مجانين بيت لحم،
للكاتب الفلسطيني القدير أسامة العيسة، الصّادرة عن مُؤسّسة نوفل-هاشيت أنطوان عام
2013، والحائزة على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الآداب عام 2015، عمل روائي
صحفيّ فخم، من القطع الكبير، يقع في 254
صفحة، بأبعاد تاريخيّة ثريّة مُؤثّرة، يتناول القضيّة الفلسطينيّة، ممّا يعني
بحثًا واسعًا ومُجهدًا.
جاءت الرواية على شكل
رسالة لعُجيل المقدسي، وهو سفير الشخصيّات المضطهدة الّتي تعامل معها الكاتب.
لابُدّ من التنويه إلى مقدار الألم في الرواية بشكلٍ قوي، الألم الّذي يُساوم على
شخصيّات لم تفلح في حياتها، لشخصيّات كانت عرضة لشيء ما، والّتي طالبت بشيء ما-لعلّها
السَّكينة، لشخصيّات فقدت اتّصالها لكلّ ما له علاقة بالواقع الكسيح، لشخصيّات
منسيّة مطردة، وعلى هذا الأساس، بفنيّة وخفّة، يُوقظ البطل هزائمهم وتاريخهم
المرير، كما لو أنّه عاش تفاصيلهم لحظة بلحظة، حتّى الصّمت بين الأجزاء، تاركًا
لك، من خلاله، أن تتخيّل بنفسك، ما كان وراء الكواليس الحزينة.
تنقسم الرواية إلى
ثلاثة أجزاء:
-سفر تكوين: تناول
هذا القسم فلسطين، بيت لحم، والدهيشيّة، بسرد متين ومُتميّز، تاريخهم الطويل.
-سفر من لا أسفار
لهم: تناول هذا الجزء حكايات أناس حقيقيين، وواقع رثّ دفعهم، شيئًا فشيئًا، بإجماع
الكلّ، لأنْ يُستبعدوا عن الحياة، أو لنقل لتكميم أفواههم، وإتلاف ما تبقّى من
ملكاتهم، وهذا من طبيعة الحياة الظّالمة، حيث تعدّى كلّ من هبّ ودبّ على كرامتهم،
وما من رادع لهم.
-سفر مشمشي: وهو
الأخير، قد يحسب القارئ المرتجل أنّ العبث قد يطال الأفراد فقط، ولكن قبل أن يصل
إلى هذه الحقيقة، عليه أن يُدرك، قبل كلّ شيء أنّ المأتى الأوّلي للعبث، هو فَتْك
الأنظمة. يبقى الأمل شعلة قد تنير درب الضالّ يومًا. ولكن، أحقًّا هُنالك ما
يستحقّ الكفاح من أجله؟
وكما قيل في الصفحة
221: "أجنّ شيء في الكون، عندما يفقد الموت هيبته، ويصبح أكثر الأشياء
طبيعيّة".
تُحاصرني دائمًا
كلمات تُعزّي نكبة الإنسانيّة، إحداها لأحلام مستغانمي: "للأقدار يد لا تُرى،
لكن لا يد تعلو عليها أو تلوي مشيئتها لأنّها يد الله، وأخرى لبثينة العيسى:
"كان العالم كثيرًا وكنتُ أنا وحدي، وثالثة لمي زيادة: "أتمنّى أن يأتي
بعد موتي من يُنصفني" أخلّص للقول أنّ الرواية جذوة لمن ضاعت قضاياه، ومات في
حداد على حاله.
#ياسين_الغُماري
#مجانين_بيت_لحم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق