعيمي من ثقافة جنسية، وتلك التي يرفع لواءها منتصر، غير عادلة، لان الأمر يتعلق فيما يخص الثاني، بشخص دارس ومجاز أكاديميا، وعضو ف نقابة الأطباء، ومتابع لاخر ما توصلت إليه العلوم الجنسية، ومن حظ قراء إيلاف، أن طبيبهم، يمتلك نظرة نقدية للتراث، ولا يأخذه على علاته، ويؤمن بان التربية الجنسية هي من مستلزمات التربية الحديثة، وكذلك فان التحصيل الثقافي في مختلف فروع المعرفة، ومن بينها الثقافة الجنسية، أمر مطلوب على الدوام ولا يتوقف.
وفخر النعيمي بما تنقل من تراث جنسي عربي، يشبه فخر طلبة المعاهد الدينية الذين يمضون سنوات طوال في الدراسة، بما حصلوه من علم، ليتخرجون في النهاية، ويختلفون فيما بينهم حول الفرق بين الماء الطاهر والماء الطهور.
إن النعيمي تنتصر لما يمكن تسميته السلفية والشعبوية الجنسية، تماما مثلما هو الأمر مع السلفيين الجدد، وكلا الطرفين يعرفان نوعية الجمهور المستهدف، ولديهما مشكلة منهجية في التعامل مع التراث، حيث يتم اللجوء إلى منهج انتقائي محدود، لفرض رأي أو فكرة، والوصول إلى الشهرة، فنجوم الدعاة الجدد اصبحوا من رجال الأعمال وأصحاب الملايين، ودعاة السلفية الجنسية حققوا شهرة لم تكن تخطر على بال، دون أن يمتلكوا أدوات الكتابة، وفي تصريحات لها تشير النعيمي بأنها تعاقدت مع ما وصفتها اكبر دور النشر الفرنسية لترجمة روايتها للفرنسية ولغات أخرى، وأنها اختارتها بعد أن فاضلت بينها وبين دور نشر أخرى تلقت عروض منها حول روايتها.
وما بين السلفية الدينية، والسلفية الجنسية، تختفي أعمال إبداعية عربية، وتظهر دون أن يلتفت إليها أحد، بينما ينضم (برهان العسل) وكتب أخرى إلى فئة الأكثر مبيعا مثل كتب الجان، وعذاب القبر، التي تباع على أرصفة المدن المخنوقة بكل أنواع السلفيات.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2008/6/339741.htm
الأربعاء، 11 يونيو 2008
الاثنين، 9 يونيو 2008
السامرة الفينيقية ضحية مثالب المناهج البحثية العربية
وضع الباحث المعروف فراس السواح كتابه (الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم) لمحاججة الدكتور كمال الصليبي صاحب نظرية (التوراة جاءت من جزيرة العرب).
ويذهب السواح بعيدا في نقده لنظرية الصليبي، معتمدا على نتائج الحفريات الأثرية في فلسطين، والكشوفات الأثرية في سوريا، والنقوش الفرعونية الآشورية.
ويحسب للسواح، الكثير، وكذلك للدكتور كمال الصليبي، ومن ذلك قدرتهما على الوصول إلى جمهور واسع من القراء، وجعله يهتم بقضايا عادة لا تشكل جزء من اهتمام الرأي العام العربي.
ولكن ما يحدث على صعيد دراسة المواضيع التي يتصدى لها كل من السواح والصليبي، أن الاثنين يتحدثان عن مواقع لم يزوراها، ولم ينقبا فيها، وان كان البعض سيقول بأنه ذلك غير مهم، فلا يمكن فهم الكتابة عن مكان لم يزره الباحث ويختبره، وإذا تم تفهم ذلك، فان من الصعب فهم التعصب والمحاججة وعبارات الحسم التي تميز كتاباتهما.
وفي كتابه الذي صدرت طبعته الرابعة في دمشق، ووصل الاراضي الفلسطينية، يبرز داب السواح، وسعيه لإثبات بطلان نظرية الصليبي، إلا انه وهو يفعل ذلك، يقع في أخطاء غير مبررة مردها تعصبه ضد نظرية الصليبي، واعتماده على نتائج أبحاث وكشوفات لم يكن هو شخصيا طرفا فيها، وإنما قرا عنها مثلما فعل الآخرون، واعتبرها الكلمة الأخيرة في مواضيع من الصعب الحسم فيها أبدا، خصوصا وان المعاول لم تتوقف عن الحفر في فلسطين.
وتبرز مثالب منهج السواح، بشكل مقلق، وهو يتحدث مثلا عن الأماكن التي تم فيها التنقيب الاثاري في فلسطين، لإثبات نظريته التي ينتصر فيها لبعض ما جاء في العهد القديم.
والمثل الأبرز على ذلك هو حديثه عن المدينة الفلسطينية سبسطية، شمال الضفة الغربية، التي لا يذكرها بهذا الاسم، وإنما باسمها التوراتي السامرة.
ويكتب السواح عن هذا الموقع الهام في سياق التاريخ الفلسطيني، والشرق الأدنى القديم، بحسم وبدون أن يهتز القلم بين يديه "وقد جاءت نتائج التنقيب الأثرى في موقع السامرة في اتفاق مع الرواية التوراتية، فمدينة السامرة، هي الموقع الوحيد في فلسطين الذي بني على التربة العذراء دون طبقات اثارية سابقة عليه"، وتأتى هذه الكلمات الحاسمة من باحث لم يقدر له زيارة أي موقع اثري في فلسطين، فضلا عن كل المواقع الأثرية في فلسطين، التي تشملها جملته الحاسمة، والتي لا تحصى، وما يوجد الان تحت سيطرة سلطة الآثار الإسرائيلية نحو 20 ألف موقع اثري، بالإضافة إلى آلاف المواقع التي لم تنقب حتى الان، وأخرى نقبت بشكل جزئي، وعدد آخر نقب عشوائيا ودمر من قبل لصوص الآثار الفلسطينيين وشركائهم التجار الإسرائيليين، مما يعقد الأمور بالنسبة لأي بحث يزعم انه صاحب الرأي الأخير في مواضيع تثير شغف القراء حول العالم، الذي ما زال الكتاب المقدس، الكتاب الأدبي الأكثر تأثيرا فيهم.
ويخالف السواح، الذي يعرف موقع سبسطية على الخارطة فقط، الشواهد التاريخية في المكان، وكذلك التنقيبات الأثرية وحتى نظريات علماء الآثار التوراتيين المتعصبين، وحتى ابعد من ذلك فانه وهو يحاول الانتصار للعهد القديم، فانه يعطي مثلا على السامرة، أي المملكة الإسرائيلية الشمالية التي اتخذت التوراة منها موقفا معاديا جدا، إلى درجة التقليل من شانها، على حساب مملكة يهوذا في مرتفعات القدس، رغم أن الاكتشافات الأثرية تغالط الرواية التوراتية وتنتصر للمملكة الشمالية، وساهم في ذلك، الشواهد من خارج الكتاب المقدس، مثل بعض النقوش التي عثر عليها سواء في العراق أو مصر، ولكن أهمها بلا جدال مسلة ميشع التي اكتشفت في قرية ذيبان قرب مدينة مادبا الأردنية، والتي تتحدث عن مآثر ملك مؤاب ميشع ومنها محاربته للملك الإسرائيلي عمري وابنه الذي لم تذكره المسلة ولكن يعتقد انه اخاب.
والسبب المعلن للعداء الذي يكنه محررو الكتاب المقدس لمملكة السامرة، هو وثنيتها وعدم التزامها بتعاليم الإله يهوه، ولكن الأمر ربما يكون ابعد من ذلك بكثير، ويمكن أن يكون زواج اخاب من ايزابل ابنة اثبعل ملك الصيدونيين (صيدا) الفينيقي، التي انتصرت وزوجها لعبادة آلهة بعل، مفتاحا لفهم التطرف العدائي تجاه السامرة.
وتعتبر ايزابل من أقوى الشخصيات النسائية المذكورة في التوراة، التي تشير إلى أن زوجها اخاب خاض حروبا شريرة، بتحريض منها، حيث يقول سفر الملوك "اخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب الذي أغوته ايزابل امرأته".
وتبرز شخصيتا اخاب وايزابل في العهد القديم، كاثنين من العصاة الذين ينتقم منهما يهوه، اله العهد القديم القاسي، بشكل دموي، لعصيانهما أوامره، وقصتهما في هذا الكتاب المقدس شديدة الدرامية، وفيها من تشفي محرري الكتاب المقدس الكثير.
ويقدم محررو الكتاب المقدس ايزابل على أنها امرأة قوية وعنيدة، جعلت الملك الإسرائيلي ينقاد خلفها ويعبد بعل، مما أثار غضب يهوه، الذي أرسل النبي إيليا إلى اخاب، لينبئه بقدوم قحط عقابا على خطيئته، واستمر القحط ثلاث سنوات.
ونجح إيليا، بتحدي اخاب وايزابل، وانتصر على "أنبياء الأوثان" عبدة بعل الذين جمعهم على جبل الكرمل، حيث أرسل يهوه، وفقا للعهد القديم، نارا التهمت الذبيحة الوثنية. وأمام هذا التدخل الإلهي، اختار الشعب عبادة الرب وقتل أنبياء بعل. وقد تنبأ إيليا لأخاب بمجيء المطر، الذي نزل بغزارة منهيا سنوات القحط، ولكن اخاب وزوجته لم يتعظا.
وتقدم ايزابل التي كان مصيرها القتل، مثل زوجها، كامرأة تقف وراء تحريض زوجها وإغوائه لارتكاب أي شيء من اجل توسيع مملكته. وهي صورة قد لا تخلو من شبهة تصفية حسابات مع حضارة ثرية وعميقة الجذور كالفينيقية.
وربما أهم ما كشفت عنه حفريات سبسطية، هو الطابع الفينيقي، لمدينة اخاب، والذي يعتقد انه كان بتأثيرات زوجته ايزابل، ومن بين هذه المكتشفات ألواحا من العاج، يعتقد أنها من بقايا قصر العاج الذي بناه اخاب، ويحلو لبعض الاثاريين نسبته للملك الفينيقي الذي بناه لابنته ايزابل وزوجها اخاب، ولكن أغلبية الاثاريين صنفوا هذه الألواح بكونها فينيقية.
وعادت ايزابل إلى الجدل من جديد في الأوساط المهتمة بعلم الآثار الكتابي، عندما أعلنت الباحثة الهولندية مارغو كوربيل، اكتشافها للختم الخاص بالأميرة الفينيقية الآثمة، وفقا للعهد القديم.
والحديث عن خاتم من العقيق، معروض في متحف إسرائيل منذ أربعين عامًا، دون أن ينجح الآثاريون الإسرائيليون المولعون، عادة بإحالة القطع الأثرية إلى التاريخ التوراتي، في تحديد هويته. حتى إعلان كورييل انه يعود لايزابل.
وتعتبر كوربيل، من المتخصصات في البحوث الكتابية، وتقول بان الخاتم مدار الحديث، هو ذو حجم غير عادي، ويتميز برموزه، وشكله، والفترة الزمنية التي يعود إليها. وتقول، بأنها من خلال دراستها للخاتم، والرموز الموجودة عليه، ومقارنة ذلك بقصة ايزابل التوراتية، فان الأمر المنطقي، بالنسبة لها، أن الخاتم يعود للأميرة الفينيقية.
ومثلما يحدث دائما، فان باحثين كثر شككوا في ما ذهبت إليه كوربيل، واخضعوا كل علامة على الختم إلى الفحص الدقيق، وخاضوا فيما بينهم نقاشا تفصيليا، وهو الأمر الطبيعي، في مثل هذه القضايا، حيث تستخدم كل الأساليب الحديثة، وما أكثرها، لدعم ما يتوصل إليه علم الآثار، وعدم الاكتفاء بمنظومات منطقية، هي اقرب إلى التدريب العقلي، والعصف الفكري، كما يقر الصليبي نفسه في أحد كتبه.
ربما يعجب القاريء، عندما يعلم كم من البحوث سودت حتى الان في مناقشة نظرية كوربيل، ساهم فيها باحثون من مختلف أنحاء العالم، مما يشير إلى أن الحسم في قضايا بحثية من هذا النوع ليس أمرا بالسهولة المتوقعة.
وفيما يتعلق بمدينة سبسطية، فان ما كشفت عنه الحفريات في سبسطية، تخالف الرواية التوراتية، ولم تظهر أنها كانت "تربة عذراء" كما يحسم السواح، فالشواهد الأثرية التي عثرت في المكان والتي تعود لعصور أبكر بكثير من العصر الحديدي الذي تنسب إليه المملكة الإسرائيلية الشمالية، التي هي بالمناسبة إحدى تجليات الحضارة الكنعانية، ومعظم مواطنيها من الارامين، اكثر مما تحصى، ويقر بذلك علماء الآثار الإسرائيليون المتعصبون لرواية التوراة، واكثر من هذا فان المكان ما زال يحتاج إلى مزيد من الحفريات.
ويقول الدكتور إبراهيم الفني الذي شارك في حفريات سبسطية "السامرة لم تكن دولة دينية، وما كشفت عنه الحفريات التي شاركت فيها، أن عمري، وهو قائد عسكري أصلا، بنى حصنا في سبسطية، على بناء سابق يعود إلى العصر البرونزي المتقدم، وعثرنا خلال الحفريات على أرضية معصرة تعود لعام 3300 قبل الميلاد، ووجدنا المبنى المقام عليها، ولما جمعنا الفخار وجدنا انه يعود للعصر البرونزي".
ويضيف الفني في حوار مع مراسلنا "من خلال فحصنا وقراءتنا للأنماط المعمارية التي بنيت في عهد اخاب وجدنا أنها فينيقية، ويمكن الاستنتاج بان الفينيقيين هم من بنوا المدينة، بشكل يشبه ما عثر عليه في تل مقرن، وفي اوغاريت، وفي الزيب".
ويعتقد الفني، بأنه لا توجد أية أهمية لأية دراسة، أو بحث، أو حتى خبر صحافي، دون عمل ميداني دؤوب، وهو أمر لم يرتقي له الكثيرون من الباحثين العرب.
ومثال ذلك باحث بارز مثل فراس السواح، الذي لو زار سبسطية، زيارة عابرة، لاكتشف كم هو الفرق كبيرا بين البحث المعتمد على العمل الميداني، والارتكاز إلى سلسلة مقاربات منطقية.
ويعتقد بعض المهتمين، بأنه فيما يتعلق بتاريخ الشرق الأدنى القديم، فان الأمر اكثر تعقيدا بكثير مما يطرح عادة في كتابات السواح أو الصليبي، وان كانا يتوجب تحيتهما على جهود كثيرة بذلوها، وكذلك على كل هذه الجرأة للكتابة عن أماكن لم يعرفوها إلا من الخرائط، ومن حسن حظهما انهما يكتبان لجمهور غير مدقق.
الأحد، 8 يونيو 2008
اثار فلسطينية مسروقة
تمكنت سلطة الآثار الإسرائيلية، من استعادة عشرات القطع الأثرية البحرية الهامة، بعد مداهمة منزل أحد تجار الآثار غير الشرعيين في مدينة حيفا، والقاء القبض عليه.
وذكرت هذه السلطة في بيان لها، بان مفتشين من وحدة مكافحة سرقة الآثار التابعة لها، بمساعدة مخبرين من شرطة حيفا، نفذوا عملية مداهمة لمنزل أحد سكان مدينة حيفا، حيث تم ضبط العشرات من القطع الأثرية التي وصفت بالهامة، التي يشتبه بأنها جمعت بشكل غير مشروع، واستخرجت من البحر، للاتجار بها.
وأشارت السلطة إلى أن الحديث يدور عن يهودي مقيم في حيفا، تم جمع معلومات استخبارية عنه، وتبين انه جمع قطعا أثرية قديمة، استخرجها غواصون عملوا بصورة غير قانونية في مواقع أثرية تحت الماء، وانه كان يتاجر بها، ومن بين هذه القطع مراس للقوارب القديمة.
ومن بين ما عثر عليه في منزل المشتبه بها، قطع نقدية قديمة، وتماثيل برونزية، ومن بينها تمثال من لامرأة مصبوب من البرونز، وهي قطعة تعود للعهد الروماني، وقدر عمرها بالفي عام.
وتم مصادرة ثلاثة مراس للقوارب القديمة، واحدة من المعدن، واثنتين من الحجارة، إضافة إلى عدد من الأواني الفخارية القديمة، والقطع الزجاجية، والبرونزية الخاصة بالسفن.
واعرب مفتشو سلطة الآثار الإسرائيلية عن دهشتهم، عندما دخلوا منزل المشتبه به، فرأوا في مدخل المنزل، جرة كبيرة من الخزف، وهي من النوع النادر، الذي استخدمها البحارة في زمن مضى لنقل البضائع، وهذه الجرة جزء من آثار غرقت في البحر الأبيض المتوسط، وبقيت هناك حتى وصل إليها تجار الآثار غير الشرعيين، قبل أي جهة حكومية.
وتم العثور أيضا على مقابض عليها كتابة يونانية فريدة، ويعتقد أن فك رموز هذه الكتابات، ستلقي مزيدا من الضوء على العلاقات التجارية التي كان مسرحها البحر الأبيض المتوسط، أو على الأقل فستكشف عن طبيعة الشحنة المرسلة ونوع البضائع، والاهم العام الذي وقع فيه حادث تحطم السفينة المفترض التي كانت تحمل شحنة البضاعة.
واقر المشتبه به، بارتكابه مخالفات تتعلق بالآثار القديمة، وقالت سلطة الآثار الإسرائيلية، بان انتشال قطع أثرية من قاع البحر هو أمر يحظره القانون الإسرائيلي.
وقال أمير غانور، مدير وحدة مكافحة سرقة الاثار "يحظر على الغواصين البحث عن آثار في أعماق البحر لاستخراجها، وأي عمل من هذا النوع يضع المخالفين تحت طائلة القانون".
واضاف غانور "إذا عثر أي شخص على آثار في البحر، فعليه إبلاغ سلطة الآثار لتفعل ما يلزم "محذرا من أن أي إزالة لهذه الآثار من قبل أفراد غير متخصصين يؤثر على العمل الأثرى البحثي، ويدمر الأدلة الأثرية".
ويذكر بان الآثار في فلسطين تتعرض لأنواع مختلفة من التدمير تشارك فيه جهات وأفراد، ومن بين اوجه ذلك التنقيب غير الشرعي على الآثار الذي تنفذه سلطة الآثار الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، خصوصا في القدس والمرتفعات المجاورة، وكذلك ما يفعله مواطنون فلسطينيون، دفعتهم الظروف الاقتصادية الصعبة إلى التنقيب عن الآثار وبيعها بمساعدة تجار ومهربين إسرائيليين.
السبت، 7 يونيو 2008
أفروديت الغارقة في بحر عسقلان
أسطورة أفروديت آلهة الحب والجمال الإغريقية، التي أصبحت فيونس لدى الرومان، نشأت في البحر الأبيض المتوسط، عندما انبثقت من زبد صدفة بحرية في جزيرة قبرص، وعادت لتظهر من جديد في هذا البحر، ولكن هذه المرة قريبا من مدينة عسقلان الفلسطينية الساحلية، التي تقع الان شمال دولة إسرائيل. وخلال دراسات استقصائية نفذتها سلطة الآثار الإسرائيلية في المنطقة الشمالية من شواطيء عسقلان، تم العثور على تمثال برونزي لافروديت، بالإضافة إلى تماثيل لاعمال فنية أخرى كانت مستقرة في قاع البحر طوال سنوات طويلة، من اهمها تمثال برونزي يمثل الذكورة الطاغية له علاقة بتكون اسطورة افروديت.
وعثر على افروديت البرونزية هذه التي ظهرت بشكل كامل، في حطام سفينة رومانية مساحتها 30 × 30 متر، متآكلة بفعل عوامل الزمن البحري كالرمال والعواصف وغيرها. وما تبقى من السفينة عبارة عن قطع خشبية وقطعتين من الأسلحة، ومسامير برونزية، مع شرائح استخدمت في بدن السفينة، وبكرات برونزية وغيرها من مواد استخدمت في بناء السفينة.
ولكن الأهم فيما عثر عليه ثلاثة تماثيل برونزية، الأول وهو الخاص بافروديت العارية، والثاني لرجل عاري ملتحي يمثل الإله بريبوس، والثالث تمثال يتعلق بتاليه الحيوان في أساطير الشرق القديم. وإذا كانت افروديت معروفة إلى حد كبير، فان الإله بريبوس، أو يرونس، اقل شهرة، ولكنه مرتبط بأسطورة افروديت، التي تتحدث عن إقدام كورنس على قطع العضو التناسلي ليورنس فسقط مع الدم والمني في البحر وتكون جراء ذلك الزبد (الرغوة) في صدفة، ومنه ولدت أفروديت.
وتظهر افروديت في التمثال البرونزي المصبوب، رافعة يدها اليسرى إلى الأعلى وكأنها تلوح بها، وواضعة ساقها اليسرى فوق ركبتها اليمنى، بينما تتحسس باطن قدمها اليسرى بيدها اليمنى. ويبلغ طول التمثال المثير للاهتمام 20 سم، وهو مصنوع من قطعة برونزية واحدة، ولم يتاثر بعوامل التعرية المائية فبقي صامدا يمجد اسطورة الالهة المنبثقة من امتزاج الدم بالمني، بماء البحر.
أما تمثال يرونس، وطوله 10 سم، فيظهر على شكل رجل عار يرتدي قبعة متطاولة، رافعا يده اليمنى إلى الأعلى، ومقدما رجله اليسرى إلى الأمام، قليلا عن رجله اليمنى. ويبدو وكأن يرونس في لحظة راقصة، مع انحناءة محيرة من رأسه، أما بالنسبة للرمز الأكبر في هذا النوع من التماثيل وهو العضو الذكري، فيبدو كما في باقي النماذج التي تقدم ليرونس اكبر من المعتاد ولكنه متدل إلى اسفل، بعكس تماثيل أخرى يبدو فيه عضو يرونس الذكرى منتصبا وكبيرا بشكل ملحوظ.
أما التمثال البرونزي الثالث المكتشف، فهو صغير جدا وطوله 1،9 سم، وله علاقة بتاليه الحيوانات الثديية لدى شعوب الشرق القديم، ويمثل قردا جالسا، يغطي فمه باثنين من أطرافه. ومن بين ما عثر عليه مسامير برونزية أطوالها 0،76 م، ليست عليها علامات طرق، مما يدل على أنها لم تستخدم قط، وربما تكون جزء من شحنة البضائع التي كانت على السفينة، وليست جزءا من السفينة نفسها.
ومن بين الأعمال الفنية المكتشفة جرس مع ثقب في جزئه الأعلى من اجل التعليق، وفتاحة زجاجات، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأدوات الصغيرة التي كانت تستخدم في الصيد، بما فيها الخطافات، والإبر البرونزية المستخدمة لاصلاح شباك الصيد، والأثقال الخاصة بالشباك وغيرها. واستنادا إلى فحص المواد المكتشفة، من تماثيل، ومسامير، واعمال فنية، فانه يمكن الافتراض أن الحديث يدور عن سفينة تجارية رومانية غرقت ما بين القرنين الأول والثاني الميلاديين. وقد يكون سبب الغرق، هو جنوح السفينة نحو الأرض وتحطمها، بفعل عواصف مفاجئة، أو لعدم وجود مرسى طبيعي أو مرفأ.
http://65.17.227.80/ElaphWeb/Reports/2008/6/337537.htm
الجمعة، 6 يونيو 2008
قلعة ال سمحان
في الطريق إلى قرية راس كركر، غرب رام الله، تلوح من بعيد قلعة آل سمحان، على قمة جبل، وهي التي يطلق عليها السكان العلالي أو علالي سمحان وهي جمع علية وتعني، بالمفهوم الفلسطيني المحلي، وحدة معمارية تدل على مكانة صاحبها الاجتماعية، وتكتسب صفة العلالي مصداقية أيضا لموقع القلعة العالي المرتفع المطل على القرى المجاورة، وعلى أفق الساحل الفلسطيني، فتعيد الاعتبار لجغرافيا فلسطين الحقيقية التي مزقتها الاحتلالات والحروب والتقسيمات، وتفيد في فهم لماذا كان الموقع أحد ما يسمى قرى الكراسي، ومركز أحد معاقل شيوخ الجبال الفلسطينيين المتمردين الذين شكلوا قوة حتى أواخر القرن التاسع عشر، عندما تمكنت الحكومة العثمانية من توجيه ضربة قاصمة لهم، وأنهت بذلك، وبشكل مأساوي، تاريخا شديد الغنى والدرامية، بقيت شاهدة عليه عدة قلاع في الريف الفلسطيني، منها قلعة آل سمحان.
واعتبرت القرية التي كانت تسمى إلى عهد قريب (راس ابن سمحان) مركز آل سمحان، زعماء حزب قيس في جبال القدس، الذين خاضوا صراعا وتحالفات مع بقايا شيوخ قرى الكراسي على امتداد الهضبة الفلسطينية الوسطى، التي تسمى الان الضفة الغربية، وتضم جبال نابلس، والقدس، والخليل.
وانقسم شيوخ قرى الكراسي، إلى حزبي قيس ويمن، وهو تقسيم شهدته فلسطين في القرن التاسع عشر، على أساس المزاعم حول الأصول القبلية لسكان فلسطين العرب، وضم كل حزب، وفقا لهذا التقسيم الغريب مسلمين، ومسيحيين، ودروز، وبدو، وشركس، وتركمان.
وبالنسبة لال سمحان، فانهم تزعموا حزب قيس وساد نفوذهم في الجزء الشمالي من جبل القدس الذي كان يضم بني حارث، وبني زيد، وبني حمار، وبني مرة.
وشكل شيوخ الجبال ظاهرة هامة في تاريخ فلسطين، وكانت اشهر مراكزهم في قرية صانور (مركز آل جرار)، وعرابة (مركز آل عبد الهادي)، ودير غسانة (البرغوثي)، وقرية العنب (أبو غوش)..الخ.
وكان لهم دورا بارزا، في الصراع الفلسطيني الداخلي، والإقليمي، وحتى الدولي، وارتبطوا بعلاقات معينة مع لاعبين عالمين بارزين مثل بريطانيا وفرنسا، وامتد نفوذ بعضهم إلى مناطق آخر من بلاد الشام، وبعضهم ثار ضد إبراهيم باشا في أثناء حملته على بلاد الشام، والبعض الآخر تحالف معه.
وخاض هؤلاء صراعا قاسيا فيما بينهم واتخذ أشكالا عديدة على النفوذ، وتعرضوا للنفي والقتل، وبرزوا خلال الحرب الأهلية الطاحنة بين حزبي يمن وقيس.
وتكتسب القلعة أهمية لأنها أحد قلاع قرى الكراسي، القليلة التي بقيت في حالة جيدة نسبيا تشهد على جزء هام من التاريخ لفلسطيني في القرنين الثامن والتاسع عشر، وهو تاريخ لم يحظ باهتمام خصوصا من قبل الباحثين الفلسطينيين، وان كان تخصص به العديد من المستشرقين الجدد مثل الألماني الكسندر شولتس، الذي توفى مبكرا، وكان ذلك خسارة للدراسات الفلسطينية، وظلت دراساته عن ما اسماها التحولات الجذرية في فلسطين في القرن الثامن والتاسع عشر، ملهما ومرجعا لباحثين آخرين.
وفي عام 1981 زار المستشرق الألماني القلعة وكتب متأثرا مما رآه، وقدم تفسيرا لاسم راس كركر ومما كتبه شولتس "ما زال برج راس كركر، وقد زرته عام 1981، يترك انطباعا عميقا في النفس حتى الان، ويحكى في القرية أن كلمة كركر تشير برنينها إلى صوت الحجارة التي كانوا يجعلونها تكرّ إلى اسفل على المنحدر الصخري ضد الأعداء المهاجمين".
وهو تفسير يعتبر اظرف بكثير من تفسير طرحه المؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في موسوعته (بلادنا فلسطين)، حيث كتب الدباغ "كركر بمعنى أعاد الشيء مرة بعد أخرى. وكركر الرحى بمعنى أدارها. وكركر الضحك: اغرق، وتكركر الماء: تراجع سيله. والكركر طائر مائي".
ولكن على الأغلب فان شولتس، والدباغ جانبهما الصواب في تفسير اسم القرية، التي كان اسمها راس ابن سمحان، حتى أربعينات القرن الماضي، عندما غير البريطانيون الاسم وأطلقوا عليها اسم راس كركر، وهو اسم الجبل المقامة عليه القرية.
راس كركر أو راس ابن سمحان، كانت مركز بني حارث، التي بلغ عدد قراها 18 قرية، وهي إحدى نواحي جبال القدس، كما كانت تعتبر، ولكنها الان إحدى قرى محافظة رام الله.
وارتبطت القرية باسم الشيخ إسماعيل سمحان (1818-1834م) الذي كان من ضمن شيوخ الجبال الذين أعلنوا التمرد على إبراهيم باشا عام 1834، في مغامرته الشامية الطموحة، وحاربهم القائد المصري، واسماهم الأشقياء، واعتبر الشيخ إسماعيل أحد أهم قادة التمرد، وحكم عليه بالإعدام، والحكايات المرتبطة باسمه ما زالت تتردد في القرية بين السكان، ويرجع صداها الجبال المحيطة التي أقيمت عليها مستوطنات يهودية.
ولكن الدباغ يورد معلومة مناقضة لذلك قائلا عن القرية وزعيمها "يقال لقرية راس كركر أيضا راس ابن سمحان، نسبة إلى آل سمحان من شيوخ القيس في جبال القدس الذين اتخذوا القرية هذه مقرا لهم في القرن الماضي، وقد عرفنا من زعمائهم الشيخ إسماعيل سمحان الذي أعلن ولائه للمصريين هو والشيخ ملحم اللحام والشيخ إبراهيم أبو غوش يوم استيلائهم على البلاد عام 1247هـ. ووصفت المحفوظات الملكية المصرية 1-189 أبا غوش والسمحان بأنهما كبار مشايخ جبل القدس".
وعلى الأرجح فان الدباغ استنتج من الوصف الذي قدمه المصريون لابن سمحان انه أحد "كبار مشايخ القدس" انه دعم إبراهيم باشا، وهو غير صحيح، وليس هناك ما يؤكد انه غير رأيه وترك التمرد، لانه توفي في ظروف إشكالية، في نفس العام الذي أعلن التمرد فيه.
وينطبق حديث الدباغ على آل أبو غوش بشكل نسبي، الذين تمردوا في البداية على إبراهيم باشا، ثم تحالفوا معه، وكافأهم، بأكثر مما توقعوا، حيث تم تعيين الشيخ جبر أبو غوش (شقيق الشيخ إبراهيم)، حاكما للواء القدس، وضم لنفوذهم، المناطق التابعة لال سمحان، انتقاما من موقف الشيخ إسماعيل سمحان المناهض لإبراهيم باشا.
وبخلاف الدباغ، فان من أرخوا لتلك المرحلة (مثل إحسان النمر، وسعاد العامري، والكسندر شولش) يتحدثون بالتفصيل عن دور إسماعيل بن سمحان المحوري في الاجتماع الذي عقد في قرية بيت وزن عام 1834، وتم فيه إعلان التمرد على إبراهيم باشا، الذي أعلن الحرب عليهم واسماهم بالأشقياء وتقول الدكتورة سعاد العامري "تظهر كلمة الأشقياء بجميع البيانات الصادرة من إبراهيم باشا ضدهم"، وتقصد شيوخ الجبال المتمردين، الذين انتهى تمردهم بشكل دموي، حيث لاحقهم إبراهيم باشا وقتل بعضهم حتى في دمشق، كما حدث مع الشيخ قاسم الاحمد وأبنائه.
واختلف موقف حسين سمحان، ابن شقيق الشيخ إسماعيل، الذي تولى مكان عمه بعد مقتله، وهادن إبراهيم باشا، وما لبث، عام 1840 وبعد ضعف الحكم المصري، أن تحالف مع العثمانيين ضد الباشا المصري ابن محمد علي، الوالي الطموح.
وهذا التاريخ المثير لشيوخ الجبال، لم يبق شاهدا عليه سوى بعض القلاع ومن بينها قلعة آل سمحان، وهي مكونة من أربعة طوابق، بنيت في القرن الثامن عشر، مع الترجيح انه تم إضافة الكثير لها فيما بعد، وهي تقع على جبل يرتفع 650 مترا عن سطح البحر، ويطل الان على فلسطين المحتلة عام 1948.
وتضم القلعة احواشا، وسراديب، وساحات سماوية (مفتوحة)، وغرفا للحرس، ومسجدا، وغرف وبنايات تحيط بالاحواش، سكنها أهل القرية، الذين هجروا القلعة الان، وتمددوا في البناء خارجها.
ومن أهم مرافق القلعة، الطابق العلوي، خصوصا ما يعرف بعلية الشيخ، التي كان يستقبل فيها الشيخ ضيوفه، وتوجد أمام هذه العلية، ما يعتبر ترتيبات أمنية، مثل مسرب سري من الأعلى للأسفل، لسحب الماء أو الطعام أو الذخيرة، وفتحات كاشفة في الجدران، للاستطلاع، وكان يصب منها الزيت الحار على المهاجمين.
وفي القلعة أيضا آبار، وافران، ومخازن، تعاني جميعها الان من الإهمال، ومن تراكم النفايات في بعض أجزائها، وللقلعة عدة مداخل، وعلى الأرجح فان لكل مدخل استخدام معين، خضع للترتيبات الأمنية، وتوجد عدة نقوش على الجدران من أهمها ما نقش على المدخل الرئيس، بلغة مسجوعة هي خليط بين العامية والفصحى، تشير إلى أصول آل سمحان المصرية.
وتشكل قلعة آل سمحان الان، رمزا لملحمة الريف الفلسطيني في جبال فلسطين الوسطى، في مرحلة شديدة الثراء، والتي لم ترو بشكل كامل، وربما تحتاج إلى زوايا نظر مختلفة، للإحاطة بجوانب الملحمة المؤثرة.
صراع على عش غراب
تشتهر مدينة بيت ساحور، بكونها مدينة حقل الرعاة، لوقوع ما يعتقد انه الحقل الذي بشر فيه المجوس، الرعاة بولادة السيد المسيح عليه السلام، ولكنها تشتهر الان بكونها، إحدى نقاط التوتر بين المواطنين الفلسطينيين، والمستوطنين اليهود، والمرشحة لوقوع احداث عنف فيها. وخلال شهر أيار / مايو الماضي، اقتحمت مجموعات من المستوطنين بقيادة نادية مطر، زعيمة منظمة نساء بالأخضر اليهودية المتطرفة، اكثر من مرة، منطقة ( عش غراب ) الاستراتيجية شرق بيت ساحور، في محاولة لإعادة السيطرة على الموقع، الذي كان أخلاه جيش الاحتلال في وقت سابق.
واستخدم الإسرائيليون الموقع كمعسكر لجيشهم، بعد الاحتلال عام 1967، وأسموه معسكر (شيدما)، واصبح خلال انتفاضة الأقصى، أحد المواقع العسكرية الهامة بالنسبة للإسرائيليين. وعن تاريخ الموقع يقول يعقوب الأطرش الذي يسكن قبالة عش غراب "في عام 1965، وضعت الحكومة الأردنية، يدها على مناطق واسعة من أراضي المدن في الضفة الغربية، لإقامة معسكرات تدريب تستوعب المكلفين الذين سيؤدون الخدمة العسكرية، وكانت بيت ساحور من ضمن هذه المواقع، فتم اقتطاع ما مساحته 80 دونما من أراضى المواطنين في منطقة عشر غراب، وتم إنشاء معسكرا عليها، وتوزعت بركسات الجيش الأردني على هذه المساحة دون الإخلال بطبيعة الأرض".
وحدث تغير جوهري بعد عام 1967، كما يشير الأطرش "بعد سقوط الضفة الغربية بأيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وضع الاحتلال الجديد يده على المعسكرات في الضفة الغربية، وباشرت سلطات الاحتلال بإدارة الأراضي المحتلة منها، أما فيما يتعلق بعش غراب، فقد وضعت إسرائيل يدها على جميع محاور جبل عش غراب والأراضي المتاخمة له، ومنعت أعمال البناء بالقرب من المكان، وأصبحت مساحة المعسكر، في طرفة عين 450 دونما، تم تسييجها بالأسلاك الشائكة".
وبالقرب من هذا المعسكر أقيمت مستوطنات يهودية، وشقت شوارع لخدمة المستوطنين، وربط كثير من المستوطنات بالقدس، حتى عام 2000، فمع اشتعال انتفاضة الأقصى، اصبح هذا المعسكر، قاعدة لقصف منازل المواطنين في بيت ساحور، مما أدى إلى تدمير عدد من المنازل وتهجير سكانها ومن بينهم عائلة يعقوب الأطرش، ومنه تم ارتكاب أول عملية اغتيال في انتفاضة الأقصى، التي كان ضحيتها الشهيد حسين عبيات وامرأتان من المارة.
وأدخلت سلطات الاحتلال تحصينات على المعسكر، وتحول إلى قلعة عسكرية، وخلال أعمال تحصين المعسكر وقعت مفاجأة مثيرة في وسط أجواء الانتفاضة، ففي أثناء حفر منصة إطلاق للدبابات، تم اكتشاف مقبرة بيزنطية محفورة في الصخر، يوجد داخلها عدة قبور مستطيلة متوازية حفرت في الحجر الكلسي، وعثر في إحداها على هيكل عظمي لإنسان وثلاثة قناديل فخارية سليمة عليها كتابة باليونانية.
وكشفت المقبرة من قبل جندي من سلاح الهندسة، وهو يعمل على إنشاء منصة إطلاق للدبابة، حين لاحظ عندما جرف كمية تراب كبيرة وجود فتحة مستطيلة وسط التراب، وفوجيء عندما نظر بداخلها بوجود درج يقود لمغارة ارتفاعها اكثر من مترين. وتم استدعاء عالم الآثار شاجر بص، المسؤول الإسرائيلي عن الآثار في الضفة الغربية واعتبر أن الاكتشاف مهم جدا وقال بان هذه المقبرة بقيت مغلقة طوال 1500 عام، وعمليا فان الزمن فيها توقف، حتى تم العثور عليها، واعتبر أن هذه الحقيقة ستتيح لعلماء الآثار معرفة الكثير من عادات الدفن في الفترة البيزنطية.
ولم يسمح الجيش الإسرائيلي للأثرين الإسرائيليين، إجراء حفريات في المنطقة، في تلك الظروف التي كانت فيها الانتفاضة تتصاعد، وما عثر في هذا القبر رحل إلى المخازن الإسرائيلية المختصة. وحول ذلك يقول الأطرش "في عام 2000، وبعد أن دمرت قوات الجيش الإسرائيلي الأحياء الفلسطينية القريبة من المعسكر، بدأت الجرافات الإسرائيلية تتحرك ضمن مخطط جديد، ففي البداية دمرت جميع البركسات التي بناها الأردنيون، ثم تم تجميع المعدات والقوات داخل ثكنة عسكرية محصنة، وشملت عملية التجريف الواسعة، قمة جبل عش غراب، وتم بناء سواتر ترابية بطول اكثر من عشرة أمتار، وبنيت داخل هذه السواتر ممرات واستحكامات من الاسمنت المسلح".
ويضيف "في أثناء عمليات التحصين الواسع للمعسكر، برزت أمام سلطات الاحتلال قضية مهمة هي الآثار المسيحية في الموقع، فتم تدميرها بالكامل، وللتغطية على هذا الأمر، نشرت الصحف الإسرائيلية خبر اكتشاف القبر البيزنطي، وبان الإسرائيليين حافظوا عليه بعد اكتشافه". وفي تحرك غير متوقع، اعتبر سابقة، غادر جنود الاحتلال المعسكر فجأة يوم 20 نيسان (أبريل) 2006، وسحبوا معداتهم إلى معسكر أخر للجيش بالقرب من إحدى المستوطنات، دون معرفة سبب ذلك.
وفاجأ الانسحاب الإسرائيلي من المعسكر جمهور المواطنين وكذلك السلطة الفلسطينية، التي لم ينسق معها الانسحاب. وأدى هذا الانسحاب إلى إرباك الفلسطينيين، فأجهزة السلطة لم تعرف ماذا تفعل خصوصا وان المعسكر يقع في مناطق ذات سيادة وسيطرة إسرائيلية كاملة، في حين هرع المواطنون بعد استيعاب المفاجأة إلى المكان، ومعظمهم يدخله لأول مرة، ليتعرفوا على هذه القلعة العسكرية التي طالما ذاقوا ويلاتها.
وما حدث في الأيام التالية للانسحاب الإسرائيلي، كان مقلقا للفلسطينيين، حيث عمد عشرات من الشبان العاطلين عن العمل، إلى المعسكر لتفكيك ما يمكن حمله لبيعه لتجار الخردوات، الأمر الذي طرح أسئلة أخلاقية كثيرة. وفي الأيام الأولى للانسحاب الإسرائيلي من المعسكر كان يمكن رؤية بعض المعالم الأثرية في المكان، مثل القبر البيزنطي الفريد، ولكن الفوضى، ومنقبي الآثار غير الشرعيين أحدثوا تدميرا لأجزاء منه وكذلك آثار أخرى هامة، من بينها آبار مياه محفورة في الصخر، وإشارات واضحة تركها على الصخور الذين سكنوا في المكان، في زمن غير معلوم.
وتوجد في الموقع أقنية محفورة في الصخر، وبقايا معاصر زيت منقورة في الصخور أيضا، وهناك مؤشرات مؤكدة على وجود مغر محفورة في الصخور، ويستدل على ذلك مما يبرز من النحت في مداخلها. وعندما أفاقت مؤسسات السلطة، على ما يجري في منطقة عش غراب، كان الأمر قد فات، ولم يدر بخلد أحد، أن الموقع المهمل، سيعود إلى واجهة الأحداث من جديد، إلا في الخامس عشر من شهر أيار (مايو) 2008، عندما اقتحمت مجموعة من المستوطنين المنطقة، ووضعت حجر الأساس لمستوطنة جديدة باسم (شيدما).
وحاولت مجموعة من الفلسطينيين التصدي للمستوطنين، ولكن جنود الاحتلال الذين وفروا حماية للمستوطنين اعتدوا على الفلسطينيين. وقالت زعيمة المقتحمين نادية مطر بان الهدف هو توجيه رسالة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش الذي كان وصل إلى إسرائيل، ليلقي خطابا في الكنيست. وأشارت بان إعادة احتلال المكان، هو للفت نظر بوش، لكي يدعم الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وفي الواقع فان بوش لم يكن يحتاج لهذه اللفتة من مطر ومجموعتها التي بلغت 100 مستوطن ومستوطنة، فهو تعهد أمام المشرعين الإسرائيليين بالوقوف معهم ليس فقط ضد من اسماهم الإرهابيين الفلسطينيين، ولكن ضد أي خطر يواجه إسرائيل خصوصا من جانب إيران، معتبرا أن السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي سيكون "خيانة لا تغتفر".
وقال بوش، وسط التصفيق الحار من أعضاء الكنيست "الولايات المتحدة تقف معكم للقضاء على الشبكات الإرهابية وحرمان المتطرفين من أي ملاذ"، مضيفا أن "شعب إسرائيل قد يزيد على سبعة ملايين نسمة بقليل لكن عندما تواجهون الإرهاب والشر فسيكون عددكم 307 ملايين لأن أميركا إلى جانبكم".
وهناك في عش غراب كانت نادية مطر تقول للصحافيين، الذين لم يقتنعوا بمسالة لفت انتباه بوش، مشددة "سنستمر في النضال، نريد العودة واحتلال أرض هذا المعسكر لمنع الفلسطينيين من الإقامة فيه". ولم يملك المسؤولون الفلسطينيون الذين عجزوا عن استغلال فرصة انسحاب الجيش الإسرائيلي من المكان، لإعادة تأهيله، وسد الفراغ الذي أحدثه خروج الجيش منه، إلا إصدار البيانات المنددة بتصرف المستوطنين، واعتبروا أن اقتحام المستوطنين للمكان يكشف عن ما أسموها "حقيقة النوايا الإسرائيلية التي تأتى في إطار سياسة عامة تعزز الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية".
أما محترفو إصدار البيانات من الفصائل السياسية فوجهوا، كما يفعلون، دائما نداء للقيادة الفلسطينية والوفد المفاوض لوقف المفاوضات مع إسرائيل، ودعوا الجهات الراعية للعملية السلمية الضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات على الأرض الفلسطينية. وفي يوم الجمعة الماضي 30 أيار (مايو) عاود المستوطنون اقتحام منطقة عش غراب، وتركوا على ما تبقى من جدران في المعسكر شعارات تشير إلى هدفهم، وهو بناء مدينة استيطانية، تصل بين مجموعات من المستوطنات جنوب القدس، مع مستوطنة هار حوما (جبل أبو غنيم) التي طرحت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام عطاءات للبناء فيها.
وهذه المرة، لم يتحرك أحد لمواجهة المستوطنين، سواء من المواطنين المحبطين والذين يعرفون أن بناء مستوطنة جديدة في منطقة عش غراب الاستراتيجية، سيهدد وجودهم، أو من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية، أو الفصائل التي لم تتحرك لإصدار بيانات تنديد مثل كل مرة.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/6/337254.htm