هنا القدس.. درب الصعود إلى السماء

يشعر إبراهيم أبو غنام، بالفخر، لأنه يواصل مهمة عائلته، في سدانة موقع صعود المسيح على جبل الزيتون المطل على القدس، والثري بالأبنية الدينية، التي أُقيمت على مواقع يعتقد ان لها علاقة بأحداث انجيلية.

ويجلس أبو غنام، امام موقع المصعد، يرحب بالزائرين والحجاج، ويُحصّل منهم رسوما رمزية (خمسة شواقل)، بينما يعفي المواطنين من هذه الرسوم.

ويقول أبو غنام، ان الاموال المحصلة تذهب الى الاوقاف الاسلامية، وان عائلته تحاسب الاوقاف الاسلامية بطريق الضمان.

ولكن دور عائلة أبو غنام، يتجاوز بالطبع تحصيل الرسوم، وحسم نصيبها منها، الى المكانة التي تشعر بها، لإشرافها على احد المواقع المهمة لدى المسيحيين والمسلمين. كما هو حال حمل عائلة مسلمة لمفاتيح كنيسة القيامة.

ويقول أبو غنام، انه منذ صغره وهو في موقع الصعود، مثلما كان الامر مع والده وجده، وان ذلك يعني له الكثير، وانه كمسلم يؤمن بان هذا الموقع، هو المكان الذي صعد منه المسيح الى السماء، ويقرّ بوجود اصوات تعترض على وجود مفتاح المصعد مع عائلة مسلمة، ولكنه يرى ان ذلك ضمانة لكي لا تحدث خلافات بين خمس طوائف مسيحية تؤمن بان هذا المكان، هو الموقع الذي صعد منه السيد المسيح.

ويضيف: "اننا نفتح الموقع ونغلقه، ولوّ كان الامر يتعلق بطائفة واحدة، لكان لها الحق بفتحه واغلاقه، ولكن بوجود تعددية للطوائف فان الامر يختلف، ونحن كعائلة نفخر بإشرافنا على هذا المكان المقدس".

وشهد موقع الصعود، او قبة الصعود، تغيرات كثيرة بسبب الغزوات والفتوحات، والهزائم والانتصارات التي شهدتها ارض فلسطين، خلال قرون، ويتبين ذلك من البقايا الاثرية في المكان.

وبنى الامبراطور قسطنطين كنيسة عظيمة في الموقع، وبنيت منشات اخرى، ولكنها دُمرت خلال الغزو الفارسي لفلسطين عام ٦١٤. وأعاد المسيحيون بناءها، لكنها لم تصمد كثيرا، فهدمت مع اقتراب الصليبيين من القدس. وبنى الصليبيون كنيسة مثمنة الأضلاع، ما زالت بقاياها ظاهرة، ولكن ما يوجد في الموقع الان قبة صغيرة، حولت الى مسجد بعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين، ويوجد داخل القبة محراب، ويكرم التقليد المسيحي والإسلامي حجرا معزولا في الأرضية عليه آثار ما يقال انه قدم السيد المسيح اليسرى.

في مذكراته عن الحقبة العثمانية الاخيرة، يتحدث المؤرخ والموسيقي المقدسي واصف جوهرية عن تقاليد خميس الصعود، والذي يحتفل به بعد اربعين يوما من احد القيامة: "ولما كان موقع الصعود من جبل الطور وهي لا شك نعمة جزيلة زيدت على النعم التي اختصت بها اهالي الديار المقدسة فحدثت جميع ما قام به سيادة المسيح من ولادة وتبشير وعماد ودخوله الى الهيكل ثم دخوله الى القدس نهار احد الشعانين، ثم الامه قبل الصلب وسيره حاملا صليبه في طريق الالام المعروفة بالمراحل داخل القدس الى ان وصل القيامة وصُلب وقام في اليوم الثالث، وكانت هذه الاماكن المقدسة والتي لم تزل خالدة مكرمة مباركة مقدسة لدى العالم، فقد اجمع المسيحيون واخص الارثوذكس منهم على القيام باحتفال ديني مهيب في الموقع الذي صعد منه سيدنا المسيح، وكان يوم خميس، ولذلك دعي بخميس الصعود، او خميس الطور نسبة لموقعه وهو جبل الطور او الزيتون. ولما كان من المعتقد بان محل صعود السيد المسيح في جامع للمسلمين مقام في منتصف قرية الطور بجوار كنيسة كلاليا للأرثوذكس، حرى الاتفاق والتراضي من القدم ان طائفة الروم الارثوذكس تقيم عادة القداس الالهي بمناسبة الصعود وهي مرة من كل سنة في قسم خاص من هذا الجامع، الامر الذي يعطي القاريء صورة مصغرة عن مدى الاخوة القائمة ما بين المسيحي والمسلم، وعلى الاخص المسيحيين الارثوذكس منذ القدم ليومنا هذا بعناية الله".

وارتبط الموقع بميثولوجيا اسلامية، شاعت حتى وقت قريب كما يمكن ان نستنتج مما كتبه محمد ثابت، في كتابه (العالم كما رأيته: جولة في ربوع الشرق الأدنى بين مصر وأفغانستان: رحلة محمد ثابت سنة 1932م).

وبعد ان يتحدث عن الباب الذهبي في سور المسجد الاقصى الشرقي يقول بان قبالة هذا الباب من الخلف: "جبل الزيتون الذي كان يأوي إليه المسيح للتعبد بين أشجار الزيتون، ويقول الناس إن السراط (هكذا في الاصل) سيمتد يوم القيامة بين هذا المكان وبين قبة الصعود قبالته فوق جبل الزيتون، وسيمسك النبي بطرف السراط من فوق صخرة، رأيناها بارزة على سور الحرم، والطرف الثاني للسراط سيمسكه المسيح، ثم يمر الناس جميعاً من فوقه فمن جازه نجا، وإلا فالويل لمن هوى".

وعلى جبل الزيتون مواقع اخرى، لطوائف مسيحية مكرسة لذكرى الصعود، مثل دير الروس، وكنيسة "أيّها الرجال الجليليون" للروم الأرثوذكس.

http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/8/26/page12.pdf