السبت، 14 يونيو 2008
السلفية الجنسية طريق إلى الشهرة الأدبية
سيجد المدافعون عن الشكل الكلاسيكي للرواية، والمنتصرون للتجريب على حد سواء، صعوبة كبيرة، في تصنيف كتاب (برهان العسل) لسلوى النعيمي، باعتباره رواية، ولكن الناشر والكاتبة قدما الكتاب للجمهور باعتباره ينتمي لفن الرواية، فيما يشبه تحميل الأمور اكثر مما تحتمل بكثير.وربما الإصرار على وصف الكتاب بالرواية، يعكس رغبة لدى الكاتبة، في أن تصنف في عداد المحسوبين على فن الرواية، دون أن تمتلك، على الأغلب الأدوات اللازمة لذلك، وربما عدم نجاحها في ذلك أصابها بالغيظ، عندما عبرت في حديث نشر على الشبكة العنبكوتية، عن انزعاجها من الالتفات إلى جانب معين في الكتاب وهو الجنس، دون الالتفات إلى الجوانب الأدبية، والتي سيجد القاريء صعوبة كبيرة في تحسسها، وهو أمام عمل يحوي نتفا من حكايات شبيهة بتلك المتداولة بين ربات البيوت العاطلات عن العمل.
وبعد أن اصبح الكتاب مشهورا، وصدرت منه عدة طبعات، لم تعد هوية الكتاب الأدبية مهمة، بقدر طبيعته الصادمة.
وأرادت المؤلفة، كما نسب إليها من تصريحات نشرت في مواقع إلكترونية، كسر تابو الجنس، بل أنها اعتبرت انه لم يعد كذلك في الكتابة العربية بعد كتابها.
وربما يحق للنعيمي، التي حصدت شهرة واسعة، من كتابها هذا، بعد عدة كتب لم تحظ بشهرة، أن تقيم دور كتابها كما تشاء في مسيرة الأدب العربي، وان كان من التزيد القول بان كتابا واحدا كان له الفضل في كسر تابو ما، على فرض أن هذا التابو حطم فعلا في العالم العربي.
وسبب شهرة كتاب النعيمي، هو عودتها إلى كتب التراث العربي الجنسية، لتضمن نتفا منها في صفحات كتابها، التي تسمي الأعضاء الجنسية بأسمائها الصريحة، وتعلي من شان التصورات الشعبوية حول الجنس، التي تنتمي اكثر إلى ميثولوجيا وأساطير الشعوب، اكثر منها إلى الثقافة الجنسية العلمية.
وقد لا يكون مطلوبا من النعيمي، أن تقدم في كتابها هذا جرعات من الثقافة الجنسية لجمهورها العربي، ولكنها هي أرادت ذلك، كما تظهر في اكثر من صفحة من كتابها، بل أن العمل الروائي والفني عموما، لكي يكون إبداعيا فعلا، فانه لا يحتمل أية جرعات وعظية، سواء كانت جنسية، أو دينية، أو أيديولوجية.
ومثلما يحدث مع موجات الكتابة السلفية الدينية، التي حصد أصحابها أيضا شهرة واصبحوا نجوما، سلكت النعيمي نفس المسار، فعادت إلى كتب الجنس العربية التراثية، المليئة بكثير من المغالطات حول الجنس، لتقول بان العرب كانوا سباقين، أو على الأقل اكثر دراية بالجنس من العرب المعاصرين.
وفي هذا السياق تقتبس شذرات من هنا وهناك عن شخصيات أسطورية مثل التي يطلق عليها الألفية، لأنه وطأها ألف رجل، وهي شخصية تصلح لان تكون جزء من عمل روائي، ولكن ليس بالشكل الذي ظهرت فيه في كتاب النعيمي، كمنظرة للجنس، يتوجب الأخذ عنها.
وتورد النعيمي فقرات من التراث، عن مكونات خلطة لتقوية الجنس، دون أن يتم تجريبها فعلا، أو أن تخضع لفحص حديث، وفقرات أخرى تبدو غريبة عن موافقة عربي على ممارسة زوجته للسحاق، ليس لسبب إلا لان ذلك مفيد صحيا للفرج وأعضاء المرأة التناسلية.
وتضع النعيمي هذه الفقرات وغيرها الكثير كدليل على وعي العرب القدماء الجنسي وانفتاحهم، في مواجهة ما تراه الانغلاق والجهل الحالي.
والواقع أن الكتب التي لجأت إليها النعيمي، مليئة بالتصورات عن الجنس اكثر من كونها تعد إسهاما حضاريا عربيا في الثقافة الجنسية، واختارت الكاتبة الطريق الأسهل، فلم تلجا إلى النبش في هذه الكتب لتسليط الضوء على ما يمكن وصفه الجنس الخالي من الخرافات، لتقول بفخر عن العرب ما قالته في كتابها كما أرادت، ولكنها لجأت إلى نوع المهيجات الشعبوية، وكثير منه يدخل في باب الميثولوجيا والتصورات حول الجنس، مثل اقتباسها للحديث الذي دار بين آدم وحواء، بعد أن ضاجع الأول الثانية، دون أن تعرف ما هذا الذي حصل أو ما اسمه، ولكن الأمر أعجبها فتطلب المزيد منه.
وفي هذه الأمثولة قد يجد الباحث الكثير، ليقوله دون عناء، واقله عن هذه النظرة الدونية للمرأة، باعتبارها مستقبلة ومفعول بها، دون حتى أن تعرف حتى ماهية هذا الفعل، أو اسمه.
وتفخر النعيمي بهذه النصوص العربية، لكونها عربية، وفي الوقت ذاته تسخر من الأسئلة الجنسية التي يطرحها قراء إيلاف على الدكتور خالد منتصر، مستغربة: كيف لهؤلاء الذين تقول بان لديهم مثل هذا التراث لا يفهمون في الجنس؟.
ويبدو من كتابها، أن النعيمي، هي اكثر ما تكون حاجة لمطالعة ردود طبيب إيلاف، وهذا ليس عيبا، لاكتساب ثقافة جنسية حديثة، بدلا من السخرية، وتمسكها بوضع عمامة الثقافة الشعبوية الجنسية، على رأسها، لتفت معتمدة على وصفات الجدات في كتب التراث، وكتب ما يسمى الطب النبوي.
والمقارنة بين ما تدعو إليه النعيمي من ثقافة جنسية، وتلك التي يرفع لواءها منتصر، غير عادلة، لان الأمر يتعلق فيما يخص الثاني، بشخص دارس ومجاز أكاديميا، وعضو ف نقابة الأطباء، ومتابع لاخر ما توصلت إليه العلوم الجنسية، ومن حظ قراء إيلاف، أن طبيبهم، يمتلك نظرة نقدية للتراث، ولا يأخذه على علاته، ويؤمن بان التربية الجنسية هي من مستلزمات التربية الحديثة، وكذلك فان التحصيل الثقافي في مختلف فروع المعرفة، ومن بينها الثقافة الجنسية، أمر مطلوب على الدوام ولا يتوقف.
وفخر النعيمي بما تنقل من تراث جنسي عربي، يشبه فخر طلبة المعاهد الدينية الذين يمضون سنوات طوال في الدراسة، بما حصلوه من علم، ليتخرجون في النهاية، ويختلفون فيما بينهم حول الفرق بين الماء الطاهر والماء الطهور.
إن النعيمي تنتصر لما يمكن تسميته السلفية والشعبوية الجنسية، تماما مثلما هو الأمر مع السلفيين الجدد، وكلا الطرفين يعرفان نوعية الجمهور المستهدف، ولديهما مشكلة منهجية في التعامل مع التراث، حيث يتم اللجوء إلى منهج انتقائي محدود، لفرض رأي أو فكرة، والوصول إلى الشهرة، فنجوم الدعاة الجدد اصبحوا من رجال الأعمال وأصحاب الملايين، ودعاة السلفية الجنسية حققوا شهرة لم تكن تخطر على بال، دون أن يمتلكوا أدوات الكتابة، وفي تصريحات لها تشير النعيمي بأنها تعاقدت مع ما وصفتها اكبر دور النشر الفرنسية لترجمة روايتها للفرنسية ولغات أخرى، وأنها اختارتها بعد أن فاضلت بينها وبين دور نشر أخرى تلقت عروض منها حول روايتها.
وما بين السلفية الدينية، والسلفية الجنسية، تختفي أعمال إبداعية عربية، وتظهر دون أن يلتفت إليها أحد، بينما ينضم (برهان العسل) وكتب أخرى إلى فئة الأكثر مبيعا مثل كتب الجان، وعذاب القبر، التي تباع على أرصفة المدن المخنوقة بكل أنواع السلفيات.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2008/6/339741.htm
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق