عندما قرر الشاب
ممدوح عميرة (23) عامًا، السكن مع جدته (84) عامًا، في قرية الجانية غرب رام الله،
سألته إن كان قَدِمَ بمحض إرادته للعناية بها، أم أنّه طُلب منه ذلك من ابنتها،
والدته، فأكّد لها ممدوح المفعم بحب الريف، بأنّه جاء بإرادته، وحينها قالت له،
لتختبر قوة احتماله للعيش بجانبها: "عليك أن تعلم بأنني لن أعيش أسبوعين فقط،
سأعيش عامين، وعليك تحملهما معي".
في الثالث من شهر
تشرين الأوَّل الماضي، دهمت قوة احتلالية، منزل عائلة ممدوح في قرية الجانية قرب
بيت الجدّة، بعد تطويقه، وتفتيشه وتخريب محتوياته، وعندما غادروا المنزل، كان
ممدوح بين أيدي الجنود مخفورًا.
تقول خالته وفاء يوسف:
"في الأيَّام الأولى بعد اعتقال ممدوح، لم نستطع إخبارها بما جرى لصديقها،
بينما كانت هي تسأل دائمًا عنه، لأنّه كان يعيش معها، وفي كل ليلة هو من ينيّمها،
ويغطيها، ويغلق التلفزيون والكهرباء. علاقة ممدوح بجدته أقوى من علاقة الابن بأُمّه،
بشكل عام كان يدللها جدًا، ولا يعود إلى البيت، إلَّا ويكون لديه ما يفاجئها به،
شيء يجلبه لها".
من الصعب وصف رد فعل
الجدة، التي وجدت في حفيدها أنيسًا لطيفًا، بعد اعتقاله، وقد جاوزت عشرتهما معًا
العامين.
قالت والدة ممدوح
لوالدتها، بعد اعتقال الابن والحفيد: "عليك أن تعيشي الآن سنوات أكثر، حتى
يفرج عن ممدوح، ويعود حرا إليكِ".
تقول وفاء: "لكون
حجتنا لها دراية بالاحتلال، وجربت ممارساته على بناتها، وأصهارها، ظلت تردد: هؤلاء
أولاد حرام سيلفقون له تهمة".
خلال مكوثه مع جَدّته،
كان ممدوح، طالبًا في معهد الآثار في جامعة القدس-أبو ديس، وأنجز بحث التخرج عن
المقامات في محافظة رام الله، وشارك في حفريات أثرية، واحدة منها مع المدرسة الأميركية
للآثار في منطقة برك سليمان جنوب بيت لحم، وحرص دائمًا على مشاركة أصدقائه على
الفيس بوك، بأحاديث عن جدته وأمثالها الشعبية وحكاياتها، وحتى عن ميولها الرياضية،
حيث أحبت فريق كرم القدم البرازيلي، وكانت: "مع البرازيل ظالمة أو
مظلومة".
تقول الخالة وفاء:
"جدة ممدوح، كانت تحب سماع الشاعر الشعبي محارب ذيب، والفنان أبو عرب، وكان
ممدوح يحرض على إسماعها شيئا لهما، بشكل دائم".
بعد اعتقاله خضع
ممدوح لتحقيق قاس في معتقل المسكوبية بالقدس، ومنع من رؤية محاميه، أو اللقاء به
حتى في قاعة المحكمة، وشمل المنع عائلته.
في المصطلحات
الاعتقالية، يسمى التحقيق الذي خضع له ممدوح: التحقيق السري، حيث يعزل المعتقل عن
العالم الخارجي بشكل تام.
يوم الاثنين 10-11-2019م،
وصل والد ممدوح ووالدته إلى معسكر الاحتلال المقام على أراضي بلدة بيتونيا المسمى
معتقل عوفر، وانتظرا الدخول إلى المحكمة لحضور جلسة تمديد له.
كان على الوالدين
الانتظار طويلاً، حتّى سُمح لهما بالدخول أخيرًا بعد ساعات من الانتظار، ثم الانتظار
في غرفة المحكمة الصغيرة، قدوم ابنهما، ورؤيته من بعيد، ولفترة وجيزة، قبل إخراجهما
من الغرفة.
قال الوالد:
"ننتظر ساعات، لنرى ابننا لدقائق، ودون السماح لنا بالحديث معه، فقط نريد أن
نشعره بأننا معه، ونشعر بمعاناته".
مددت المحكمة
العسكرية في معسكر عوفر، اعتقال ممدوح ليوم الأحد التالي، وأعيد إلى معتقل
المسكوبية، لمواصلة التحقيق القاسي معه.
وهذا يعني، قلق
متزايد لدى العائلة على ممدوح، الذي عليه أن يواصل الصمود وتحمّل الانتهاكات التي
يتعرض لها في معتقل المسكوبية، الذي يطلق عليه المواطنون صفة المسلخ.
تبدو جلسات المحاكم
العسكرية في معسكر عوفر، التي لا تستمر في معظمها، إلَّا دقائق معدودة، شكلية إلى
حد بعيد.
وبينما كان ممدوح، يُخفر
من جديد إلى معتقل المسكوبية، كان والداه، يختتمان يومًا طويلاً مرهقًا، ويخرجان
من غرفة المحكمة، إلى ساحتها، ثم إلى ساحة الانتظار الرئيسة، وهما يشعران بأنّهما
مخفوران، لا يمران إلا بأوامر من رجال الشرطة، الذين يتحكمون في دخول وخروج الناس،
من الأبواب المغلقة، تحت التفتيش الدقيق.
وعندما قطعا المسافة
التي تزيد عن كيلو متر من داخل معسكر عوفر، إلى خارجه، كان الظلام قد هبط، وخيّم
الصمت عليهما، والعواطف المتضاربة نحو ابنهما، ويفكر كل منهما بالطريقة التي
سينقلان فيها أخبار ممدوح إلى جدته المنتظرة في منزلها عودة الحفيد، لتكمل بصحبته
ما تبقى لها من عمر.
تقول الخالة وفاء:
"بسبب تقدمها في العمر، فإنّ جدة ممدوح كثيرة النسيان، وكل من ترى أيِ منّا،
تسأله عمّا حدث مع ممدوح في المحكمة".
يعرف والدا ممدوح، كم
هي مهمتهما في إخبار الجدة، ستكون صعبة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق