الفلسطينيون "بردلوا" الملك الصليبي

أشار حسين عبد الله سليمان مشارقة (65) عاما وهي يقف على موقع مشرف في قريته يبرود، الى طريق برية جميلة، تؤدي الى (برج البردويل)، الذي يطل على منطقة وادي الحرامية، التابعة لقرية سلواد المجاورة.

ورغم إعجابه بالبرج، وحديثه الحماسي عنه، الا مشارقة اقر بانه لم يفكر ولا مرة بالذهاب اليه. وما زالت بقايا هذا البرج العظيم، قائمة، ويمكن رؤية مرفقاته، كالغرف متعددة الاستخدام، ومن هذه المنطقة يمكن رؤية منظر بانورامي في غاية الروعة، تزيده الجبال المحيطة بوادي الحرامية، جمالا وروعة.

ويوفر الموقع، اطلالة على عدة قرى، كسلواد، والمزرعة الشرقية، وعين سينيا، بالإضافة الى يبرود، ويظهر جمال مواقع هذه القرى.

ويُعتقد بان اسم البرج تحريف لاسم (بلدوين) ملك بيت المقدس الصليبي، وورد اسم بردويل، في كتب الاخباريين العرب مقصودا به الملك بلدوين، ومن بينهم من زار فلسطين خلال الاحتلال الصليبي مثل أبو بكر الرهوي صاحب كتاب (الاشارات في معرفة الزيارات)، الذي قدم وصفا مقتضبا لمواقع مهمة في فلسطين في تلك الفترة، ولتشكل بعض الاساطير، التي عاشت لاحقا، مثل تلك المتعلقة بمغارة الميكفلة في الحرم الابراهيمي الشريف.

ويعيد باحثون غربيون، بعض التقاليد الاسطورية المرتبطة بمواقع ومقامات، الى فترة فلسطين الصليبية. عاشت طوال الفترات اللاحقة وحتى الان.

يطلق الاسرائيليون على برج البردول اسم (بِشَنا)، ويرتفع 950م عن سطح البحر، وصفه شكري عراف: "قلعة صليبية حمت طريق القدس-نابلس، والاسم الصليبي للبرج هو (Villas de Cursu) أي برج الهرب من اللصوص، من القرن الثاني عشر الميلادي، المبنى مربع طول ضلعه 90م، بقيت في القسم الجنوبي عقدة انبوبية بعلو 4م، اما القسم الغربي فمهدوم. السور الخارجي للمبنى من حجر غشيم عدا الزوايا، فمن حجر منحوت. الفخار من العصر الحديدي الثاني، ومن الفترة البيزنطية، ومن العصر الوسيط، ومن الفترة العثمانية".

وفي منطقة بعيدة، في جنوب الضفة الغربية، تشترك مع يبرود، في ارتفاعها، حيث تعتبر اعلى الجبال في الضفة الغربية، يعيش بلدوين في ذاكرة اهالي سكان خرب حسكه التابعة لمدينة حلحول، وإن كان اصبح بالنسبة لديهم قائدا عربيا مسلما.

ويوجد في المنطقة، بقايا برج صليبي، ينقل السكان روايات متواترة عنه بانه كان يعود لملك اسمه بردويل ابن راشد، واذا كان تحريف بلدوين الى بردويل ليس جديدا، ومفهوما، فان اضفاء طابع عربي اسلامي عليه باسم ابن راشد، قد يبدو غير مفهوم، ولا تحتفظ الذاكرة الشعبية المتواترة لسكان الخربة أي شيء عن هذا الامر.

يقول الشاب فايز أبو صايمة: "سمعت من والدي ان الملك بردويل بن راشد كان يُصيف هنا، ويشتي في العريش المصرية، بالإضافة الى وجود قصور اخرى له في انحاء فلسطين".

وعلى جدار البرج عُلقت لافتتان تشيران إلى عمل تم فيه بإشراف وكالة الغوث (الاونروا) ضمن برنامج الطواريء-ايجاد فرص عمل مؤقتة-المال مقابل العمل، وبتمويل أساسي من المفوضية الأوروبية للمساعدات الانسانية، وكانت المفاجأة، ان بعض المواطنين قالوا بانه عمليا لم يتم أي عمل يخص البرج.

وحسب أبو صايمة: "المنطقة تابعة لحلحول، والناس الذين يعيشون هم من عائلات حلحول، عمدت بلدية حلحول لترميم البرج، مع جهات مانحة الا ان بلدية الخليل اعترضت معتبرة ان المنطقة تدخل في حدودها، وهكذا لم يتم الترميم رغم جلب المواد اللازمة لذلك، وتوقف المشروع".

وعلقت مروة طقطق-مسؤولة اعلامية في الاونروا على ذلك: "هذا المشروع كان من المفروض ان ينفذ من قبل الاونروا وبدعم من الاتحاد الاوروبي، ولكن تم ايقافنا من قبل وزارة السياحة. هذه هي المعلومات المتوفرة لدي عن الموضوع".

اما ردة فعل محمد صبارنة مدير اثار الخليل فكانت: "نحن لم نمنع احدا من العمل، اتفقنا مع الاونروا، على تقديم مخططات الترميم عبر بلدية حلحول، لتتم العملية بشكل علمي، ولنكون على دراية بالآلية، ولم يصلنا أي شيء".

ويؤكد صبارنة: "يعود هذا البرج الى العهد الصليبي ويعاني من مشاكل انشائية، ويحتاج الى ترميم، ولكن لا توجد ميزانيات في وزارة السياحة لهذا الغرض".

ويتعرض البرج، لعبث منقبي الاثار غير الشرعيين، وهو ما يمكن الوقوف عليه لدى الدخول في الطابق السفلي من البرج، وهو ذو سطح على شكل قناطر، ورؤية الحفريات غير المنظمة، وبقايا فسيفساء، هي على الاغلب جزء من ارضية فسيفسائية تعرضت للتدمير.

ترتفع خربة حَسْكِه (يلفظها البعض بكسر الحاء) نحو 1000م عن سطح البحر، وتتميز بعيونها التي تقارب نحو الثلاثين عين، وتوصف المنطقة، بحق بانها جنة أرضية، تتميز بواديها الخصب الذي تتدفق فيه العيون، وحرش يمتد مسافة عدة كيلومترات يصل إلى منطقة وادي القف البديعة.

http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/11/14/page14.pdf