أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 12 فبراير 2020

الصحافة والأدب..!

يُتهم بعض الأدباء، بأنّهم يلجأون إلى الأساليب الصحافية، كليًا، أو جزئيًا في أعمالهم الروائية، وكأن الصحافة، مثلبة، أو فن قليل الاحترام، بالنسبة للأدب على الأقل.
ما لا يعرفه النقاد، بأنَّ المتهمين من الأدباء، يدركون مثالبهم العظيمة تلك، ويقرون بها. مثلاً يقرّ جورج أورويل، في مقال له بعنوان: لماذا أكتب؟ نشر في الجزء الأوَّل من أعماله السياسية والأدبية (صدرت بالعربية بترجمة أسعد الحسين)، بما ضَمّنُه في كتابه عن كتالونيا، الذي يروي تجربته في الحرب الأهلية الأسبانية.
يذكر أورويل: "كتابي عن الحرب الأهلية الأسبانية، الولاء لكاتالونيا، هو كتاب سياسي صريح طبعًا، لكن في جزئه الأساسي كتب في تجرد واحترام للشكل. حاولت بكل جهدي أن أروي الحقيقة كلها دون انتهاك لغرائزي الأدبية، لكن من بين الأشياء الأخرى هناك فصل طويل يغص باقتباسات من الصحف وأشباهها تدافع عن التروتسكيين الذين اتهموا بالتآمر مع فرانكو. من الواضح أن مثل هذا الفصل الذي سيفقد أهميته بعد سنة أو اثنتين عند القارئ العادي، سوف يفقر الكتاب، وقد حاضر بي أحد النقاد الذين احترمهم قائلاً: لماذا وضعت كل هذا الهراء؟ لقد حاولت ما كان يجب أن يكون كتابًا جيدًا إلى كتابة صحفية؟".
يقرّ أورويل إن ما قاله الناقد: "صحيح، لكنني لم أستطع القيام بغير ذلك. صدف أنني عرفت، ما سمح للقلة القليلة في انكلترا أن تعرفه، بأنَّ هناك رجالاً أبرياء اتهموا زورا وبهتانا. لو لم أغضب من ذلك، لما كتبت الكتاب أبدًا".
من الأمثلة الحديثة على مثلبة الصحافة في الأدب العربي، رواية الطنطورية، لرضوى عاشور، التي ضمنتها تحقيقًا صحفيًا منقولاً، عن أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني، ومآله، ويتضمن التحقيق لقاء مع المرحوم سميح شبيب، ابن المركز والذي ترأسه في رام الله.
أقرت رضوى، في إحدى الندوات عن روايتها، باستخدامها الأسلوب الصحفي، وكأنه ذنب، ولكنها قالت، بأنها لم تكن لتفعل غير ذلك، وأوردت بأنها سألت مرّة الراحل يحيى الطاهر عبد الله، لماذا أقحم فلسطين في روايته الطوق والأسورة؟ فأجابها، بأنّه صعب عليه أن يكتب رواية دون أن تكون فلسطين حاضرة فيها.
أعتقد بأن على الروائيين، أن لا يعتذرون، عمّا اقترفوا من صحافة في أدبهم..! أو عن أي من مثالبهم الأخرى.

أمّا أنا فأستعد بشوق، لقراءة المجلد الثاني من أعمال أورويل الأدبية والسياسية..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق