حسن سلامة في الذاكرة الإسرائيلية

يعتبر الشيخ حسن سلامة، أحد قادة الجهاد المقدس في عام 1948، احدى الشخصيات الفلسطينية الاكثر حضورا في الادبيات الاسرائيلية، بالإضافة الى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وقد يعود ذلك للحياة الحافلة التي عاشها المناضل الراحل، والتي تشبه في بعض مفاصلها الافلام السينمائية، مثل المغامرة الاستثنائية، التي قادها سلامة، مع ضباط المان، خلال انزال من طائرة المانية، في وادي القلط، لتنفيذ عمليات ضد اهداف صهيونية، وفي حين نجح البريطانيون، في القضاء على الضباط الالمان، تمكن سلامة، من النجاة بأعجوبة، مما زاد من الهالة التي تظلله، بينما تكفلت الادبيات الصهيونية، باللصاق بعض التهم اليه، مثل خططه لتسميم ابار المياه في تل ابيب، والتي ساعدت مع "تهم" ومغامرات اخرى، بإبقائه حيا حتى الان في الذاكرة الجمعية للإسرائيليين.

وربما لهذا السبب لم يكن غريبا، ان ينشر موقع اسرائيلي ترويجي، صور ما سماها مقر قيادة سلامة في مدينة الرملة، قبل سقوطها في يد العصابات الصهيونية عام النكبة.

وتظهر الصور، التي نشرها الموقع الاسرائيلي المتخصص بالترويج لما يصفها معالم سياحية اسرائيلية، بناية متعددة الطوابق متداعية بسبب تعرضها، على الارجح، لإطلاق القذائف.

وتولى سلامة، خلال ما تسميها الادبيات الاسرائيلية الحرب العربية-الاسرائيلية، قيادة منطقة اللد والرملة (القطاع الاوسط الغربي)، ولكن كما اظهرت كتابات عربية واسرائيلية لاحقة عن ما جرى في ذلك القطاع، فان لاعبين كثر، غير الفلسطينيين غير المنظمين وقيادتهم المتمثلة بالشيخ سلامة، كان لها الدور الحاسم في الهزيمة، وسقوط المدينتين. فيما اعتبره مثلا الجنرال الاردني عبد الله التل المنشق، الذي كان شاهدا وفاعلا في معارك تلك الايام، مؤامرة عربية رسمية، وتسليما للمدينتين للعصابات الصهيونية.

وروى الدكتور حسان حتحوت، الطبيب المصري في الرملة آنذاك، الذي كان شاهدا على المعارك التي حدثت في الرملة، الكثير عن عفوية وعدم تنظيم الجيوش العربية والمتطوعين العرب، وانهماكهم في مسائل تتعلق بالغنائم، وصراعهم فيما بينهم، خلال فترات الهدنة التي استغلتها العصابات الصهيونية آنذاك لكي تعزز مواقعها وقدراتها.

وفي مثل هذه الظروف، كان سلامة، يقود نحو 300 مقاوم، منهم خمسون يتبعون (الجهاد المقدس)، والباقي من المتطوعين والحراس المحليين، وانضم إليهم لاحقاً نحو 250 من بدو شرق الاردن، سحبتهم القيادة الاردنية لاحقا.

وتوقف الدكتور حتحوت، عند دور هؤلاء، وغيرهم من المتطوعين العرب، والذي رأى انه لم يكن فقط غير فعال، وانما كان سلبيا، والسبب الاساسي عدم تنظيمهم، وفهمهم للمعركة مع العصابات الصهيونية، وكأنها واحدة من الغزوات التي تشنها قبيلة على اخرى.

وعمل سلامة، على عدة جبهات، فسعى لإزالة الخلافات الداخلية، وتجميع الفصائل المختلفة في جسم واحد، ونجح في ذلك الى حد كبير، الا ان الطرف الاخر و"المؤامرة"  كانت اكبر من جهود فردية واخلاص وطني.

كتب يوسف يعقوبنسون، رجل (الهاجاناة) المكلف بملاحقة سلامة، الى المسؤولين عنه، بان سلامة جعل من الرملة: "مركزا للإرهاب والفوضى. الاشخاص يقتلون على مرأى الجميع دون رادع. بجرأة فائقة اقتحم سلامة الاسطبلات التابعة للشرطة ليلا، وسرق جميع الخيول منها، وبعد وقت قصير ركب زعماء قرية (قولة) على تلك الخيول وتظاهروا في شوارع القرية دلالة على النصر، اما سلامة نفسه فركب على حصان الحاكم".

تقارير (الهاجانا) الاستخبارية تذكر ايضا: "لقد هرب ممثلو الحكومة من الرملة ومن يافا ومن مناطق قروية اخرى. دخل مكانهم سلامة ونجح في اقامة محاكم ثورية، وكان هو بمثابة الحاكم الواحد، تلك المحاكم انشغلت في امور جانبية وفي اعمال اجرام منتشرة وكثيرة، كأعمال الخيانة، الاحكام كانت سريعة وغير روتينية، رُمي بالخونة الى ابار الافاعي، او انهم قتلوا بقسوة".

"العرب سلموا الرملة واللد"، في عام 1948. هذا ما استقر في ذاكرة الفلسطينيين، سخر الاسرائيليون من طوابير اللاجئين وهم يقولون لهم: ملوك العرب باعوكم، قبضوا على كل راس..!، ويروي الموسيقي الفلسطيني واصف جوهرية في مذكراته شيئا مريرا عن هذا الامر.

ومنظر تلك الطوابير، لم يغب عن كثير من مذكرات قادة العصابات الصهيونية الذين تولوا مهام رفيعة في الحكومات الاسرائيلية المتلاحقة. وكذلك عن بعض الشخصيات الصهيونية المعتدلة، مثل اوري افنيري، الذي كان احد افراد العصابات الصهيونية، وشاهدا على تلك المأساة وقال لمراسلنا: "كنت اتمنى ان لا يحدث ذلك، ويبقى المهجرون في منازلهم".

ولد حسن سلامة في قرية (قولة) القريبة من اللد عام 1912، واستشهد في معركة راس العين عام 1948، بعد سقوط اللد والرملة، القريبتين الى قلبه.