أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 16 فبراير 2022

ابن الدكنجي.!





كنت (وما زلت طبعًا..!) ابن عجزة لوالدي، أي آخر ولد، تفصل بيني وبين والدي عقود طويلة. من المفاجآت العزيزة (نادرة أم أثيرة؟) للعزيز عزيز العصا، إهدائي كتاب نبيل جبريل، ابن الحارة في مخيم الدهيشة، التي كان فيها دكان والدي، التي عرفناها باسم الحارة الفوقا، على اعتبار أن منزلنا في الحارة التحتا.

لم أعرف نبيل ولا عائلته، التي كانت مثل عائلات كثيرة ركبت قلَّابًا، إلى شرق الأردن، بعد حرب الساعات الست، "ليقلبها" في عمان لتبدأ رحلة لجوء جديدة.

جربت رحلة القلَّاب هذه، ولكنَّني لا أذكرها تمامًا، بصحبة أمي الخائفة، ولكنَّ النزوح لم يطل، بفضل والدي الذي صمد، بعد أن خبر، من جديد، خيانة الأنظمة العربيَّة.

ولد نبيل في خيمة في المخيم، في ليلة ثلجية، ومن حسن حظه أنَّ الدماء تدفقت في عروقه وعاش.

ولدت مثل نبيل، ولكن بعد نحو عشر سنوات، في خيمة، في ليلة ثلجيّة قارصة، في زمن المنازل في المخيم. أكد الدكتور نبيل فيضي، هازًا رأسه بحركة روتينية، كأنَّه يقرّر أمرًا عاديًا جدًا، أنني سأموت. ولكنّني، لفألي السيئ عشت.

نصف أبناء المخيمات كانوا يموتون حتى منتصف ستينات القرن المنصرم.

سألاحظ فيضي، كثيرًا، في سنواته الأخيرة، مستظلًا، فيء شجرته، ناظرًا نحو المجهول. هل تذكر واحدا من أولاد اللاجئين الذي توقع ان يقضي مثل كثيرين، رآهم يذهبون بعيدًا، إلى سرمدية غامضة؟

عاش نبيل، ليخط لنا شهادة نادرة عن مخيم الدهيشة، بناسه، وعاداتهم، وتقاليدهم الاثنوغرافية.

هكذا رأى نبيل الطفل، والدي الحاج محيسن، الذي كان يراه: "واقفا يتدبر شؤون الدكان، رغم تقدمه في السن، وضعف نظره، وزد عليه آلام الجرح المزمن في أنفه. يبهرني صندوق الشاي الخشبي الكبير ورائحة الشاي المنبعثة منه".

لاذ والدي بالصمت، وهو يرى كيف حولته النكبة من فلَّاح عصامي، يشتري أرضا في قريته، حتى بعد لجوئه عنها، إلى شخصٍ سيدير دكانة، بسبب النكسة، إلى أبدٍ غير مرئي.

يتجمع رصفاء والدي، في رحبة دكانه، يبرمون ويتبرمون، وهو عائش في صمته، لا يدري أيَّة أقدار طارت به إلى جبل القدس البارد هذا، من أرضه الدافئة في الهضاب الوسطى. قد يسمع منغومات أولاد اللاجئين التي يذكر اسمه فيها: "...والحاج محسين يَضرب تلفونا..!!"، دون اهتمام.

بزت أخلاق الصمِّيت المتديِّن، صاحب الوجه القيصريِّ، الخارج من ملاحم الشرق الحربية، وغزواته، أخلاق الصحابة والمبشرين بالجنَّة، ولكنَّ، السماء، لتدابير لم يفهمها والدي، لم توزع حظوظ الأرضيين، بالتساوي.

**

قراءتي لكتاب نبيل (الذي حرره عزيز العصا) بعنوان: عصافير الشمس تحلق فوق المخيم:

https://www.alhaya.ps/ar/Article/129919/%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%82-%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%85

#نبيل_جبريل

#عزيز_العصا

#مخيم_الدهيشة 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق