أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 7 أبريل 2021

عن رواية جسر على نهر الأردن/ردينة ياسين.



"بحث يوسف الرطاسي، عن عدو يحاربه، فوجد نفسه مهزومًا، على الضفة الشرقية لنهر الأردن، قرر أن يخوض حربه الخاصة، فانضم للفدائيين، وعاد ليمضي في السجن 15 عامًا

سرت ويوسف، الاف الخطوات في ساحة المهد، وما زلنا، ومرّة واحدة، قرّر أن يروي حكايته. وعندما صدرت الرواية، كاد أن لا يعرف نفسه فيها."

أسامة العيسة

كاتب وصحافي فلسطيني، مواليد بيت لحم عام 1963. صدرت له عدة كتب أدبية وبحثية، في القصّة والرواية والآثار وطبيعة فلسطين. أعدّ أبحاثًا لأفلام تسجيلية عن الثقافة والسياسة في فلسطين. حصل على المركز الأوّل في جائزة فلسطين للصحافة والإعلام، فئة القصة الصحافية عام 2011، له العديد من المؤلفات التي تتحدث عن الشعب الفلسطيني.

 

تباريح جندي ماذا تعني (وصف الرواية):

 

ما معنى كلمة تباريح. تعرف تباريح في معاجم اللغة بانها الشوق والالم او الشدائد فبارح بعني اشتد ونزل به هم كبير فربما اراد الكاتب ان يعبر بلسان يوسف عن مدى الالم التي اصابه فلقد بحث يوسف هنا عن نفسه المهزومة لأنه جندي عادي مواطن بسيط دعي للنضال ومقاومة المحتل لكنه لم يحارب حمل السلاح وذهب كالأسد لكنه لم يحارب لبس بدلة عسكرية لكنه لم يحارب فهل حارب كفدائي او كسجين وهل كانت حربه في سجون الاحتلال وما هو دور فأره الشوكي كما قال الكاتب عنه ليكون وسيلة الاتصالية واستمرارا لحربه الخاصة بالسجن تلك الحرب التي انتصر بها بالصمود اذا جسر على نهر الاردن تباريح جندي لم يحارب بعد صفحات 288 واصدار عام 2018.

 

أحداث الرواية:

 

١. قرية ارطاس وبيت لحم الجغرافيا والتاريخ إرطاس - الجنة المقفلة هي قرية كنعانية عربية فلسطينية من قرى بيت لحم، عُرفت على مر العصور بمكانها الاستراتيجي بالغ الأهمية نظراً لما تتمتع به من خصوبة ووفرة في مصادر المياه فهي جمعت التاريخ والجغرافيا لتلتقي مع قرى بيت لحم في مراحل تطورها منذ الكنعانيون الى الرومان فالفتح الاسلامي بكافة عصوره الى عهد الظلام بعد حرب 1967 والاحتلال الإسرائيلي للقرية التي تمت مصادرة معظم اراضيها لصالح مستوطنة افرتا وغوش عكسيون التي اخذت معظم اراضي القرية والقرى المجاورة لقد اعطانا الكاتب من التاريخ والجغرافيا هنا الشيء الكثير . وكأنه يقول: أنْ تعرف تاريخك وهويتك وهوية مكانك، يعني أنك تمتلك قوة من نوع آخر، ويعني أيضاً أنّ الأرض بجبالها ووديانها، يمكن أن تغيّر جلدها خضوعاً للطبيعة أو بفعل فاعل، ولكن الإنسان لا يجب أن يغيّر جلده، وإن حدث وغيّره، فعليه أن يغيّر لما هو أفضل وليس العكس، وهو اقتراح لإجابة قد تكون كافية، لسؤال الراوي على لسان أحد أبطال الرواية وهو يقول: "إنها تغيّر جلدها، هل غيّرنا نحن جلودنا؟

 

٢. تباريح انسان

 

والتباريح لغة إن أجاد الكاتب صياغتها، عبّرت عن الإنسان بوصفه الشاهد والشهيد في آن.

فأما المكان، فيلحظ القارئ محاولات الكاتب إعادة بنائه ذهنياً، إلى حد يصعب معه فصله عن الزمان، فيحدث أن يتناول الرّاوي الشأن السياسي، بلغة مكانية، تؤكد لنا وللآخر أن التاريخ ومهما حاول المحتل تشويهه أو تزييفه، يبقى تاريخاً شاهداً علينا وعليه، "كنّا صغاراً نسمع أخبار عمليات القتل في قرانا التي أصبحت بسبب النكبة، قرىً حدودية بين وطننا ووطننا".

وأما الإنسان، وهو في الحالة الفلسطينية، ذلك المحارب الذي عليه "محاربة العوج، عوجنا، وعوج أنظمتنا، بسيوفٍ صحيحة" فكان حضوره، حضوراً حسّيَا بصرياً قادراً على التقاط التحوّلات الكبرى والصغرى، باتجاه إخضاعها لمشرط التاريخ على مشرح التدوين، لنسمع الرّاوي يقول: " سارت بنا الترّكات، وهي تُطوّح الجنود المتعلقين على الجوانب وفي المؤخرة (...) لقد أصبحنا في أمان، أمان مِمنَ؟ لا أحد يعرف ولا أحد يجيب، كلّ واحد من الجيش، عليه أن يعيش هروبه لنفسه ووحده، ويجيب عن أسئلته الآنيّة وتلك التي سترافقه إلى آخر العمر" ص167.

 

٣. الفرق بين حرب وحرب:

 

ولعل في العنوان الفرعي الذي حمله الغلاف تباريح جندي نستطيع الفهم، إنها حرب لم تنجز ولم تحصل كانت حربا وفقط دون مقومات وجنود لم يعرفوا ولن يعرفوا كيف حصلت الحرب لكنهم عاشوا الهزيمة لكن لم يفهموا كيف هزموا تلك الهزيمة التي دفع الشعب الفلسطيني ثمنها في نكسة 1967 مرورا الى حرب الكرامة 1968 التي لم يكن فيها رابح ولم يخسرها احد لكن لها بعض المميزات انها اعادت واظهرت بعض القوة، واظهرت قوة العمل الفدائي الفلسطيني وكانت بداية انطلاقة حركة فتح فيوسف الرطاسي هنا تحدث عن عذابات وحسرات لم تنتهي لتبدأ أحد ينبئ هي سرديّة تؤرخ لحرب لم تتم؛

 

ا٤. ابعاد الرواية

 

للرواية حدثين مهمين قبل وبعد وبعدين مهمين وزمنين مختلفين وتاريخين مختلفين نكسة ونكبة نازح ولاجئ لكن المكان واحد هو فلسطين فما حصل في عام 1948 هو الضياع والنكبة، ذهب النصف ليصبح الفلسطيني لاجئ، وفي عام 1967حصلت النكسة فذهب الجزء الثاني من فلسطين ليصبح الفلسطيني نازح فما هو الفرق تغيير المسمى فقط

 

وهذا يقودنا الى مفهوميْ الجسر وقطع النهر، فالأول يرمز إلى الأمل والصمود والثاني، يربط بين واقع مؤلم وحلم مُرتبط بشرط الفعل الإنساني، سنجد الثاني بما يعنيه من تحوّل مستمر في صيرورة الحياة، ماثلاً أمامنا، كما مَثَلَ الجسر أمام أحد شعراء الصين وهو يقول: "أحياناً يغفو الجسر على الماء وينظر للآفاقْ"، وهو كذلك لدى الراوي الذي عبّر عن ذات المعنى قائلا: "الجسر؛ هزيمة أو نصر، الجسر لقاء أو فراق، موت أو حياة هروب أو إقدام، خوف أو شجاعة،، إقدام أو إدبار، شجاعة أو جبن، مغامرة أو مؤامرة، اندفاع أو تقهقر، كرامة أو انخساف الذات".

 

٥. الهوية والقومية العربية

 

ما الذي دفع شاب وحيد لوالديه الى ان يرشى شيخ الجامع ليذهب الى الحرب ويحمل السلاح، اهو رمزية الثورة او رمزية الحب ام رمزية المكان؟ يوسف وبدلا من الوصول إلى الحرية المشتهاة، وجد نفسه يبحث عن "كلمة أخيرة لمحارب تائه، ضائع" مهزوم الفرق بين ضفّتيْ الجسر؛ هنا الحرب الصمود، والعزيمة، أو قطع الصلة، والهزيمة، والهروب"، لتصبح الاسئلة اقوى ما عاش أسلافي على قلق وكأن الرياح لا تهدأ، وهم يبحثون عن هوية، وهنا أنا الآن أيضا أعيش قلقي" او سؤال اخر "ما الذي تحاول أسماء المواقع أن تخبرنا به؟، لكنه لم بجب على السؤال المهم أية حرب هذه التي تُحسم قبل حتى أن تبدأ اي حرب تلك التي لم تطلق رصاصة قوة "دموع العالم كله لن تتمكن من تطهيرنا من نجس الهزيمة "ما بين النكبة والنكسة اللاجئ الذي تحول الى نازح ، "من ليس له خيار، فليتخذ خياره، يختاره، ولا ينتظره من أرض أو سماء".

 

٦. مسار الحرب

 

1) النكسة ورغم اتفاقيات الهدنة، لم تتوقف اعتداءات دَوْلَة إسرائيل الفتية عن اقتحام ما تبقى من فلسطين تقتل وتهدم المنازل، وتشكلت فرقة 101 بقيادة شارون، اقتحمت قبية، وشرفات، وحوسان، ونحالين، وخربة أُمْ الريحان في جنين وغيرها، وخلفت القتل والدمار واليأس والغضب. وعندما يتظاهر للاحتجاج، يواجَهُ بقوى أمنية تحاربه بشراسة(). 2) يوم الاثنين في 5 حزيران 1967م على السَّاعَة التاسعة والنِّصْف تمامًا، أُطلقت أوَّل قذيفة على العدو، وبعد فترة وجيزة غادر الجيش أماكنه فقط قذيفة واحدة 3) اكتشف الجميع أنهم لم يكونوا جاهزين لتلك الحرب، ولعل في السخرية المرّة التالية ما يلخّص لموقف: ماكو طائرات في الأُرْدُن..!!؟ ماكو دبابات في الأُرْدُن.. !!؟ ماكو ماكو..كلّ شيء ماكو وبماذا كنتم ستحاربون...!!؟ وتأتي الإجابة على تلك الأسئلة-التساؤلات من الملك حسين: الحرب جاءت مبكرة، لم نكن في جاهزية كاملة، كنّا نحتاج إلى عامين كي نحدث توازن مع قُوّات العَدُوّ. 4) نتيجة الحرب التي انتهت قبل أن تبدأ: تدمير 800 منزل، وتشريد لا يقل عددهم عن 12 ألفًا من أبناء الشعب الفلسطيني أصبحوا لاجئين-نازحين في تلك الأجواء من الهزيمة والإحباط للجيوش العربية وللنظام العربي الرسمي، ووفق الرواية، انطلق العمل الفدائي، وانضم بطل الرواية لحركة فتح التي كانت قد انطلقت رصاصتها الأولى وسقط شهيدها الأول في 01/01/1965م( ). لينتهي أمره إلى غربيّ النهر، ثم السجن، ثم الاستقرار في قريته إرطاس.

 

7. دور المرأة في النضال ورواية التباريح

 

الفلاحة الفلسطينية، في رواية العيسة تنوعت صور المرأة في الرواية ما بين: جدة وأم ومهزومة، وابنة مستسلمة لقدرها، ولاجئة متكيفة مع حياتها القاسية، ونازحة هي مشروع مقاومة. وتوزَّعت الشخصيات النسائية في الرواية ما بين عادية وغير عادية التي تمثلها شخصية مروراً بما حلَّ بها بعد النكبة والنكسة، وتصوير حالها وما آلت إليه في مخيمات اللجوء والنزوح، ومحاولاتها التأقلم مع الوضع الراهن، والاندماج في الحياة المجتمعية الجديدة، التي فرضت عليها دون اظهار عالم المرأة الخفي. كما قدَّمت الرواية صورة للمرأة المستشرقة الأوروبية (حليمة، والست لويزة)، المتقدمة، المتعلمة، التي جاءت لإنجاز دراسة عن عادات المجتمع الفلسطيني

 

٨. رأي قارئ

 

البطل والكاتب واحد يوسف بطل الرواية وكاتبها، فهو "طفل البلاد التي ضاعت، وضاع على ضفاف الأنهر" ص285. والمؤلف هنا الطفل الكبير الذي صاغ الاسطر فكتب في التاريخ كتاب، هو "تباريح الجندي الذي لم يحارب.

 

هذا هو الكتاب الثاني لأسامة العيسة بعد قبلة بيت لحم الاخيرة لاحظت من خلاله ارتباط الكاتب بارضه ووطنه واهمية التعايش او بالعلاقة الاسلامية المسيحية التي يلتحم فيها يوسف السّرياني الشجاع مع جاره يوسف المسلم. لا سيما عندما التحم الوسفين معًا في الدفاع عن شرف "الفلسطينيّات" أمام صلف أحد الجهلة.

 

إبراز الكاتب للتاريخ وان فلسطين حق لنا وليس لليهود لان الله قد حرمهم الارض نتيجة طغيانهم وعصيانهم فلقد تحدث عن الجذور الكنعانية لارطاس بلد يوسف كعادة اسامة العيسة في روايته تمكن من المزج بين الواقع والخيال بين الحقيقة والصدمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق