رام الله تستدل الستار على حكاية الصديقين

كثيرون الان لا يذكرون تلك الأيام، الايام الاخيرة من عام 1987 الذي كان يوشك على الرحيل، والشهور الاولى من العام الوليد 1988م.

وكثيرون قد لا يذكرون، دبيب رمزي شاهين (18) عاما، وانيس خليل (21) عاما في الشوارع والازقة وحقول قرى مطقة رام الله في تلك الايام المشبعة بالأمل والدموع.

وبعد سنوت من ذلك الحضور الصاخب للصديقين رمزي وانيس، عاشت قرية عين عريك، حلة قلق وتساؤل على مصيرهما، بعد ان تردد استشهادهما على الحدود المصرية في شهر تشرين ثاني 1991م.

وخلال تلك السنوات، التي تضاربت فيها الاخبار، أُقيم للصديقين، سرادق عزاء، ووزعت الحلوى، وانطلقت الزغاريد في قرى رام الله الغربية، اثر تأكيدات افادت بانهما على قيد الحياة، وعاش الناس، حتى يوم 12-8-2012م، دون ان يتحققوا من مصيرهما.

ربما لا نستطيع تحديد تاريخ صداقة رمزي وانيس، الا اذا سألنا كل صخرة، وشجرة وساحة كل مسجد وكنيسة في عين عريك، الا اننا، مع ذلك، نستطيع ان نبدأ حكايتهما مع بداية عام 1988، حين اصبحا مطاردين، وجزءا من (الاسد المقنع) احدى الفرق الانتفاضية التي عملت في منطقة رام الله.

ونتيجة لنشاطهما، اقدمت سلطات الاحتلال، على اغلاق منزليهما عام 1989م، وكان اغلاق المنازل، اسلوبا عقابيا متبعا، في مواجهة الانتفاضة المتصاعدة، مع اساليب اخرى.

وعندما احسا بالخطر، كما روى لي هيثم حنا، خال رمزي، عندما قابلته في اواخر عام 1993م، خرجا الى مصر متسللين، ووقعا في ايدي قوات الامن المصرية، ومكثا ثلاثة اشهر في معتقل ابو زعبل، وخرجا مع اخرين بعد تدخل الشهيد صلاح خلف (ابو اياد).

وبعد خروجهما من مصر، كما روى لي هاني حافظ ابن عم انيس، تنقلا بين معسكرات تابعة للمقاومة في تونس، وليبيا، والعراق، وكان يضغطان للعودة الى الوطن في عملية استشهادية.

وفي 18-11-1991م، بدأ الفصل الاكثر اثارة في حكاية الصديقين، عندما ابلغ الصليب الاحمر، مؤسسة الحق، بوقوع عملية عسكرية على الحدود المصرية، ونشرت صحيفة الشعب المقدسية خبرا عن استشهاد ثلاثة في العملية المذكورة وهم: رمزي شاهين، وانيس خليل، وسمير ابو عرجا.

في ذلك الوقت كان خالد البطراوي، يشغل منصب مُركزّ وحدة البحث الميداني في مؤسسة الحق، وتابع حكاية الصديقين منذ البداية، واعتبرها قضيته الشخصية.

قابلت البطراوي، الذي شجعني على تعقب حكاية الصديقين، وأخبرني، بانه بعد نشر اسماء الشهداء، توجه ذوو رمزي وانيس، الى مؤسسة الحق، لتبدأ عملية بحث عنهما استمرت سنوات.

ونتيجة لجهود مشتركة بين مؤسسة الحق، والشهيد المحامي محمد ابو شعبان الذي قضى اغتيالا في غزة، سلمت سلطات الاحتلال جثة الشهيد سمير ابو عرجا لذويه، ولم تفلح الجهود لاستعادة جثماني رمزي وانيس. وتم توكيل المحامية ليئا تسيمل لاستعادة الجثمانين ودفنهما في عين عريك.

في 16-11-1991م، رد المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، على مطالبات تسيمل بتسليم الجثمانين، برسالة تفيد بانه تمت الموافقة على اعادة جثماني رمزي وانيس، بقرار من قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، وبالتنسيق مع الادارة المدنية، وانه يجب الاتصال مع هذه الادارة في منطقة أريحا، والحصول على التفاصيل، باعتبار ان الجثتين مدفونتان في مقبرة فصايل.

ومع الادارة المدنية في اريحا انتهى فصل، ليبدأ فصل جديد، فالقيادة العسكرية الاحتلالية في المنطقة آنذاك، نفت ان يكون في كشوفها أي ذكر لرمزي وانيس.

وطلبت تلك القيادة، عبر المحامية، بتزويدها بمعلومات لتساعدها في عملية البحث، منها: التاريخ المحدد لمغادرة الشابين والى اين غادرا، وتحديد مكان استشهادهما في سيناء، ونوع السلاح الذي كان بحوزتهما، وصور للشابين وهما بلباس البحر، وكافة المعلومات الطبية اللازمة عنهما، وغير ذلك من معلومات حاولت الاسرتان توفير ما امكن منها.

ومع ذلك، مضت السنوات، دون ان ترد القيادة العسكرية الاحتلالية باي جواب. بينما عاشت عائلتا رمزي وانيس على قلق.

وفي ايار 1993م، وصل خبر للأسرتين من اسير كان في معتقل (الخيام) في جنوب لبنان، ونقل لفترة محدودة الى سجن جنيد، بان رمزي وانيس موجودان في (الخيام) على الارجح، وان اسميهما محفوران على زنازين السجن.

رقصت، حينها الفرحة في عين عريك، وتبادل الناس في قرى رام الله الغربية التهاني ووزعت الحلوى،  ولكن الفرحة لم تتم، فمؤسسة الحق، التقطت طرف الخيط، وارسلت حينها رسائل لمنظمة العفو الدولية (امنستي) ومنظمة مراقبة الشرق الاوسط، اللتين حاولتا الدخول لمعتقل الخيام ولكن دون جدوى.

في تلك السنوات، كانت سلطات الاحتلال تتنصل من مسؤوليتها عن معتقل الخيام، امام المؤسسات الحقوقية، باعتبار ان قوات انطون لحد المتعاونة معها هي المسؤولة عنها، بينما جماعة لحد كانت ايضا تتنصل من المسؤولية، وتقول بان الاسرائيليين مسؤولون عنه. وفي النهاية تحول معتقل الخيام الى متحف، بعد انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، وهروب جماعة لحد وتفككها.

كانت العائلتان، تدركان، ان سلطات الاحتلال تسوف، وتماطل، والتصور آنذاك هو ان الاحتلال يريد ان يحتفظ بجثتي رمزي وانيس تحسبا لأية عمليات تبادل في المستقبل بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية.

وكم كان توقع خالد البطراوي، وهيثم حنا، وهاني حافظ دقيقا عندما قابلتهما في اواخر عام 1993م، قال خالد بمرارة: "في اعقاب العمليات العسكرية، عادة ما تقدم السلطات الاسرائيلية بتصوير الجثث بالفيديو والصور الملونة، لذا لديها كل المعلومات عن رمزي وانيس".

في شهر تشرين الثاني 2011م، انجزت صفقة (وفاء الاحرار) وسلمت سلطات الاحتلال 90 رفات لشهداء، وفي شهر حزيران الماضي، التقيت عطا الله شاهين، شقيق رمزي، في حديث طويل عن وطأة سنوات غياب رمزي وأنيس، والمياه التي جرت في انهر الحياة، وغياب الام، والاحباء، دون معرفة مصير البطلين، واخبرني، بان هناك احتمال ان يكون جثمانين لم تعرف هويتهما تعودان لرمزي وانيس، وان فحوصا لـ الحمض النووي "DNA"، تجري في الاردن، لحسم الامر. وان الجميع يترقب هذا الفصل الجديد من حكاية الصديقين.

ويوم الاحد 12-8-2012م، اعلن مدير عام الطب الشرعي في وزارة العدل، د. زياد الأشهب، عن التعرف على جثماني رمزي وانيس.

وفي اليوم التالي، الاثنين، كانت رام الله تشهد على الفصل الاخير من حكاية رمزي وأنيس، من مجمع رام الطبي انطلق الموكب الى عين عريك، ومن مسجد وكنيسة عين عريك، شيع الاثنان الى مثواهما الاخير.

في لحظات الوداع الاخيرة، وبعد عشرين عاما من تتبع حكاية الصديقين، يقول خالد البطراوي: "قصتي معهما بدأت لحظة اختفائهما في الانتفاضة الأولى، وكان يتابع الاختفاء كل من أبو عبد الله عواد وهو مناضل من كبار مناضلي عين عريك رحمه الله، وهيثم عواد الشاب اليافع. لروح أبو عبدالله عواد، أقول نم قرير العين، احتضنت قرية عين عريك ابنيها مجددا، ولهيثم عواد أقول كل الاحترام لك، ولرمزي وأنيس أقول اهلا وسهلا بكما".
http://www.alhayat-j.com/pdf/2012/8/14/page11.pdf