على بعد أمتار قليلة
من جدار العزل والتوسع الاحتلالي، يعرض مجموعة من الفنانين الفلسطينيين لوحاتهم في
قاعة علوية في غاليري الفندق المحاط بالجدار والمعروف شعبيا باسم فندق بانكسي، على
اسم فنان الغرافيتي العالمي الذي تنتشر رسومه على جدران بيت لحم والجدار العازل.
يحمل المعرض الاول
والافتتاحي للغاليري عنوان (الخروج من الذات وفن الحياة) وهو كما تشير المطوية
التعريفية الخاصة بالمعرض يبحث: "عن صور الحياة لشعب يحب الحياة، فنجد الفرح
في عيون الأطفال، في لعب الطفولة، في الجلوس على الطرقات، في المدارس حيث تصدح
أصوات الأولاد والبنات في سيمفونية لا تنتهي. إنه الشعب المشتت الذي لا يفتأ في
محاولاته التشبث ببصيص من الأمل. إنه فرح الألوان في تشكيلات التطريز الفلسطيني
الذي يحمل خصوصيات كل بلدة وكل قرية، وكل امرأة فلسطينية. إنه الفرح في تخطي
الحواجز التي تقف حائلاً أمام طموحات وآمال كل شاب وفتاة في الدراسة والحب، ففي كل
ردهة من خبايا النفس الفلسطينية تختفي الطيبة ومواويل غناها الأجداد منذ الأزل،
فعلقت في الذهن لتواصل عملية العشق والبناء والوجود، بالرغم من الصعوبات والآلام
النابعة من الحياة تحت ظل الاحتلال. ولكن، هناك ألف حكاية وحكاية يرويها الفن
التشكيلي الفلسطيني اليوم، من خلال اختيار الألوان وامتزاجها بعصارة تفكير وتأن،
ومن خلال تركيبات تتشكل لتحوي فكرة بدائية ما، تتحور باختيارات الفنان في خلقه لتقنيات
تصقل هاجسه اليومي. ليس فقط ذلك الهاجس الذي يقض من مضاجعه ويشغل فكره كفنان، بل
هو ذلك المشترك لكل فرد من الشعب الذي يصارع الحياة".
ويضم المعرض، الذي
يشرف عليه الدكتور حسني الخطيب شحادة، مجموعة من أعمال متعددة لنخبة من الفنانين والفنانات من فلسطين الانتدابية،
وأجيال مختلفة، ومدارس فنية متنوعة، ومن أماكن متعددة، وتقنيات مميزة تعبر عن
خلفية كل فنان مشارك في هذا المعرض.
وحسب شحادة الذي أعد
مجلدًا عن المعرض والفنانين المشاركين فيه: "كل عمل هنا هو نتيجة اختيارات
تحمل نفسية خاصة لكل فنان، هو في نهاية الأمر جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان
الفلسطيني أينما كان. فنجد في هذا المعرض العرس الفلسطيني، ونجد شخصية الفلسطيني
فرحة أو حزينة، ونجد الأم والأب والجد، ونجد الطفل والرضيع، ونجد الشاب والفتاة،
ونجد الأساطير والحكايات، ونجد القط الحمار، ونجد البستان والفاكهة والثمر، ونجد
الأزقة والفراشات، ونجد العصافير والذكريات، نجد البحر والجبل، ونجد السهل والغور
والصحراء الممتدة على مدى البصر، كما ونجد طبيعة الأشياء التي تتشكل أمامنا
بتجريدها وتشخيصها، ونجد الزخارف بطبيعتها الإسلامية المتناهية الأبعاد وفلسفتها
العميقة، ونجد الإرث المسيحي العريق يتشكل أيقونات هي ليست بالضرورة لتزين حائطاً
في كنيسة أو دير، بل هي عالقة في البال دوماً لتذكرنا بتاريخ عريق، ونجد وقع
الموسيقى تتناغم مع اللون، ونجد لغة السنابل، وأنشودة الصباح، كلها تتناغم بألوان
الفرح".
ويضيف: "في هذا
المعرض نطرح فكراً جديداً للمشهد البصري الفلسطيني، حيث نجد مجموعة من الفنانين
والفنانات الفلسطينيين يشحذون الأفكار للتعامل مع فكرة جديدة في النظر إلى
الصيرورة الفنية لكل واحد منهم، والنظر إلى التاريخ الفني الخاص بهم، أو لغيرهم من
الفنانين المشاركين في المعرض، فنجد تأملاً لمجمل الأفكار والتقنيات والرموز
والأعمال والمشاريع الفنية التي مارسوها من قبل ولا يزالون، ومن ثم محاولة تحوير
الأعمال، أو التعامل معها بمنظور جديد وبزوايا أخرى من ناحية المفهوم البصري
والفكري في آن واحد، فيحملون العمل الجديد قليلاً من السخرية والتهكم، وقليلاً من النقد
الذاتي، فيقومون بخلق إبداعات جديدة بمفهوم معاصر، وكأن الفنان يرسم أعماله بنظرة
آخر".
ولا يخلو المعرض من
طموح لأن يشكل مرحلة جديدة، بجمعه بين أجيال مختلفة وتجارب فنية متنوعة، فنجد
فنانين من الجيل الأول الذي أسسوا للحركة الفنية التشكيلية في فلسطين، وأعطوا
أهمية للمفهوم البصري كأداة ووسيلة للتعبير عن الهم الجماعي في المحتل أمثال: سليمان
منصور (بير زيت، 1947م) ونبيل عناني (اللطرون، 1943م) وأسد عزي (شفاعمرو-الجليل،
1955م) وتيسير بركات (معسكر جباليا-غزة، 1959م).
ونرى أيضاً تمثيل
للجيل الذي تلاه، والذي تواصل مع المفاهيم الفنية العالمية الرائدة، وتناول تجارب
فريدة وخلاقة أمثال: سمر غطاس (بيت لحم، 1968م) وخالد حوراني (الخليل، 1965م).
وهناك أيضاً تمثيل للجيل الجديد من الفنانين
والفنانات الذين يتعاملون مع التقنيات الجديدة في الفن البصري كالمنشآة والفيديو –
أرت كأدوات للتعبير عن الذات وعن الحاسة الفنية الإبداعية أمثال: منال محاميد
(قرية معاوية، 1976م)، وإياد صباح (غزة،
1973م).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق