عصفور نصري حجاج..!
في أجواءٍ غرائبية،
تقترب من الكافكاوية، يقدم نصري حجاج، فيلمه الروائي القصير (العصفور-إنتاج
النمساوي كورت ماير)، بكثير من الاقتصاد في الكلام، وانحيازًا لثراء الصورة، في
تجربته الأولى غير الوثائقية.
نصري، صاحب السجل
الحافل في الأفلام الوثائقية، يدرك محاذير أن يكون المخرج هو في الوقت نفسه كاتبا
للسيناريو والقصّة، فهو أصلاً كاتب قصة وصحافي، ترجمت بعض قصصه إلى الانجليزية،
ويخبرنا أن قصة فيلمه تعتمد على قصة حقيقية، وقد يكون في هذه الإشارة الكثير من
المواربة، فالفيلم، يدور في غرفة سجن غير محدد الملامح، يظهر كمدخل واحدة من
القبور الملكية أو العائلية القديمة المنتشرة في فلسطين (وغيرها)، وشخوصه السجين
(الممثل اللبنانيّ حسَّان مراد)، والسجينة (الممثلة السورية ريم علي) وطفلتها
بيسان، والسجَّان، الذي لا يظهر المخرج وجهه، ما يعكس موقفا أخلاقيًا مسبقًا تجاه
آلة القمع العربيّة.
يتقمص حسّان مراد،
دوره في الفيلم، وكأنه يكمل دوره في فيلم شتي يا دني (إنتاج 2011)، ففي هذا الفيلم
هو سجين يظهر من هيئته أنه قضى أعوامًا طويلة فيه مسحوقا مشوها معنويا وجسديا، دون
أمل بالخروج منه، وفي فيلم شتي يا دني، قدم دور سجين لبناني مختطف، هو واحد من
القلة الذين أطلق سراحهم، ليخرج إلى الحرية، ويا لها من حرية.
يطلب السجّان من
السجين، وهو يجرجره معصوب العينين، ويدخله إلى غرفة أخرى من السجن، أن يقوم بدوره،
وعندما يدخل إلى الغرفة، يرى سجينة تحتضن ابنتها التي ولدت في السجن، ولا تعرف
السجينة كم عدد السنوات التي أمضتها فيه قد تكون سبعة أو ثمانية، وتظهر مثله
كامرأة محطمة، ولكننا نكتشف بأن ذلك ليس إلّا ما يطفو على السطح، فهي تواجه محاولة
تقربه منها ومن ابنتها بإرادة واضحة، ولكنها لا تبدي ممانعة، عندما يبدأ السجين
برواية حكاية العصفور للطفلة، التي لا تعرف ماذا يعني عصفور، وماذا تعني كلمة شمس.
نحن إزاء سجين، مهمته
التي أوكلها له السجّان، رواية حكايات، ولكنها حكايات موجهة، ورغم موافقته على هذا
الدور، وهو السجين الذي يتعرض لاهانات والكلمات البذيئة من السجان، إلّا انه يفشل
في مهمته، نجده يتعاطف مع الطفلة ويذرف دمعة تسح على قدمه المشققة بفعل التعذيب.
هل السجين المثقف المدجن، هو رمز لنوع معين من المثقفين العرب؟
يُخرج السجّان، السجين
من الغرفة، ويجره وهو يشتمه، ويسخر من قدرته على القيام بمهمته. الفيلم لا يقول
وإنما يلمح، ويرمز.
ولكن الطفلة، تتعلم
شيئا، في بداية الفيلم نسمع صوتها وهي تعد الأرقام، بدون ترتيب، وفي نهايته نسمع
صوتها وهي تعد، وتذكر بين الأرقام كلمات مثل عصفور، وشمس.
هل نحن في السجن
الصغير، إزاء سجن عربيّ كبير، لا خروج منه ولا فكاك؟
قد لا يكون لدى نصري
حجاج، طموح كبير تجاه الأفلام الروائية، ولكنه في فيله هذا يقدم نفسه، كصاحب رؤية
سينمائية، ننتظر منه الكثير، وربما يكون في جعبته مشروع لفيلم روائي طويل.
**
الصورة: نصري حجاج
ومنتجه النمساوي كورت ماير في بيت لحم (24-12-2018) عدسة نور الدين فنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق