"..ففي
الخامس عشر من ديسمبر 1990، نشرت جريدة النهار المقدسية التي توصف بأنها واسعة
الانتشار حديثا للنبي يقول فيه إن: اليونانيين والفرنجة سوف يتحدون مع مصر في
الصحراء ضد رجل يدعى صادم، وأن أحدا منهم لن يعود".
هذا ما كتبه
برنارد لويس في كتاب (من بابل إلى التراجمة).
يبدو ما ذكره
لويس، معقولاً إلى حد كبير في أجواء القدس عام 1990..!
مع اقتراب
الحرب الأميركية على عراق صدام حسين بعد احتلال الكويت، تزايدت في مدينة القدس مظاهر
الهوس الجماعي، وبعد احتلال الكويت مباشرة، كان يمكن سماع الأغاني الحماسية من
مقاهي المصرارة، التي تبشر النّاس بتحرير صدام لفلسطين بعد أن ينهي مسألة الكويت.
وشملت المظاهر
الجنونية، الصحف والكُتّاب، وكتب مفكر يساري مقالاً اعتبر فيه صدام حسين بسمارك، وعندما
ذكرته قبل سنة أو أكثر بالمقال، عبر عن فخره به، رغم أنه الآن من مشايعي حزب الله
وإيران، وقال انه يلفت انتباه حزب الله، بالكف عن شتم صدام.
ومن بين الصحف
التي ارتفعت لديها وتيرة الهوس صحيفة النهار التي صدرت في القدس بدعم من الأردن،
بعد أن غيرت صحيفة القدس ولاءها، واقتربت من منظمة التحرير الفلسطينية.
راجعت أرشيف
جريدة النهار في شهر ديسمبر الذي يشير إليه لويس، ولكنني لم أقع على الحديث النبوي
المشار إليه.
والانتفاضة الأولى
تنهي عامها الثالث، وتواصل إجراءات الاحتلال في العقاب الجماعي، وارتقاء الشهداء،
كان الموضوع العراقي طاغيا، والنشر عن ذلك خرج عن كل الأطوار، ومن بينها مقال طويل
غريب عجيب، أشد الغرابة، وأشد العجب، لمهندس اسمه إبراهيم الرواشدة، نشر يوم
5-10-1990م، رسم فيه سيناريوهات المنطقة المقبلة، اعتمادًا على ما وصفها أحاديث
منسوبة للنبي، منن بينها:
"..وانه
سيخرج رجل من بين النهرين على مقدمته رجل يقال له "المنصور" تجتمع معه
أصحاب "الرايات السوداء" فيطلبون حقًا لهم من فئة أو حكام مغتصبين لهذا
الحق، فيمنعون من أخذه بل ويقاتلون دونه فينصرهم الله على مغتصبي هذا الحق وتحت
تأثير الهزيمة يرضى المغتصبون بمنحهم هذا الحق ولكنهم يرفضونه ويستمرون في الجهاد
حتى يساعدوا ويمكنوا لتأثر مسلم في الحجاز".
و"المنصور"
أحد ألقاب صدام حسين في عراق تلك الأيام..!
قد يكون هذا
الحديث هو ما أشار إليه برنارد لويس ولكن بطريقة أخرى، ولكنه لم يأخذ بالنصائح
المحقة التي يقدمها للباحثين بالعودة إلى المصادر الأصلية، ولم يكلف باحثا بالنبش
في جريدة النهار للوقوف على الحقيقة.
في كتابه يشير
إلى المصدر الذي أخذ عنه الحديث (Michael Cook)
تصبح تلك الأيام
التي شهدتها القدس، ذكرى بعيدة، وثقت بعضها في دفتر صغير، تحت عنوان (يوميات
الكيماوي) ويرحل لويس وأنا أقرأ كتابه، ورغم الملاحظات على ما كتبه، إلّا أنني صُدمت
عندما قرأت في وسائل إعلام الكترونية تشفيا بموته بعناوين مثل: "إلى جهنم وبئيس
المصير".
لم يتغير الشرق منذ الهوس الذي ضربه وظهرت فيه
آنذاك صور صدام على القمر، وفي الأحاديث النبوية التي تؤلف تحت الطلب..!