تخلفت الناقة الشابة
عن اللحاق بقطيع الجِمال الذي تحرك بعد هبوط الليل على برية عرب الرشايدة، شرق بيت
لحم، ووقفت أمام ناقة كبيرة بَرَكت على الأرض لسبب ما، ولم تبد أية رغبة بمرافقة
القطيع، وقربت وجهها من وجه الناقة وأخذت تتحسسه وتشمه، وكأنها تستطلع حال الناقة
الكبيرة.
قال الشاب فرحان
الرشايدة لمجموعة من زوار البرية: "انظروا إليها، لم تشأ ترك أمها لوحدها،
وتذهب باحثة عن الكلأ، إنه الإخلاص والولاء والوفاء".
الإخلاص والولاء
والوفاء، وليس الحقد كما يشاع في المأثور الشعبي هو ما يميز الجِمال، بالنسبة
للرشايدة، الذي يعيش حياة البداوة في برية عرب الرشايدة، الممتدة حتى البحر الميت،
ويعمل دليلاً سياحيا للمجموعات المحلية والأجنبية التي تعيد اكتشاف البرية وأجراف
البحر الميت.
وبدأت المجموعة التي
ترافق فرحان بالتقاط صور لعلاقة الوفاء بين ناقة وأمها في البرية الفلسطينية في
ليلة صفاء ظهر فيها القمر بدرا، مما أربك الناقة الصغيرة التي لم تفهم سر هجوم
فلاشات الكاميرات عليها.
يقدر الرشايدة عدد الجِمال
لدى عرب الرشايدة بنحو 500 جمل، تشكل ما تبقى من ثروة رعوية اشتهر بها عرب
الرشايدة، وكانت تعتبر الأكبر في الضفة الغربية، إلّا ان الظروف السياسية التي
مروا بها قلصت أعدادها بشكل كبير.
ومن الإجراءات
الاحتلالية، تشريد عرب الرشايدة عن مناطقهم في عين جدي عام 1948م، وتطهيرهم عرقيا
منها، وطردهم في ثمانينات القرن الماضي من قريتهم إلى موقع آخر، وإغلاق مناطق
رعوية واسعة، لاستخدامها للتدريب العسكري الاحتلالي، ومصادرة أعداد كبيرة من
الثروة الحيوانية بحجج مختلفة.
تنتشر الجِمال فيما
تبقى من مراعي في البرية تحت رقابة أصحابها، ولكن لديها القدرة على الرعي بشكل
مستقل والمكوث عدة أيام، قبل عودتها، أو زيارة أصحابها لها.
يقول فرحان:
"لدى الجمل ذاكرة حديدية، إذا أطعمه أحدهم شعيرا في موقع ما، لا ينسى ذلك
أبدا، وسيعود إلى الموقع والى الشخص الذي قدم له الطعام، ليقدم الامتنان".
ويحاول فرحان أن يغير
ما لدى النّاس ما يسميها صور مسبقة عن الجِمال باعتبارها حيوانات حقودة لا تنسى
الاهانة، قائلا: "نعم الجِمال لا تنسى من يسيء إليها، خصوصا من يضربها، ولكن
في هذه البرية نادرا ما يحدث أن يقترب منها بهدف الإساءة، فهي بحجمها وطلتها
ومشيتها تفرض نفسها كإحدى المخلوقات الهامة في البرية، وقصص انتقام الجِمال من
المسيئين لا تكاد تذكر".
ويضيف: "وإذا
دلل الإنسان الجمل وأحسن معاملته فانه أيضا لا ينسى ذلك أبدا".
تنتظم الجِمال في
المراعي البعيدة عن مضارب عرب الرشايدة بشكلٍ هندسي يتخذ الطابع الدائري، وعندما
تتحرك تبدو وكأنها تفعل ذلك ضمن سياق منظم، وهو ما تفعله منذ آلاف الأعوام في
البرية، كما يمكن الاستدلال من المكتشفات الأثرية حول مخيمات الجمال.
تحاول الجِمال أن
تعيش حرة في البرية، تعرف ما لها وما عليها، فهي ترعى وتعود إلى المضارب، قابلة
بقدرها النهائي وهو البيع أو الذبح.
وحسب فرحان، فان سعر
الجمل يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دينار أردني، حسب المواصفات التي يتمتع
بها.
يقول فرحان:
"تربية الجمال والمتاجرة بها، هي جزء من حياة البدو في الصحراء الفلسطينية،
والأسواق فيها لا تعرف الحدود السياسية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق