رمّانة الدار تشهد
على أصحابها الغائبين
تتكىء قرية القبو
المهجرة على عدة تلال تطل على وادي الصرار، جنوب غرب القدس، والذي يحمل في تلك
المنطقة اسم وادي النسور، وتمر بمحاذاته سكة قطار القدس-يافا، التي أنشئت في أواخر
القرن التاسع عشر.
هجّرت قرية القبو في
عام 1948م، ودمر المحتلون منازلها، وحولوا منطقة العين والمسجد إلى ما تسمى حديقة
قومية تستقطب العديد من المتنزهين الإسرائيليين.
وزرع المحتلون على
أنقاض المنازل المدمرة أشجارًا حرجية، لإخفاء معالم الجريمة، إلا أن شجرة رمان تنتصب
وسط الأنقاض تؤشر إلى منزل مدمر لم تتمكن إجراءات الاحتلال من إخفاء معالمه.
الخبير في الحجر
الفلسطيني والعمارة التقليدي جورج أنسطاس، تمكن من تتبع معالم المنزل المدمر، وقال
وهو يتفقد الحجارة المتناثرة: "عملية بناء منزل في القرية الفلسطينية كانت
تمر بعدة مراحل، تبدأ بعمل التسوية الأولى، أي يصل إلى مستوى جيد يصلح للبناء،
ويضطر البنّاء إلى تكسير الحجارة المتحركة، بواسطة المهدة إلى أشكال عشوائية،
واستخدامها في حجارة التأسيس".
وتمكن أنسطاس من
الاستدلال على موقع باب المنزل، الذي كان يفتح إلى الشرق، ووضع يده على الحجارة
التي بني بها الباب، ومنها ما يسمى حجر الكلب وهو الأكبر والأطول وحجر العرقة الأصغر،
الذي يعطي للباب شكله، وفوق الكلب والعرقة يتم وضع حجر الكنط لكي "يكنط"
جانبي الحجارة أي تثبيتها وتمكينها من الجانبين، ويسمى الكنط أيضا الساقوف وفي بعض
المناطق يطلق عليه العتبة.
وكشف أنسطاس عن حجارة
مشغولة بطريقة المطبة استخدمت في بناء باب المنزل: "يمر الحجر بعدة مراحل،
وهناك ما يسمى السن الخشن للحجر، الذي يتم تسويته بالمطبة اليدوية، وهو الشكل الذي
يظهر للناظر، بعكس الجهات الأخرى التي تكون مخفية بحركة الباب للداخل والخارج".
وما زال حجر المطبة
يصنع في محاجر الحجر، وبكن بدلا من استخدام المطبة اليدوية كما في السابق، تستخدم الآن
المطبة الهوائية.
وحول تفسيره لكل هذه
العناية بحجارة البناء في قرية فلسطينية، يقول أنسطاس: "ما نراه من خلال استنطاق
الحجارة، يدل على وجود خبرة وتطور فيما يتعلق بصناعة الحجر، وهي على الأرجح خبرة
متوارثة من عدة أجيال، ومن الواضح أن الحجارة اقتلعت من نفس المكان، ويمكن ملاحظة
ذلك بسهولة، لم يكونوا يأتون بالحجارة من أماكن أخرى لصعوبة نقل الحجارة، وعدم
وجود طرق ممهدة".
ويرى الصحافي مصطفى
بدر، بأن صمود شجرة الرمان يؤشر، على التناقض مع الأشجار الحرجية الدخيلة، ويقول: "يمكن
أن تشكل الأشجار الحرجية منظرا جميلا، ولكنها بالنسبة لنا أشجار دخيلة على البيئة
الفلسطينية، التي دخلت بلادنا خلال الانتداب البريطاني على فلسطين وأكمل المحتلون الإسرائيليون
المهمة لتغيير طبيعة البيئة الفلسطينية الاورو-متوسطية إلى شمال أوروبية، وحتى في الزراعة
يهودون فلسطين ليثبتوا انها قطة من العالم الغربي، وليست جزءا من العالم العربي،
وهذا التشجير يضر بالغطاء النباتي المحلي، والنشاط الحيواني، ولكن التحدي يمكن أن
نجده في شجرة الرمان المزروعة بجانب هذا المنزل المهدم، كان من الأجمل لو ظل هنا أحفاد
زارع هذه الشجرة ليقطفوا ثمارها، بدلا من تشريدهم في المخيمات، ويمكن أن نرى أنه رغم
كل الأشجار الكبيرة إلا أن النباتات والشجيرات العشبية تخرج من تحت الدمار".
في قصة للكاتب
الإسرائيلي أ.ب. يوشع بعنوان (بين الغابات) يفضح الغاية من التشجير الحرجي، عندما
يحرق الحارس في القصة الغابة، فتظهر أنقاض البيوت الفلسطينية.
وتنتشر في قرية القبو
رُجوم الحجارة، التي تحوي حجارة لا تصلح للاستعمال فيتم وضعها في مكان معين حتى لا
تعيق المزارعين أو السائرين على الشوارع، ولكن لها أيضا مهمة أخرى، كما يمكن
الاستنتاج من وجود (لتون) وهو مصنع بدائي لتحويل الحجارة الكلسية إلى شيد يستخدم
في البناء، حيث يتم استخدام الحجارة التي تشكل الرُجم في (اللتون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق