تنتسب رواية الكاتب اسامة العيسة الجديدة " قط بئر السبع"، إلى ادب السجون، ولعل تجربة كاتبها السابقة مع السجن والسجان دفعته دفعًا إلى كتابة هذه الرواية بعد عدد من الروايات التي اصدرها في السنوات الاخيرة السابقة، ربما لهذا ما ان وقعت هذه الرواية بين يدي حتى بادرت لقراءتها.
قبل تقديم قراءتي الخاصة للرواية اود التعريف بكاتبها.. اسامة العيسة، كما جاء في تظهير روايته هذه، كاتب وباحث فلسطيني من مواليد مدينة بيت لحم عام 1962. صدرت له كتب بحثية في الآثار والطبيعة الفلسطينية، إضافة الى عدد من المجموعات القصصية، والروايات هي: المسكوبية، قبلة بيت لحم الاخيرة، وردة اريحا، ومجانين بيت لحم، وقد نال لقاء هذه الرواية الاخيرة جائزة الشيخ زايد قبل عامين.
ملخص الرواية
يسعى أسامة العيسة، كما كتب ناشرها دار الهلال المصرية، في روايته هذه إلى استكشاف صفحة من تاريخ المقاومة الفلسطينية، عندما كانت في عافيتها، تفرق في النظر إلى العدو والصديق، وتحكي عن قط تسلل في سبعينيات القرن الماضي، إلى سجن بئر السبع الإسرائيليّ، الذي تحتجز فيه سلطات الاحتلال أسرى المقاومة الفلسطينية، فيتحول إلى أسير ملاحق من قبل إدارة السجن الاحتلالية. وينسج الأسرى علاقة خاصة مع هذا القط الذي يساعدهم في مقاومتهم لأساليب وإجراءات إدارة السجن، ويضطلع بدور في إضراب عن الطعام يخوضونه، مطالبين بتحسين ظروف اعتقالهم. تخطط إدارة السجن، التي ترى وجود القط في السجن خطرًا أمنيًا، للتخلص منه،.. ما يثير في هذه الرواية اننا نسمع اكثر مما نرى.. كما يفترض.
حبكة الروية.. او التسلسل المنطقي للأحداث
خلافًا للكثير مما قيل في هذه الرواية، اقول انها تفتقر إلى الحبكة الروائية المتماسكة، فهي تستعرض احداثًا سياسية ومواجهات فكرية تؤكد حركية المقاومة الفلسطيني وفي المقابل تشير بقوة إلى وجهة النظر المخالفة كلية لوجهة النظر هذه، المقصود الاسرائيلية، وبدلًا من أن يركز الكاتب على شخصية القط الذي دخل إلى السجن على حين غرة من اعين الرقباء، انصرف عنه، الامر الذي حوّل القط إلى حيلة فنية لا اكثر منه وجودًا ديناميًا فاعلًا، وجعله بالتالي لا يظهر في الرواية إلا لمامًا، وعلى فترات متباعدة، واعتقد أإن هذا جعل القط تكئة لا أكثر في استعراض احداث، نكاد نقول إن الناس في خارج السجن يعرفونها.. ربما بتفصيل اكثر لكثرة ما كتب ونشر عنها، وقد لاحظت أن شخصية الباحث تغلّبت على شخصية مؤلف الرواية في العديد من فصولها وصفحاتها، فهو يتطرّق إلى اضراب الاسرى، مثلًا، واصفًا اياه بكل ما يتصف به من آثار سلبية على ممارسيه من الاسرى، ما يجعل القارئ يشعر أنه انما يقرأ بحثًا وليس رواية، قد يقول قائل هنا.. إن العديد من الروائيين فعلوا مثل هذا في روايات كثيرة لهم، فنقول إن هذا الرأي مردود عليه فخطأ روائي لا يبرر خطأ سواه. لقد كان بإمكان مؤلف الرواية ان يبدع كتابة مميزة لو انه ركّز على القط من ناحية وعلى بقية اطراف المعادلة الروائية من ناحية اخرى.. ولم ينشغل بالمناقشات السياسية المعروفة والمكرورة حتى الملل. وقد ادى توعك الحبكة هذا إلى غياب شبه تام للتشويق الروائي الذي لا بد من لأي عمل فني يريد ان يكون وان يعيش طويلًا.
الشخصيات
من المعروف والمتفق عليه، بين الباحثين الادبين، ان هناك ملامح اساسية تتصف بها الشخصية الروائية الناجحة، لعلّ أهمها أن هذه الشخصيات تنمو وتتطوّر، وتتغير ايضًا خلال العمل الروائي ذاته، وهو ما لم يحصل في هذه الرواية، قط بئر السبع،.. الشخصيات هنا تبقى على حالها وكما هي منذ البداية حتى النهاية، الأمر الذي يجعلنا نرى فيها شخصيات سطحية وفق آراء عدد من النقاد، أمثال ادوين موير في كتابه "بناء الرواية" وعبد المحسن طه بدر في كتابه عن "تطور الرواية العربية"، ويؤدي هذا في رأينا إلى أننا نلتقي في هذا العمل شخصيات جامدة، تفتقر إلى الحياة، فنحن لا نتعرّف عليها عبر وجوديتها، وتردداتها الانسانية، وإنما نتعرّف على وجه واحد من وجوهها العديدة.. هو الوجه النضالي لبعض منها والانهزامي لبعض آخر، انها شخصيات تفقر إلى الحس الانساني ما يقربها من أن تكون شخصيات رامزة وليست رمزية، ومعروف ان الفرق بين هاتين الاثنتين واسع شاسع، ففي حين تتصف الشخصيات الرامزة إلى ما تشير إليه من دور، تتوهج الاخرى.. الرمزية.. بالحياة وتتجلّى في اضوائها الساطعة.
اسجل في نهاية هذه العجالة ملاحظة على طباعة الرواية، فقد ظهرت فيها العديد من الاخطاء الطباعية.. لعلّ ابسطها كلمة وطء في جملة" تحمل وطئ التاريخ واساطيره"، والصحيح وطء، وهناك العديد من الاخطاء الطباعية التي لا تخفى على القارئ المهتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*صدرت هذه الرواية ضمن سلسلة روايات الهلال الشهرية، في العاصمة المصرية القاهرة في ايار 2017.
#ناجي_ظاهر
#قط_بئر_السبع
#دار_الهلال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق