في ذكرى رحيل الشهيد
ياسر عرفات، لاحظت أن بعض الأصدقاء على الفيس بوك، يتذكرون تلك
"الحادثة" مع سميح القاسم، في جامعة بيت لحم، خلال توزيع جوائز فلسطين،
وإن كان مرافقه محمد الداية ينسبها إلى جامعة النجاح.
ما يذكر ليس دقيقًا، فلم
يكن لسميح القاسم المجامل، أن ينتقد عرفات.
المناسبة كانت توزيع
جوائز فلسطين الأدبية، التي وزعت على أدباء محليين، وعرب، كمرسيل خليفة وفيروز، وهي
في الواقع وإن كانت وزعت على مستحقين لها في معظمهم، إلَّا أنهم كانوا مقربين من
محمود درويش المشرف على توزيعها. محمود درويش لم يبرأ من مرض الشللية، وهو أحد
أعراض الفساد الثقافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في تلك الفعالية كان
حضور درويش طاغيًا بشدة. بينما حاول عرفات، المتململ في جلسته، إدخال الفرحة على
الحضور، بتصرفات مبهحة يستقبلها الحضور بالتصفيق والضحك، وعندما ألقى درويش كلمته،
كان يمكن سماع رنة الإبرة، إذا رماها أحدهم على الأرض-كما يقال.
كان درويش، وهو حالة
متقدمة من مثقفي منظمة التحرير الذراعيين، واعيًا لذاته ودوره ورؤية الناس له،
فقرأ خطابًا معدًا سلفًا، انتقد فيه السلطة الفلسطينية بشدة، وحذر من السلوك القمعي
والفساد، والى أين يمكن أن يؤدي. طبعًا كل ذلك جاء بأكثر الكلمات فصاحة، وبصوت
عميق مؤثر، وطبعًا أيضًا، بحضور عرفات.
عندما صعد القاسم
ليلقي كلمته، باسم المكرمين، نزع إلى الخطابية والصوت المرتفع، والمبالغة بحركة
الجسد، والضرب على منصة الخطابة أمامه، وقال مخاطبًا عرفات، للاستحواذ على أكبر
انتباه من الجمهور: "والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بأقلامنا"، دون
أية إشارة نقدية واعية وحقيقية.
في الواقع لم يقل
أكثر مما قاله عرفات عن نفسه، ففي خطابه في بيت لحم، بعد لقائه البطريرك
الأرثوذكسي الذي شبه نفسه بالبطريرك صفرونيوس، وشبه عرفات بعمر بن الخطاب، قال
عرفات قولة الخليفة الراشدي الثاني المشهورة عن التقويم بالسيف.
ولم يكن الرئيس
الراحل، يحتاج إلى غير ذلك، ليدخل المزيد من البهجة على الجمهور، فهو لم يترك
القاسم ينهي جملته المذكورة آنفا، فقاطعه، ووقف، ونزع مسدسه وقدمه ضاحكًا إلى
القاسم.
وغطى كل ذلك، على
خطاب درويش، الذي أظنه كان الحدث الرئيس في الفعالية.
لست من دراويش محمود
درويش، ولكن حضور حادثة القاسم التمثيلية إلى حد بعيد، وغياب خطاب درويش التاريخي
(باستشرافه وأهمية الشخص الذي صدر عنه)، مؤشر على نزوع الفيسبوكيين إلى السطجية.
غطيت تلك الفعالية
صحافيًا، وحرصت على تقديم تلخيصًا لخطاب درويش، الذي يمكن لمن يريد الاستزادة، أن
يجده في احد أعداد مجلة الكرمل، التي صدرت بعد تلك الفعالية، التي لم يمض وقت طويل
على حدوثها، حتّى اندلعت انتفاضة الأقصى.
من المؤسف أن تتحوَّل
مناسبة استشهاد أبو عمار إلى مشهدية فلكلورية، وغياب أية مراجعة لمرحلته التي ما
زالت مفاعيلها مؤثرة في حياتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق