قد يكون أوَّل ذكر
عربي عن أعجوبة سبت النور، ما وصلنا من الجاحظ (776-868م). ذكر في كتابه الحيوان،
عن نار الاحتيال: "وما زالت السّدنة تحتال للنّاس جهة النّيران بأنواع الحيل،
كاحتيال رهبان كنيسة القيامة ببيت المقدس بمصابيحها، وأنّ زيت قناديلها يستوقد لهم
من غير نار، في بعض ليالي أعيادهم".
ذكر أيضًا عن افتتان
"عجايز النصارى وأغمارهم" بمصابيح كنيسة القيامة. قد يكون وصله خبر الأعجوبة
وهو في البصرة أو بغداد، وعلى الأرجح ناقش الأمر مع رفاق القلم والتفلسف
والمنطقيين من مسيحيين وغيرهم.
ميَّز الجاحظ بين
نوايا العجائز، والعلماء والعقلاء، وكما هو متوقع لم يؤمن الجاحظ بالأعجوبة، وهو المتكلم،
المعتزلي، العقلاني الذهين، المفتون بأرسطو.
وهو الذي أكد على
مذهب الشك، باعتباره منهج معرفة اليقين. سيتناثر الشك الجاحظي، ويتبدد ولن يؤسس في
الثقافة العربية، بعكس الشك الديكارتي مثلًا في الثقافة الغربية.
النقد الأكبر لانبثاق
النور المقدس من قبر المسيح الفارغ في القدس، إلى حد الاستهزاء والاستحقار، سنلحظه
لدى الكُتّاب والرحالة المسيحيين الغربيين، الذين جاؤوا إلى القدس للحج، خلال
القرنين الثامن والتاسع عشر، ومنهم من غلاة المتدينين. واعتبروا الاحتفالات
الصاخبة التي تشهدها كنيسة القيامة، دلالة على تخلف الشرقيين المزمن، الذي قد يؤدي
إلى كوارث، كما حدث مثلًا في عام 1834، وكاد الفاتح المصري إبراهيم باشا، أن يقتل
اختناقًا، بينما مات كثيرون احتراقًا.
التعالي وعدم الفهم
الغربي له دلالة مهمة، فعيد الفصح هو عيد الشرق، عيد الربيع، قيامة أدونيس
(السيّد)، ثم قيامة المسيح (السيّد) تحتفل به فلسطين، وإن بأشكال مختلفة منذ آلاف
الأعوام. وفي الغرب يسمونه ايستر، نسبة للشرق، أو في تأويل آخر نسبة لعشتار،
باعتباره أحد تجليات الأعياد الوثنية، التي يزعم الغرب تعاليه عليها، وهو غير
صحيح، فما حاولت الديانات الإبراهيمية محوه، حاضر بقوَّة في الفنون المختلفة التي
صاغت وجدان الشعوب التي توصف بالمتمدنة، بينما في الشرق، فاكتفت الأديان، التي لم
تنبثق من فراغ، بترسيخ ما سبقها، وهي تنكر ذلك، ولولا ما علق بها من أديان سابقة،
لما استمرت.
سبت النور مناسبة،
ليقول فيها سكُّان البلاد، أراء في أحوال البلاد. في فلسطين المعاصرة، نجد
التأثيرات السياسية على سبت النور. مثلًا في نيسان 1920، وبعد الاضطرابات آنذاك
خلال موسم النبي موسى، هتف الفلَّاحون وانضم إليهم المتعلمون من الشباب:
"صهيوني خذ ربعك وسير/هذه البلاد بلادنا".
وبعد أيّام، في سبت
النور، هتف المسيحيّون في كنيسة القيامة: "يا مار جِرّيس على القبر صلينا،
إحنا العرب والسيوف في إيدينا"، بدلاً من "إحنا النصارى والشموع في
إيدينا".
كانت أعيادنا دينية،
وأصبحت قومية-هكذا يلاحظ خليل السكاكيني في يومياته.
وفي سبت النور قبل
أعوام، كانت السياسة حاضرة، فهتف المشاركون:
"يا داعش وينك
وينك
مسيحي يقلع
عينك"
و "يا داعش صبرك
صبرك
مسيحي يحفر
قبرك"
و "يا أبو بكر
البغدادي
ليش تطردني من
بلادي".
اليوم رفع أحدهم على
أنغام الأهازيج الدينية المحلية علم روسيا، في كنيسة القيامة، افتتانًا بأبي علي
بوتين، فيما رفعت الأعلام الوطنية في مدن أخرى كبيت لحم مثلًا.
الصراع في الشرق
مستمر على الهُويَّة..! وسبت النور وغيره من أعياد الفلُّاح الفلسطيني، تجلي دفاعي
عن الُّهويَّة غير المتحققة..!
الصورة: قبطيتان في
احتفالات سبت النور اليوم.
#الجاحظ
#أرسطو
#كنيسة_القيامة
#سبت_النور
#خليل_السكاكيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق