أمضى ساكي، أكثر من 35 عاما في كنيسة
القيامة في القدس، منقبا ومرمما ومشرفا
وحافظا، ومكتشفا، وموثقا، ويمتد عمله إلى الكنائس والأديرة والمنازل الأرثوذكسية
في القدس، وأحيانا خارجها.
يطلق معارف ساكي ومحبوه، عليه هذا اللقب،
أما اسمه الحقيقي فهو ثيودوسيوس متربولوس، وهو اسم يوناني يستصعب المحليون، والذين
يتعاملون معه يوميا، نطقه بالشكل الصحيح.
يعتبر ساكي، كما يؤكد زميله المثّال جورج
نسطاس، مصمم ومنفذ الأعمال الإنشائية الحجرية في كنيسة القيامة، واحد من أهم عشرة
خبراء ترميم في العالم.
يقول نسطاس: "لدى ساكي، حلول مبتكرة،
لمشاكل البنايات القديمة في القدس، ومن بينها الكنائس، إنه شخص موثوق في
مجاله".
يبدو ساكي، سعيدا بإقامته الممتدة في القدس،
التي يطلق عليها أم المدائن، ويعتبرها أهم مدينة في العالم.
يقول ساكي، الذي رافقه مراسلنا في جولة في
كنيسة القيامة وبلدة القدس القديمة: "تعتبر مدينة القدس، مركز الديانات،
وكباحث لا أعتقد أن هناك مدينة في العالم تشبهها، هي أم المدن، ومركز
العالم".
خلال عمله المتواصل، في الحفريات الأثرية،
والترميم، وقف ساكي على أنماط معمارية عديدة متداخلة، أو منفردة تشهد على تاريخ
القدس الطويل، الذي يقول إنها كانت دائمة مدينة تخضع للاحتلال، وكل حضارة كانت
تلجأ، للأسف، إلى تدمير بنايات من سبقتها، وتستخدم حجارتها في البناء الجديد، في
عملية متواصلة لإعادة التدوير. وأكبر مثال على ذلك هو سور القدس المحيط بالبلدة
القديمة، الذين تعود حجارته إلى عصور عديدة.
لاحظ ساكي، تأثر الحضارات بعضها ببعض، يعطي
مثلا: "يمكننا تحديد بعض الأنماط المعمارية مثل النمط الكريتي، أو الهيليني،
أو الفارسي، ولكن من الإنصاف التوقف عند التلاقح الحضاري، مثلا عرفت بلاد فارس بتقدمها
العمراني، حتى الآن نسمي تقنية الكحلة بين الحجارة بالخراسانية، نسبة لمدينة
خراسان الإيرانية، عندما جاء الاسكندر المقدوني، حاملا معه الفلسفة، ولكنه احتاج إلى
تقنيات العمارة الفارسية فاقتبسها".
يضيف: "المؤلم جدا في تاريخ القدس، أن
كل دولة جديدة مهيمنة، حكمت المدينة، عمدت إلى هدم المآثر المعمارية التي وجدتها،
كنوع من الهيمنة الدينية والسياسية، ولكن الفلسطينيين حافظوا على النمط المعماري
الذي تطور في بلادهم، فمثلا ما زالوا يبنون بالحجارة، صحيح أنهم دخلوا الإسلام،
كآخر دين وصلهم، إلا أن نمطهم المعماري بقي كما هو، فنحن لا نرى نمط البناء في
فلسطيني مشابه للأنماط المعمارية في الجزيرة العربية أو غيرها من بلدان أتى منها
المسلمون".
أنجز ساكي رسالته للدكتوراه عن كنيسة
القيامة، وهي مجمع ضخم من الكنائس، وأكثر الأماكن المسيحية قداسة في العالم، منها
ما هو في طور الترميم، كما حال كنيسة الرسل إلى الشرق من ساحة كنيسة القيامة،
ويعتمد على خبرات محلية فلسطينية، وأبزرها المثّال جورج نسطاس، الذي صمم ونفذ
مجموعة من الأبواب للكنيسة الجديدة مستخدما حجر قباطية الأبيض.
لا يرغب ساكي، بالتحيز لحضارة مرت على القدس،
على حساب حضارة أخرى، مشيرا إلى أن كل حضارة فيها الجانبين السيئ والجيد، ولكنه
يشعر بوشائج تجاه الشعب الفلسطيني، لأنه مثل الشعب اليوناني، من شعوب البحر، بعكس
مثلا الشعبين التركي أو الإيراني، وغيرهما من شعوب أتت من الجبال أو الصحاري إلى
البحر.
من العناصر المعمارية المستمرة في القدس، والتي
تمتاز بها، كما لاحظها ساكي، الشرفة الممتدة، والأقواس، ذات التقنيات البيزنطية،
وغيرها، ولكنها بتطورها، تصبح نمطا محليا.
يقول ساكي: "ربما الأكثر إثارة
للانتباه، أن أهل القدس، وهم يدخلون في الأديان المختلفة، ويحكمون من قبل حضارات
مختلفة، غيروا دينهم، ولكنهم لم يغيروا تقنياتهم المعمارية".
يصف ساكي، الذي قرر العيش في القدس حتى
النهاية، نفسه، بأنّه عاشق من القدس، يجول يوميا في واحد من أكثر الأماكن قداسة في
العالم، وفي مدينة، هي الأهم، بالنسبة إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق