أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 1 سبتمبر 2025

عود الريّ



ارتبطت هذه النبتة بطفولتنا الشقية الفوَّارة في البراري. الآباء والأمهات كانوا أقل خوفًا علينا، من نظرائهم/ن الحاليِّين. نسميها وغيرها يشبهها غيصلان. ولكنَّها تحمل أيضًا اسمًا آخر، بدا لنا أنَّه من امتياز الكبار الذين يفهمون أكثر منا: عود الريّ.

عندما تتطاول في منتصف آب اللهاب، بعد عدَّة أيَّام، عادة ما تكون أحَّر أيَّام العام، يعرف الفلَّاح الفلسطيني أنَّ الخريف هل، وعليه الاسراع في إنهاء مهام التعزيب، من تجفيف التين، والعنب، والتعزيل، مع أوَّل مطرة، والعودة من الحقول؛ عودة قصيرة سيعود بعدها من أجل الزيتون، قبل البيات الشتوي الطويل.

في عيد مار الياس بين بيت لحم والقدس، يتخلَّق الغيم، لكن لا عيد ولا فرح في البلاد. وحده عود الريَّ الباقي في تقويم الفلَّاح الثري بالمناسبات الخريفية كالبربارة والصليبية.

رميت بصيلات من عود الريّ في حديقتي ونسيتها. المذهل أنها تسامقت وبدت أكثر جمالًا من أينعتها بريًا. عود الريَّ ينبت بعليًا، يكتفي بالإله القديم رعاية، ولكنَّه إذا توفر له ري، فيينع وهجًا. يعش عود الريَّ بنا وبدوننا.

في عود الريَّ تتحلَّق البتلات من الأسفل، دائريًا، وتتكاثف متحدة، في مقاربة لمنطق طير مولانا فريد الدين العطَّار. تتجمع دائريًا، في مشهد يبلبل الألباب، على أقل ألبابي، وهي تتفتح واحدة واحدة، لكلٍ منها ألقها الخاص، وسط المجموعة، وكأنَّها استحالة التفتح بدون شقيقاتها. ثمّ تذوي، بينما تكون الأعلى قد تحلَّقت بلونها الأبيض. أبيض يختلف عن أي أبيض. يتنحى ليفسح لغيره، حتى نهاية العود فيذوي ببطء، وتبقى البصيلات لتتنبت في خريف آت، وتظهر في فورات حياة لا نهائية.

عود الريَّ، أكثر النباتات شبهًا بالفلَّاح الفلسطينيِّ، من عوده المنتصب ثم المنحني. الفلَّاح الفلسطينيِّ لا يشكو، فهو لا يحتاج إلى بيروقراطيَّة البلاد النهرية، ليأخذ حصته المائية، بالانحناء والتوسل والخضوع، فبعل لا ينساه، وعندما يغضب ويشح، يتوجه إليه في مواكب استسقاء، فيها من التهديد والكرامة، أكثر من الدعاء والاستجداء.

إمبرياليات عصرنا، تفتقت عن إنشاء ودعم لجان إغاثة، وجميعات مساندة، ولكن عود الفلَّاح الريّ، لا يحتاجها، ولم تتفتق إلا عن خراراة خيانة المثقفين وإثرائهم، في أكبر حملة إزاحة للانتجلسيا، في تاريح البلاد الطويل. الفلَّاح كبتلات عوده، ينجو في دورة المواسم، بتحلقها.

لماذا لم يلجأ ناسنا لزراعة عود الريَّ؟ لا أعرف. واحد على الأقل تشجَّع، يمكن أن يذكر اسمه في التعليقات.

#عود_الري

#فريد_الدين_العطار

#أسامة_العيسة

 

غرافيتي فلسطين