تفضل الصديق الأديب أسامة مشكورًا وأهداني
مجموعة من رواياته وكتبه، فرأيت أن أبدأ بروايته التي أثارت في حينها زوبعة أدبية
حمل بعضها طابعًا دينيًا. كان العنوان، في رأيي الشخصي هو السبب الرئيس في ذلك.
وفي صميم اعتقادي أن معظم
هذه الزوبعة أتت ممن لم تتعد قراءتهم العنوان...ولم يكلف المهاجمون أنفسهم بتجاوز
العنوان ليتوغلوا في عمق الرواية وأبعاد مضامينها وما أراد الكاتب أن يوصله للقارئ
أيًا كان مستواه التقافي.
الإنجيل هنا هو أبعد ما يكون عن إنجيل رسول الإنسانية
وحبيبها يسوع المسيح عليه السلام. الإنجيل في الرواية تعبير اصطلاحي للمنهج الفكري
لبطلة الرواية والذي لا يمت بصلة للكتاب المقدَّس رسول السلام والمحبة ابن فلسطين
عيسى بن مريم. الذي أفتدى الانسانية بدمه. لينشر المحبة في العالم. وليجعل على الأرض
السلام و في الناس المحبة.
وهنا لابد لنا أن نقول بأنَّ لكلٍ منا إنجيله
في الحياة..يختاره ليقوده خلال سني عمره، فيتعثر أو يصيب.
بأسلوبه الأخاذ والمدهش، يأخذك الكاتب في
دهاليزه التاريخية المتخيلة، متكئًا على المعتقدات الدينية القديمةلقصة صراع وحب بين
معتقدات كان مسرحها الشرق الأوسط..حيث تعددت آلهة بني كنعان وجيرانهم اتباع يهوة
من اليهود، فتشاء الظروف أن يقع ابن حاخامهم أو الأرخن الأكبر في حب ابنة الكاهن
الكنعاني ويهيم بها لدرجة أن تملك عليه عقله وتبادله الأخرى حُبًا بحب. رغم فارق
المعتقد والتقاليد. لكن الحب غلاَّب كما يقولون. هنا تبرز مقدرة المبدع أسامة الأدبية
حيث تخال نفسك منغمسا في قراءة سفر من أسفار العهود القديمة. فقد استطاع الكاتب
تطويع تعابيره ليعيدك آلاف السنين إلى الوراء وهذه مقدرة غير عادية لكاتب مثقف قرأ
الأسفار وهضم مدلولاتها..وأسلوب عرضها واقترب من كل هذا بشكلٍ مدهش. كما نجح في
اعطاء شخصياته المفترضة، في نظري، ميزات وصفات جعلتك تتعرَّف عليها وكأنَّك
تعايشها المكان والزمان..بالاضافة إلى أنَّه وظف السرد الأدبي مدعومًا مع جانب من
التاريخ المحكي والمكتوب. وأعني به علاقة بني اسرائيل بالزمان والمكان. وهو ادعاء
نفاه مؤرخون مشهورون من بني جلدتهم ك (شلومو ساند
وزئيف هيرتزوغ) وغيرهم.
وفي سياق سرده الأخاذ اوحى اليك ببراعة ودون أن
يصرح كيف تنحاز الأحكام إلى جانب أصحاب النفوذ، في كل عصور التاريخ..كما حدث نفس
الشيء مع المتظاهرين بالورع والتقوى بينما هم، في حقيقتهم، أبعد ما يكون عن ذلك.
اظهر أسامة ببراعة ودون خطابية أن قضية المعتقد
لدى الانسان بانها قضية انسانية يختلقها العقل الإنساني، كل بطريقة ليستعين بذلك
على تفسير ما يجهله..وبيَّن ميزات كل اتجاه بطريقة سلسة لا خطابية فيها.
وخلال انغماسك في دهاليز الرواية وكاتبها يبرز
لك جليا تنوع ثقافة الكاتب وعمقها. ثم أنك تلمس بجلاء كيف يطوع رجال الدين
المسلمات الدينية لصالحهم. فيصبح الزنا مقدسًا، بعد أن كان جريمة جزاؤها القتل رميًا
بالحجارة، عندما يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ الزاني ما هو إلَّا كبير
الحاخامات نفسه وحمي الزانية ابنة الكاهن الكنعاني أيضًا. ودليل ذلك ختمه وأدوات
عبادته الأخرى التي كانت في حوزة المرأة التي أغرته فزنا بها دون أن يعرف كينونتها
انتقامًا منه ولفضح أخلاقياته غير السوية، لأنَّها إنما كانت زوجة أبنائه الذين
تعاقبوا عليها بعد وفاة الأوَّل والثاني ورفض الثالث.
لكني أتساءل..لماذا تزوج (الأرخن) الحاخام
الاكبر بكنعانية. ولماذا تكرر نفس الشيء مع الابن.؟ لماذا قبلت كنعانيات الرواية
بالزواج من اليهود المختونين بعد ان أحببنهم.
اليس هذا الزواج والحمل
مخيف ..على رأي الخالد مظفر النواب. !؟ كيف قبلت الأرض الكنعانية الحمل من الدخلاء؟
ثم لماذا أصبح الختان ميزة يهودية مع أنه كان معروفًا من غيرهم وقبلهم؟ وهل هناك
اثبات تاريخي علمي، يؤكد وجود اليهود في بلادنا؟ ففي كتاب شلومو ساند الشهير (اختراع
الشعب اليهودي) ينكر أستاذ التاريخ والآثار في جامعة تل أبيب أي وجود لهم في هذه
الأرض تمامًا وكذلك فعل آخرون، وكما سبق وذكرت. كما أنني لمحت ومن بين السطور إحساسًا
بتميز اليهود عن غيرهم، برغم تعريتهم فكريًا في النهاية، بتحول الحمل من فعل
اجرامي محرَّم أشد التحريم إلى حمل له قدسيته.
ومتى كان اليهود على مدى التاريخ يحاسبون على الزنى والانحلال. لنرجع
للتلمود ولنقرأ كيف كانوا يحثون بناتهم الجميلات على إغواء الأبطال والأباطرة
للزواج بهن من أجل تنفيذ مآرب لهم وما قصة امبراطور الفرس (قورش). ببعيدة عنا
تاريخيا..ثم لماذا اختارت الكنعانية هذه
الطريقة الدنيئة للانتقام!؟
وأخيرًا لم أر أهمية لإيراد الأسماء هنا لأنَّ
الحدث كان طاغيًا عليها..كما أنَّ قدرة الروائي بأسلوبه الاخاذ تأخذك لتلاحق أحداث
الرواية المتتابعة بعقلك وعينيك من بداية الرواية حتى اخر فقرة فيها.
شكرا كاتبنا الكبير أسامة العيسة على هذا المنجز
الجدلي الراقي..وإلى لقاء في منجز آخر.
تتوفر الرواية:
*حيفا: مكتبة كل شيء
*بيت لحم: مكتبة
تنوين-الكركفة.
*بيت لحم: مكتبة بغداد-شارع
المهد.
*رام الله: أزبكية رام
الله-الماصيون.
*الخليل: دار العماد.