لم يتبق من قرية المحمودية المهجرة، الواقعة على نهر
العوجا، سوى بضعة مبان قديمة، أشهرها ما يعرف بطاحونة أبو رباح، التي أضحت أحد
مواقع الاستجمام، فيما تسميها سلطات الاحتلال "الحديقة الوطنية لنهر
اليركون" وهو الاسم التوراتي لنهر العوجا، الذي ينبع من رأس العين، ويصب في
بحر يافا، بطول يصل إلى 27 كلم.
يُعتقد أن أبو رباح، وهو واحد من أثرياء المنطقة، بنى
طاحونته، في عام 1899م، لطحن الغلال، كالقمح، والذرة، والشعير، والبقوليات،
مستفيدا من تقنية النواعير، التي تحمل المياه لتشغيل حجارة الرحى في الطاحونة.
صمد اسم أبو رباح، وما زال يستخدم حتى اليوم، من قبل
دولة الاحتلال، كعنوان استراحة على نهر العوجا، بينما مُحيت قرية المحمودية، وقرى
أخرى، عاشت، اقتصاديا على النهر، في عمليات التطهير العرقي، والتدمير الممنهج.
يطلق على قرية المحمودية، التي تبعد نحو 16 كلم شرق
يافا، أيضا اسم المر، وهي من أوائل القرى التي استخدم فيها الإسمنت للبناء، وما
زال، ما يعتقد أنه أول مبنى بالإسمنت في فلسطين، صامد على ضفاف نهر العوجا.
طاحونة أبو رباح، وهي واحدة من عدة طواحين، ما زال بقايا
بعضها موجودا، على ضفاف نهر العوجا، المتعرج، أحد المعالم السياحية، المعروفة
جيدا، في الداخل المحتل، وتقدم هذه الطواحين، بإعجاب، لاستخدامها القوة المائية
الهيدورلكية، لتشغيلها.
عرفت قرية المحمودية، باسمها نسبة للسلطان الثاني محمود
الثاني الذي تولى السلطنة ما بين (1808- 1839)، حيث أسست في حقبته.
عمل معظم سكان القرية، في الزراعة، خصوصا في زراعة
الزيتون، والحمضيات، والموز، والحبوب، طهرت عرقيا من قبل العصابات الصهيونية في
شهر شباط 1948م.
يقول الباحث نعيم خيط، إن الفلسطينيين، أقاموا مجموعة من
الطواحين على نهر العوجا، التي كانت مثل باقي الطواحين في البلاد: "أمكنة
لقاء وتبادل الأخبار الاجتماعية والزراعية وغيرها، وغنى لها المطربون".
يضيف: "تشهد المصادر التاريخية أن العوجا، كان نهرا
كبيرا من حيث غزارة المياه وقوة دفعها، ولكنه تحول إلى واد بعد تحويل قسم من مياه
منابعه، عند رأس العين إلى القدس منذ 1935 وجزء آخر إلى النقب بعد 1955 لصالح
المشروع القطري، وعندما كانت المياه في العوجا كثيرة وقوية الجريان استغلت لبناء
طواحين على مقاطع مختلفة من النهر، قريبا من المنابع وحتى المصب قريبا من
البحر".
ويتابع خيط: "كان الفلاحون، ينتظرون، ساعات حتى
ينهي البراك (موظف الطاحونة) كيل منتوجهم، بأسلوبه الخاص".
وهذا الأسلوب، حسب خيط: "يقول البراك: أول كيلة
(صاع): بركة، والثانية: يا موفي الدين، والثالثة: القدوس، وأربع بركات، والخامسة:
الخاين مات، وستي سلطانة، وسبعة مليانة، وثمانية: يلا الأمانة، والتاسعة بالبير
(أجرة الطاحونة) والعاشرة للمير (ضريبة للحكومة)".
من بين الطواحين التي أقيمت على نهر العوجا، حسب خيط:
طاحونة الهدار، وطاحونة الجريشة، وطاحونة المر، وطاحونة أبو رباح.
يقول خيط: "تسمى طاحونة أبو رباح، أيضا الطاحونة
الوسطى، لصاحبها إبراهيم أبو رباح، الذي كانت له علاقات حسنة، مع السلطات
العثمانية".
تضرب مياه نهر العوجا، مبنى طاحونة أبو رباح الحجري
المهجور، بينما ينتشر حوله، المتنزهون من دولة الاحتلال، منهم من يمارس صيد
الأسماك، ونشاطات ترفيهية أخرى، وهي صامدة رغم أنواء النكبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق