أعتقد أن مسألة المنع تتجاوز كل المبررات التي تطرح، وإنما تتعلق بالسلطة
وممارستها، وإظهار قوتها، والفئات المستهدفة بالقمع هي أكثر الفئات ضعفًا في
المجتمع، مثل باعة البسطات، والكُتَّاب. السلطات كلها تحتاج، بين وقت وآخر إلى
إظهار نوع من بسط سلطتها، باستخدام تلك الأساليب في المنع والمصادرة التي تجاوزتها
الأعراف العالمية، ويكون الضحايا من الكُتَّاب. ومن دون أن تدري، تظهر هذه السلطات
بأنها خارج دائرة التقدم، والتاريخ، والمستقبل.
من الصعب التصديق أن هذه السلطات، عندما تمنع كتابًا تحمي مجتمعاتها، أو
فئات منها كالقُصّر الذين يحتاجون أكثر من غيرهم إلى الكتاب، وربما قبل ذلك إلى
توفير الخبز، والمسكن لهم، وفي حالة فلسطين يحتاج الشعب الفلسطيني إلى الحماية من
بطش الاحتلال اليومي، ويا له من بطش في مجتمع الأراضي المحتلة عام 1967، يوجد 48
رجل أمن لكل مواطن، إضافة طبعًا إلى ترسانة جيش الاحتلال ورؤوسه النووية، وكل
مخابرات العالم التي تعمل في هذه الأراضي، ولا يوجد أمن، في حين أنه، وفقًا
للإحصاءات الرسمية، فإن من أقل المجتمعات في العالم، من حيث نسبة الأطباء إلى عدد
السكان، فلكل ألف مواطن يوجد طبيب، وفي بعض التخصصات (كالعيون مثلًا)، فإن لكل 100
ألف مواطن يوجد طبيب في الأراضي المحتلة، حيث غابت وتغيب السياسات الثقافية
للمؤسسة الثقافية الرسمية، القائمة على اعتبارات قد لا تكون ثقافية، وإنما حزبية
وارتجالية ومزاجية، تتم المصادرة، لمحاربة الثقافة المستقلة التي تمكنت خلال
السنوات السبع الماضية، من تحقيق حضور عربي، في ظل الفشل السياسي المتراكم، وأعتقد
أن هذا مزعج جدًا، حتى إننا رأينا كيف أن العديد من المثقفين المستلبين، أو معظمهم
الذين أبدوا رأيًا في قضية رواية (جريمة في رام الله) احتاجوا دائمًا إلى التبرير
والانتقاص من الرواية، وأحيانًا من صاحبها. لم نسمع من هؤلاء “لا” قاطعة بشأن حريّة
الإبداع، وإنما دائمًا كان هناك ثمة لكن، “الرواية تافهة، ولكننا ضد المنع..
الرواية فيها خدش، ورغم ذلك ضد المنع”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق