الأربعاء، 18 يونيو 2008
اريحا 10 الاف عام
لا يأبه الأطفال الذين يمرحون في قناة الماء التي تحمل المياه من عين السلطان، الواقعة في سفح تل السلطان، إلا بهذه المياه الباردة المنعشة لتي لم تتوقف عن الجريان منذ آلاف السنين، وكانت السبب في جعل مدينة أريحا واحة، وسط صحراء البحر الميت، التي تحيطها من كل جانب.ويعتبر تل السلطان هو أريحا القديمة، التي يخطط الفلسطينيون للاحتفاء بمرور عشرة آلاف على إقامتها، باعتبارها اقدم مدن الأرض.
وتم إطلاق مشروع (أريحا 10 آلاف عام)، حيث سيتم إحياء هذه الذكرى في احتفالات كبيرة عام 2010. وتسعى عدة جهات لتخرج هذه الاحتفالات، بشكل يليق بما يعتبر اقدم مدينة في التاريخ، تخضع الان لحصار إسرائيلي خانق، وجلب تمويل لمشاريع من اجل النهوض بالمدينة. وشاركت بلدية أريحا في مؤتمر الاستثمار لفلسطيني الذي عقد بمدينة بيت لحم مؤخرا، وحظي بحضور دولي مكثف، وعرضت في جناحها مواد دعائية عن أريحا، وشرحا عن فكرة الاحتفال والمشاريع التي تحتاجها المدينة.
ويفخر حسن صالح رئيس بلدية، بان البلدية هي التي كانت المبادرة للمشروع، واعرب عن أمله أن يجد متابعة من المستوى السياسي الفلسطيني، مشيرا إلى أن المشروع وجد قبولا عالميا كبيرا من خلال ردود أفعال الوفود الأجنبية التي تزور البلدية. ويؤكد صالح، بان المشروع لن يقتصر على فعاليات احتفالية فقط، ولكنه يسعى لاستقطاب مشاريع للمدينة، ووجه دعوة إلى رجال الأعمال الفلسطينيين والعرب إلى الاستثمار في أريحا.
ويعتبر صالح أريحا مدينة في غاية الأهمية "لموقعها التاريخي وكبوابة فلسطين الشرقية وأهميتها في إحلال السلام باعتبارها منطقة حدودية، لكن المدينة ما زالت بحاجة إلى مزيد من التنمية لا سيما المشاريع الحيوية مثل الصرف الصحي والبنية التحتية حيث يحتاج الاحتفال بهذه المناسبة إلى كثير من المشاريع الحيوية حتى تكون المدينة على حجم الحدث".
ولقي المشروع اهتماما من الحكومة الفلسطينية، التي قررت تشكيل لجنة متابعة للمشروع، وهو ما أعلنه الدكتورة خلود دعيبس، خلال الاحتفال بمشروع تطوير موقع قصر هشام في مدينة أريحا، ويعتبر قصر هشام أحد أهم القصور الأموية في بلاد السام. وقالت دعيبس، بان مشروع أريحا 10 آلاف عام، سيساهم في تسويق فلسطين سياحيا، ويسلط الضوء على الغنى الثقافي والتراثي والأثرى في فلسطين.
واضافت دعيبس "نود إرسال رسالة للعالم بأننا جزء من التراث الإنساني العالمي، ونسعى لتغيير الصورة النمطية حول فلسطين في العالم، ومثل مشروع أريحا يساعد في ذلك، في ظل ما نعانيه من تدمير إسرائيلي متعمد من لتراثنا وهويتنا الوطنية". وحظيت أريحا بالاهتمام بصفتها اقدم تجمع بشري في العالم، بفضل عالمة الآثار الشهيرة كاثلين كينيون، التي نقبت في تل السلطان في خمسينات القرن الماضي، وكشفت عن طبقات حضارية مغرقة في القدم، وواجهت بشجاعة ما وصف بالأساطير الإسرائيلية حول مدينة أريحا، باعتبارها أول المدن الفلسطينية التي سقطت في يد يوشع بن نون.
وناقضت حفريات كينيون رواية العهد القديم، وكتبت بأنه لم يكن هناك أسوار لاريحا، في زمن يوشع بن نون، كي تسقط بنفخ أبواق القبائل العبرية.
وتوصلت كينيون، إلى أن عمر أريحا لا يقل عن 10 آلاف عام، من خلال دراسة التسلسل الطبقي بالموقع، وتحليل عينات الكربون التي وجدت بأقدم الطبقات. ويقول وائل حمامرة مدير آثار أريحا، بان كينيون توصلت إلى نتائجها اعتمادا على البقايا العمرانية التي وجدت في مدينة أريحا واعتبرت كأقدم مدينة بالعالم، مثل بقايا السور والبرج الدفاعي داخلها.
ويشير حمامرة، وهو أحد الاثاريين الشبان المتحمسين، بأنه يوجد في أريحا اكثر من 80 موقع اثري بالإضافة إلى مئات الشواهد الأثرية، وهي عبارة عن أجزاء من موقع وليست موقع رئيسي. وبسبب الشهرة التي أعطتها حفريات كينيون لتل السلطان، فما زال الموقع يستقبل يوميا أعداد كبيرة من السياح الأجانب، الذين يأتون ليعاينوا الموقع الذي شهد اكثر من 20 طبقة أثرية حضرية، وما زالت بعض القطع الأثرية مثل الجرار، في مكانها وسط التراب والأنقاض.
ويقع تل السلطان على بعد نحو 2 كلم من مركز مدينة أريحا الحالية، وهو عبارة عن تل اصطناعي بيضاوي الشكل، مساحته نحو 3 هكتارات.ووصلت كينيون إلى التل في عام 1951، لتفا جيء العالم بعثورها على بقايا مستوطنات بشرية تعود إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد. ولم تكن كينيون، أول من نقب في هذا التل الصغير، الذي أصبح يعرف بأريحا القديمة، فقد سبقها كثيرون، ففي عام 1911، نقبت بعثة ألمانية-نمساوية، ولم تحقق نتائج ملموسة، ولكن حفريات، نفذتها مدرسة الآثار البريطانية بالقدس بين عامي 1930-1936، أسفرت عن اكتشافات مهمة، أعلنها البروفيسور جون جارستانج، مسؤول البعثة ومنها العثور على خنادق وطبقات أثرية تعود لنحو 6 الاف قبل الميلاد، وعثرت البعثة البريطانية على أضرحة دقيقة الصنع تعود إلى العصر البرونزي الأوسط، والمعروف فلسطينيا، باسم عصر الهكسوس.
وعندما جاءت الدكتورة كينيون، بعد ذلك لتكمل ما فعله مواطنوها، كان لديها ثقة بان التل، لن يخذلها، وهو ما حدث. وربما الأهم، أنها، اختلفت عن من سبقوها في المنهج، فهي، أدركت منذ البداية، انه من الخطأ، استمرار الربط التعسفي بين أي كشف اثري، وقصص التوراة، ويمكن القول أن كينيون، كان لها فيما بعد اثر بالغ، على جيل من الأثريين، تعتبر هي أستاذتهم، كانوا مخلصين أكثر إلى عملهم البحثي والتنقيبي، أكثر من أية دعاوى أيدلوجية أو دينية. عملت كينيون، في التل، حتى عام 1961، وكانت الاكتشافات تتوالى، ونشرت عن ذلك في مجلدين كبيرين.
وأشارت كينيون إلى أن تل السلطان هو عبارة عن بقايا لنحو 23 حضارة قديمة، تتالت على المكان، وكشفت عن خندق عرضه 9 أمتار وعمقه أكثر من 3 أمتار، محفورا داخل الصخر، وكشفت أكثر من مائة قبر، وأختام، وبذور، وعلى ما اعتبر أقدم نظام درج في العالم، وأقدم حائط أو ساتر كبير وأقدم برج دائري للدفاع في العالم، يعود إلى 8000-9000 سنة قبل الميلاد. وهذه الاكتشافات، جعلت كينيون تقول للعالم، بان أريحا هي أقدم مدينة في العالم، محددة العصور التي استوطن الإنسان فيها، حتى العصر البيزنطي، والإسلامي الأول.
وكان لدى كينيون، من خلال هذه الاكتشافات، ما يشير إلى أن أريحا شهدت سلطة مركزية، وكانت أولى الحضارات في تدجين الحيوانات والزراعة المنظمة وصناعة الفخار، وان ما كشفته، كالبرج الدفاعي والسور، سبقت الأهرامات بنحو 4000 سنة. ونقبت كينيون، فيما بعد في مدينة القدس، وكشفت عن القدس اليبوسية، وتوقف عملها بسبب الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وعادت إلى لندن التي ولدت فيها عام 1906، ابنة للسير فريديك كينيون، الذي عمل كمدير للمتحف البريطاني لأكثر من عشرين عاما.
ورغم أنها استمرت في ابحاثها إلا أن اكتشافها لأقدم مدينة في العالم، هو من ظل يثير النقاش حولها، الذي كان يتجدد بين فترة وأخرى، ومنها ما كان في عام 1981، عندما كان عليها أن تواجه من جديد تفسيرات أثريين لاكتشافها في أريحا وعلاقته بقصة يشوع بين نون في التوراة، فردت على ذلك بالكتابة في صحف أميركية وبريطانية "في أريحا ثمة أحلام، وخرابات، وأشباح، لم أجد جرة مهجورة ربما تركتها ربة منزل قبل الغزو الإسرائيلي للمدينة، لم أجد شيئا يعود لعصر يشوع".
ورغم الهجوم الذي لم ينقطع عليها، والذي اتخذ صبغة علمية، إلا انه كان هناك من قدر إسهاماتها الجوهرية في علم الآثار، فمنحتها الملكة اليزابيث الثانية عام 1973، وساما ولقبا، وفي عام 1978 توفت كينيون، التي لم تتزوج، وحيدة عن عمر 72 عاما، والتي ينظر إليها الان كواحدة من أهم الأثريين في القرن العشرين.
وبسبب تحررها من سلطة النصوص المقدسة، التي ينظر إليها كتاريخ، تمكن الفلسطينيون الان من إطلاق مشروع أريحا 10 آلاف عام، رغم عدم معرفة الكثيرين وإدراكهم لدورها الريادي في الدراسات الاثارية الفلسطينية، وبانها تستحق ان يحيا ذكراها خلال الاحتفالات التي ستشهدها اريحا بعد عامين.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/6/340783.htm
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
جد الله يعطيك الف عافية على الموضوع القيم والمفيد والرائع بطرحه ...
ردحذفاحترامى وتقديري لك اخي