كما قلت، كنت
أُعشّب القُصّيبة بالقرب مِنْ مسار قَناة الكفَّار، استرحت على حجر بدٍّ ضخم لعصر
الزَّيْتون لم يكمله الحجّار، وبسبب ضخامته نجا من لصوص الآثار، ومن العابثين، ولم
يفكر أحد باستخدامه في جدار، أو أيّ شيء مشابه، لضخامته وثقله، ودائمًا يحلو لي
الاستراحة عليه، أُمدد جسدي فوقه، وآخذ غفوة قصيرة. يبدو أن الَّذي أنهى تدوير
الحجر وصقله بدأ في حفر الفتحة التي يتم من خلالها وضع خشبة البدّ، والتي يصل
طولها إلى عدّة أمتار. ولطالما تحيرنا: لماذا لم يكمل الصانع عمله، وترك حجره
مرميًا هكذا؟ هل بسبب إحدى فواصل التَّاريخ وتقاطعاته في فِلَسْطِين؟ هل سمع دبيب
خيل الإسكندر؟ أمْ رأى من بعيد جند الرُّوم؟ أَو هل ارتاع من جحافل العَرَب، الذين
طوقوا القُدْس طويلاً، حتّى لم يتركوا لبطريركها صفرونيوس أيّ خيار لإنقاذ شعبه،
واختصوا أنفسهم بأنفس الغنائم، والمنازل، والحمامات، والشوارع؟ هل كان شاهدًا على
الدِّماء التي سُفكت، وما أكثرها على هذه الأرض؟ عرب يقتلون عربًا، في حروبٍ على
كراسي العروش والنفوذ، وناس تدفع ثمن صراع الإقطاع الغَرْبيّ مع الإقطاع
العربيّ-الإسلامي. هل ارتاع من الصَّليبيِّين الذين تلذذوا بأكل لحوم البَشَر في
المعرة أَو لحوم بعضهم وهم في طريقهم إلينا؟ هل رأى فلول الجَيْش العثماني يغادرون
إلى الشَّرَق، فترك عدَّةَ شغله، وانطلق في أثرهم خائفًا من المجهول؟ من الصَّعْب
معرفة السرّ في عدم إكمال حجر البدّ هذا.
**
على حجر البَدّ في رواية
وردة أريحا
عدسة: يوسف أبو طاعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق