في أواسط آذار عام
1938م، دخل بعض الثوار إلى قرية زكريا في قضاء الخليل، وكان الهدف هذه المرة
استهداف جابي المالية الحكومي وحارسه، ومصادرة نقديتهما، ونُفذت المهمة بنجاح.
لطالما كره الفلاحون
الفلسطينيون جباة الضرائب، بغض النظر عن الحكومات التي يمثلونها، والتي لم يمثلوا
لها إلا مصدرًا للمال أو الرجال وقود الآلات الحربية التي لم تتوقف عن طحن
المجندين، طوال قرون في فلسطين.
عانت زكريا، مثل باقي
القرى والمدن الفلسطينية، من سطوة الجباة، ولم يكن من النادر اعتقال شيخ القرية
لعجز الفلاحين عن سداد مال الحكومة.
ليس هناك شك، في بهجة
الناس، بما جرى للجابي وحارسه، ليس فقط تشفيا باثنين من رموز السلطة الأكثر كرها،
ولكن أيضا لأن الثوار اخذوا كفايتهم، ولو إلى حين، من المال.
كان من الطبيعي أن
يطوق الثوار القرى ويدخلونها، فارضين على الأهالي تزويدهم بالمال أو العتاد، وكان
على مخاتير القرى ووجهائها التصرف دائما بحكمة مع من يناضلون ضد بريطانيا العظمى.
في روايتي وردة أريحا،
يظهر المختار كشخصٍ يمسك العصا من المنتصف يولم للثوار، ويتعاون مع الانجليز،
ويعتقد بأنه بهذا يتصرف بحكمة الأجداد الممتدة إلى قرون بؤس طويلة عاشها الفلاحون،
وراكموا الحزن وتقنيات تداول الجينات الثقافية والفيزيولوجية.
استهدف الثوار،
العديد من وجهاء القرى، بدعوى تعاملهم مع الانكليز، وتوسعوا في عمليات الاغتيال،
وذهب الكثير من المخاتير، الذين كان عليهم في معظم الأحيان أن يكونوا واجهات
للسلطات، ضحية مواقفهم أو تسرع مواقف الثوار، فقتل مثلا مختار بيت محسير في باب
السلسلة في القدس، وتظهر المدونات ان الأمور كانت تخرج عن السيطرة في حالات غير
نادرة، كما حدث مع عائلة مختار دير الشيخ القريبة من زكريا، فحين وصل الثوار
ليقتلوه، يبدو انه توارى، أو كان متواريا أصلاً، فقتلوا وزوجته وأولادهما الثلاثة
والراعي، وأضافوا عليهم الحصان والحمار وبعض الأغنام.
بعض عمليات الحمق
الثوري، تسبب لاحقًا في عمليات ثأر استمرت حتى بعد النكبة، ولم يتم التحقيق فيها
حتى الآن، رغم حرص أهالي الضحايا الملح في حينها لتبرئة القتلى من تهم العمالة،
باعتبار ذلك عار العار.
انتهت الثورة الكبرى
في فلسطين، مثلما انتهت الانتفاضات السابقة، وستنتهي الانتفاضات اللاحقة، تضحيات
كبيرة، وقبض ريح..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق