أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 13 أغسطس 2023

المهضوم اللازوردي!


سيتفق كثير من المثقفين وغيرهم، على أنَّ إحدى علل ثقافتنا، من "يهضم" نفسه من المثقفين! فتطغى النرجسية وتعلو، لدى المثقفين، كما السياسيين، فيتشلَّلوا، ويزرقُّوا!

 مشكلة للمثقف وغير المثقف عندما "يهضم نفسه" والتعبير سرقته من مثقف كبير وعظيم، أعطانا درسًا قبل نحو ألف عام.

عاش جار الله الزمخشري،  الذي تبنى الفكر المعتزلي، حياةً حافلة، بين عامي (1057-1143م) وحظي، رغم معتزليته باحترام كبير بين مخالفيه، وما زال يثير اهتمامنا بمنجزه، وبعضه لم يُتجاوز عليه كتفسيره: الكشَّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ووجوه التأويل.

في رسالة له يسخر من مادحيه قائلًا: "فإنَّ ذلك اغترار بالظاهر الممّوه، وجهل بالباطن المشوّه، ولعلّ الذي غرهم مني ما رأوا من حسن النصح للمسلمين، وبلوغ الشفقة على المستفيدين، وقطع المطامع، وإفاءة المبارّ والصنائع، وعزة النفس والربء بها عن السفاسف، والاقبال على خويّصتي، والاعراض عما لا يعنيني، فجللت في عيونهم وغلطوا فيّ ونسبوني إلى ما لست منه في قبيل ولا دبير".

حُبي الزمخشري، بأنف يميز روائح المدح المقيتة، ويدرك واقعه وطموحه: "..وما أنا فيما أقول بهاضم لنفسي".

يفسِّر بتواضع عارف: "إنَّ المؤمن ليهضم نفسه، وإنما صدقت الفاحص عني وعن كنه روايتي ودرايتي، ومن لقيت وأخذت عنه وما بلغ علمي، وقصارى فضلي، وأطلعته طلع أمري، وأفضيت إليه بخيبة سري، وألقيت إليه عُجري وبُجري، وأعملته نجمي وشجري".

لم يهضم الزوخشري نفسه، ولم يكن راضيًا عن منجزه. وُجد مثقف فلسطيني من أهل الرملة، هضم نفسه متظارفًا. اسمه محمود بن الحسين، عرف بلقب كُشاجم الشاعر. لقَّب نفسه كُشاجمًا، وعدما سئل عن معنى اللقب، فسَّر ساخرًا: الكاف من كاتب، والشين من شاعر، والألف من أديب، والجيم من جواد، والميم من منجم.

يبدو أن محبيه بادلوه الهضم، فسماه بعضم كشاجم طخ، ففسرها بنفسه: الطاء من طباخ، والخاء من خراء.

استخدم لفظة اللازورد في شعره الغزلي:

 كأَنَّما اللاّزّوّرْدُ نَقّطَهُ/ وَنَقَّطَ اللاّزّوّرْدَ بالعَنَمِ

وهو بهذا سبق شاعرنا المعاصر، في استخدام لفظة اللاّزّوّرْد. التي ابتذلت، مع استخدامها المتكرِّر من البحتري إلى أحمد شوقي، حتَّى وصلت شعراء اللاّزّوّرْدُ الزُرْق، يمشي واحدهم وتمشي فيه الدماء الزرقاء.

#الزمخشري

#محمود_درويش

#كشاجم_الشاعر

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق