في شهر آذار من عام 1940، انطلقت أربع سيارات، في رحلة من القدس إلى العقبة، مرورا بأم الرشراش، التي ستعرف لاحقا على نطاق واسع باسمها العبري الاستيطاني (ايلات).
في داخل واحدة من هذه السيارات، جلس دافيد بن غوريون، الذي سيصبح لاحقا أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل، برفقة عدد من قادة الحركة الصهيونية.
ولم تكن هذه الرحلات من هذه النوع، غريبة على نشطاء الحركة الصهيونية، والمستكشفين اليهود، والمستوطنين الأوائل في ارض فلسطين، فتقريبا لكل واحد من هؤلاء، رحلته، أو رحلاته الخاصة في ارض فلسطين، والغايات كثيرة: استكشافية، ومعرفية، واستعمارية.
وليس الوقت مبكرا للحكم على دور هذه الرحلات، في ما أصبح واقعا قاسيا على الأرض، فيما بعد بتأسيس دولة إسرائيل، وفي غياب أية معلومات ضافية، باستثناء ما تحدث عنه النشطاء الصهاينة في مذكراتهم عن رحلاتهم الفلسطينية والشامية والشرق أوسطية، وعدم وجود دراسات عن ذلك، يمكن فقط الإشارة، إلى وضع هذا النوع من الرحلات، في خانة الجهود الاستكشافية التي لم تتوقف طوال القرون الأخيرة في المشرق العربي، حيث شكل الرحالة، والجغرافيون، والمغامرون، الكتائب المتقدمة الأولى، أمام الزحف البريطاني أولا، ثم الصهيوني لاحقا، وقبله الفرنسي النابليوني.
اصطحب بن غوريون في رحلته هذه، التي أعادت صحيفة يديعوت احرنوت استذكارها بصور نادرة عنها، زوجته بولا وابنه عاموس، ولكن الأهم عدد من قادة الحركة الصهيونية من بينهم:
*عيزرا مور، الذي عمل في جهاز حراسة المستوطنات اليهودية ابان الانتداب البريطاني، ووظيفته في الرحلة ضابط امن رافق ابرز قادة الحركة الصهيونية في ذلك الوقت.
*دوف يوسف وزوجته جوليدا، دوف (1899-1980) ولد باسم برنارد جوزيف، وهو واحد من النشطاء الصهاينة في كندا خلال الحرب العالمية الاولى، وكان من منظمي المتطوعين في اللواء اليهودي أثناء الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى فلسطين مع اللواء الكندي في عام 1918. درس القانون، وأصبح المستشار القانوني للوكالة اليهودية ابان الانتداب، وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، عمل في مجال تعبئة المتطوعين اليهود في الجيش البريطاني.
*يسرائيل جليل (1911-1986) احد مؤسسي كيبوتس ناعان، ورئيس أركان منظمة الهاجاناة، خلال النكبة، أو حرب التطهير العرقي للفلسطينيين، التي يطلق عليها الإسرائيليون (حرب الاستقلال)، وشارك طوال حياته في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية.
*يوسف افيدار (1906-1995) ولد باسم يوسف روشيل، احد مؤسسي الهاجاناة، واحد قادتها الكبار، وشارك في عمليات هذه المنظمة وأنشطتها، وفي إنشاء التجمعات الاستيطانية والمصانع، وأسس معهد ايالون للأسلحة والصناعة التحويلية خلال الانتداب البريطاني. فقد يده، في اثناء استخدامه لقنبلة يدوية في دورة تدريبية، فحمل لقب (مبتور الأطراف)، زوجته هي الكاتبة يميما تيشرونفيتز-افيدار.
*شارك في الرحلة أيضا: يشارون سغيف، ويعقوب ادير، وليفاندوفسكي، أما دليل الرحلة فهو: يوسف بيرسلافي.
غادرت هذه المجموعة القدس، بقافلة من أربع مركبات، باتجاه بئر السبع، ثم انحدرت نحو منطقة وادي عربة، وصحراء النقب، وصولا إلى أم الرشراش، قرية الصيادين على البحر الأحمر، وواصلوا إلى (قرية) العقبة، وعادوا إلى القدس، عن طريق مصنع الملح، في جبل سدوم، بمحاذاة البحر الميت.
هذه الرحلة، تظهر الان إلى الرأي العام، بفضل ما بدا انه الشخص الأقل أهمية في الحركة الصهيونية آنذاك، من بين المشاركين، وهو ضابط الأمن المرافق: عيزرا مور، فابنة مور هي من كشفت عن هذه الرحلة، وقدمت صورها من البومات العائلة إلى صحيفة يديعوت احرنوت، وفيها يتبين ان قادة الحركة الصهيونية المشاركين في الرحلة، تنكروا باردية عربية محلية في بعض مراحلها على الاقل.
ولا شك أن لهذه الرحلة تأثيرا على فكر بن غوريون، وعلى توسيع حدود دولة إسرائيل الناشئة على نكبة الشعب الفلسطيني، والمقصود تحديدا فيما يتعلق بقضية لم تحسم حتى الان، وهي قرية (أم الرشراش) الصغيرة التي توقف فيها بن غوريون وصحبه، وكان فيها محطة شرطة بريطانية صغيرة، ولا تنقل لنا الصور أقوال بن غوريون، حول أم الرشراش التي وضعها ضمن خططه مؤكدا بحسم "هنا يجب بناء الميناء العبري عندما نقيم دولة إسرائيل، من هنا سندير التجارة بين أسيا وإفريقيا".
ويذكر المؤرخ ايلان بابيه في كتابه الشهير عن التطهير العرقي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني "كانت الجبهة الأخيرة في النقب الجنوبي، الذي وصل إليه الإسرائيليون في تشرين الثاني 1948، طردوا القوات المصرية المتبقية إلى خارج الحدود، وواصلوا التقدم جنوبا حتى وصلوا في آذار 1949، إلى قرية للصيادين بالقرب من البحر الأحمر تدعى أم الرشراس".
في 10 آذار 1949، احتلت أم الرشراش، ولم يكن هناك من يدافع عنها، وفي عام 1952، أعطيت الاسم التوراتي (ايلات)، لتظل خارج أية دعاوى عربية بملكيتها، وقبل 15 عاما تأسست في مصر (الجبهة الشعبية المصرية لاستعادة أم الرشراش)، باعتبارها ارض مصرية، ولكن الموقف الرسمي المصري يناقض ذلك تماما وعبر عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، مشيرا إلى أن أم الرشراش "ليست أرضا مصرية، وفقا لاتفاقيتي عامي 1906 و 1922، وإنما ضمن الأراضي المعطاة للدولة الفلسطينية، وفقا لقرار الأمم المتحدة 181 في نوفمبر عام 1947".
[polldaddy poll=1401012]
في واقع الامر فان هذا هو حال السياسة فبسببها يضيع كل شىء حتي ولو كان
ردحذف