اجتر ابن خلدون، ما ذكره سابقوه عن فلسطين، الذين
اجتروا قصص الأولين عنها، وما زال كثيرون، من عرب ومسلمين، يواصلون الاجترار.
تبنى المسلمون، روايات العهد القديم، عن
فلسطين، وعندما وصل الصليبيون، ساهموا في أسطرة كثير من المواقع، من بينها الحرم
الإبراهيمي، عندما أعلنوا اكتشافهم لقبور العائلة الإبراهيمية، وثمة شهادات إسلامية-عربية
على ذلك، مثل شهادة الهروي.
سيضيف اللاحقون، الأسطرة الصليبية، للأسطرة
التوراتية، ولن يخلو الأمر من إبداع إسلامي، تمثّل بما يعرف بأدب الفضائل، التي
انتشر، استجابة لتحديات الانتصار الصليبي.
التفت الشاعر أدونيس إلى هذا الأدب، ونتج عن
ذلك كتابه (كونشرتو القدس).
من لم يجتر، ويريد أن يقدم جديدًا، يفتقد،
عادةً، التواضع، وعادة ما يصف ما يخطه عن تاريخ فلسطين، بأنّه "التاريخ
الحقيقي"، وهو تعبير غير علمي.
من الصعب لوم ابن خلدون، الذي يمكن أن يتعرض
للنقد، ليس فقط لمسار حياته المهنية الميكافيلي، ولكن لأنه لم ينتبه، وهو يكتب
ويحرر تاريخه، حتى قبل وفاته (حسب النسخة التي اطلع عليها طه حسين)، أن ثمة مشكلة
منهجية، بين ما جاء في المقدمة وفي تطبيق المنهج على تاريخه.
إذا كان اجترار ابن خلدون، لتاريخ فلسطين،
يناسب علوم زمانه، فإن الأمر الغريب، ما ذكره عن زيارته للقدس، حيث يسقط اهابه
العلمي، بشكل مخجل.
يذكر كيف تبرك بزيارة المسجد الأقصى،
والصلاة فيه، ولكنه، وهنا ما يستوجب الغرابة، قوله إنه تعفف عن الدخول إلى كنيسة
القيامة، لسبب ديني: "لما فيها من الإشادة بتكذيب القرآن، إذ هو بناء أمم
النصرانية على مكان الصليب بزعمهم، فنكرته نفسي ونكرت الدخول إليه".
أين ابن خلدون المؤرخ من هذا التصرف؟ أين
منه، ممن سبقه ولم يجد، مانعًا دينيًا من زيارة كنيسة القيامة؟ هل المسألة تتعلق
باعتقادات دينية؟ أم مملاة لمضيفيه في القدس؟
بعد أن أنهى زيارته للقدس، ذهب إلى الخليل
ليزور قبر أبي الأنبياء، وفي طريقه عرّج إلى بيت لحم، وهذه المرة لم يمنعه اعتقاده
الديني، من زيارة كنيسة المهد: "وهو بناء عظيم على موضع ميلاد المسيح، شيدت
القياصرة عليه بناء بسماطين من العمد الصخور، منجدة مصطفة مرقوما على رؤوسها صور
ملوك القياصرة، وتواريخ دولهم، ميسرة لمن يبتغي تحقيق نقلها بالتراجمة العارفين
لأوضاعها، ولقد يشهد المصنع بعظم ملك القياصرة وضخامة دولتهم".
-الصورة باب قبلة كنيسة القيامة ركب عام
1868م
#ابن_خلدون
#بيت_لحم
#القدس
#كنيسة_القيامة
#كنيسة_المهد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق