بنى
الخليفة الأموي الوليد الثاني بن يزيد (743م - 744م)، قصره الشتوي، في خربة المفجر
في مدينة أريحا، ولكنَّ، سوء الحظ كان من طالعه، فتهدم القصر، بفعل زلزال، قبل أن
يشغله، ولازمه سوء الحظ هذا، لقرون، فعندما أُعيد اكتشاف القصر، نُسب، خطأ، كما
يرى الآثاريون، إلى الخليفة هشام بن عبد الملك.
نقلت
اللقى الأثرية التي وجدت في خرائب القصر، بما فيها تماثيل الراقصات، وتمثال يعتقد
انه للخليفة نفسه، إلى المتحف الفلسطيني في القدس، الذي سيطرت عليه سلطات الاحتلال
بعد حرب حزيران 1967م.
ولكنَّ
سوء الحظ لا يستمر إلى الأبد، فإذا كان المحتلون ما زالوا يعتقلون الراقصات
الأمويات، فان رجع صدى حركاتهن وأرواحهن، سمع وشوهد في خرائب القصر، في احتفالية
بعنوان (القدس مدينة الأنبياء)، بتنظيم من مؤسسة الكمنجاتي، ودعم جهات عديدة رسمية
وأهلية، فلسطينية، ودولية.
باستخدام
مبدع للإضاءة، افتتحت الاحتفالية، بتذكر قصيد محمود درويش عن القدس، بظهور ملفت
للخطاط جوليان بروطن من فرنسا، وبمصاحبة اوركسترا الكمنجاتي بقيادة رمزي أبو
رضوان، وليشهد المسرح الصغير الذي أُقيم حول نجمة القصر الثمانية، ظهور أكثر من 60
فنان وموسيقي، خلال نحو ساعة ونصف، أخذوا فيها الحضور إلى أجواء مقدسية، وصوفية،
بلغات متعددة.
وأعاد،
كما نوهت مؤسسة الكمنجاتي فخورة، رواة القصص، والموسيقيون، وصانعو الدمى والمسرح،
وحتى الخطّاط بروطن، الاستمتاع بالروحانية والقدسية، والثقافات المتعددة للقدس على
مر العصور.
وسافر
الحضور، وهم في مقاعدهم، بين خرائب الآثار الأموية، كحجاج وزوّار للمدينة المقدسة،
من محاكم المغول الأميرية، والجبال الأفغانية، وسهوب طريق الحرير، قبل الوصول إلى
قصور الأندلس بغرناطة، وشواطئ البحر المتوسط الدافئة".
"كل
هذا سيشكل إمبراطورية من الشعر والجمال السماوي الروحاني"-كما رأت الكمنجاتي
في عرضها، الذي تولى دور الراوي فيه الممثل عامر حليحل، الذي يتقمص شخصية الرحالة
العربية ابن بطوطة، فيمزج بين ما شاهده الرحالة العربي الأسطوري، وواقع القدس الحالي.
وتظهر
الفنانة التونسية غالية بن علي، بردائها الأبيض، أمام النجمة الثمانية، على خلفية
من ألوان متعددة، وهي تعبر حركيا، وغنائيا، عن روح صوفية محلقة عاليا في سماء
أريحا الصافية، الذي بدا قمرها مشعا في ليلة صفاء ربيعية.
وقدمت
فرقة الفردوس من غرناطة في اسبانيا، بالموسيقى، والمدائح النبوية، لقاء بين
عالمين؛ شعر الصوفيين العظماء من الأندلس والعالم العربي.
وصدحت
موسيقى الصحراءـ بأنامل، فرقة ديفانة من اراجستان-الهند، مثل الصخور في الرمال،
حيث جوهر الموسيقى الشعبية والدمج بين الطبيعة والثقافة.
ومن
منغوليا، بدا ايبي، متفردا، بآلته الموسيقية وصوته، الذي أخذ الحضور إلى سهول
منغوليا البرية، وأبهجت فتيات فرقة انجي من أذربيجان الحضور، وتعني كلمة انجي،
الثمينة، وتتكون الفرقة من فتيات يعزفن على القانون، ويظهرن حيوية التقاليد الأذربيجانية
في العاصمة باكو، وثراء هذا التراث، حيث تخالط العناصر التركية والفارسية
والقوقازية فيما يقدمن من موسيقى.
وألقى
ثلاثة موسيقيين إيرانيين، يقيمون في المنفى، نظرة فارسية على خرائب القصر الأموي
وجمهوره، وبعثوا روحا جديدة في الموسيقى الفارسية.
وأظهرت
مجموعة ارحوم البقالي من المغرب، التقاليد الصوفية، للحضرة الشفشاونية، وأطلقت
المؤسسة البقالي على مجموعتها من الفنانات اسم (أخوات الفن الأصيل)، اللواتي أخذن
على عاتقهن، الحفاظ على الموروث الثقافي الفني الذي تزخر به مدينة شفشاون، بالإنشاد،
والإيقاع، والحركة، إضافة إلى الشكل، بإبراز لباس المرأة الشفشاونية.
وصدح
الصوت الأسطوري، للشيخ يحي حسين من تنزانيا، في سماء خرائب القصر الأموي، وأنشد قصائدا
صوفية باللغة العربية، بأسلوبه الخاص، بلمسة افريقية.
وحوَّل
دراويش اسطنبول، المسرح، إلى زمن متحرك، بطقوسهم المولوية، والرقص الكوني الذي ولد
في خيال جلال الدين الرومي، ودار الدراويش دورانهم الروحي، حيث امتدت اليد اليمنى
نحو السماء، واليسرى باتجاه الأرض طريقا للنعمة الإلهية.
أما
سيد آلة الرباب، أستاذ داود خان من أفغانستان، فقدم برفقة عازف الطبلة الايطالي
سيرو مونتاناري، موسيقى آلة الرباب النادرة، والتي يسعى خان للحفاظ عليها.
وأظهر
أربعة موسيقيين فلسطينيين، من فرقة السامر، التقاليد البدوية الفلكلورية، المتعلقة
بالطبيعة، بمزيج من السامر، والحدابة، والدحية.
القدس
التي وحدت الفنانين، من مختلف العالم، فانشدوا وعزفوا ورقصوا لها، أعادت الحياة
للقصر الأموي، بعد قرون من بنائه.