عندما كانت القدس، قدسًا، قبل الإغلاق، وقف أميل حبيبي، ليخاطب المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة (من 15-18 آب 1981)، خاتما بعبرة إسرائيلية: "انفخوا في الصور وامنعوه من ان يسحبوه من أيديكم".
عندما كانت القدس، قدسا، قُدس الصحف اليومية، والمثقفين، والنقابات، والنشاط الحزبي، نظمت مؤتمرا أدبيا، افتتحه إميل حبيبي الآتي من حيفا، مستعرضا مواهبه الخطابية: "..وفي الختام لا بأس من ان نتعلم شيئا مما يجري في إسرائيل. ومن الأعراف البرلمانية في إسرائيل ان يقوم أكبر الأعضاء سنا يتولى رياسة الجلسة الأولى للكنيست الجديدة. وحدث، حين كنت عضوا في الكنيست ان كان أكبر الأعضاء سنا عضوا في حزب متدين صغير ومتعصب. فتولى رياسة الجلسة الافتتاحية. وكان من المفروض ان يلقي كلمة متأدبة لا تزيد عن بضع دقائق-كلاما عاما لا يلزمه ولا يلزم غيره. ولكنه أطال في الكلام وشرّق وغرّب. فاستشاط الأعضاء غضبا. وطالبوه بأن يكف. فلم يكف. وصاح في وجوههم: ما دام الصور (النفير) في يدي فسأنفخ في الصور ولن ألقيه! وإذا جاز أن أسدي إليكم نصيحة فإنني أنصحكم بان لا تكفوا عن النفخ في الصور وبان تمنعوهم من ان يسحبوه من ايديكم. انفخوا في الصور!".
اتهم إميل حبيبي، كتاب فلسطين المشاركين في المؤتمر بالوهم، وكنت واحدا منهم فرخ أديب بالكاد نبت زغبه (ما زلت كذلك)، جلس في المقاعد الخلفية في قاعة مدرسة المطران، التي استضافت المهرجان: "وهم الأدب الفلسطيني الأول، وربما الأساس، هو هذا الّذي عبرتم عنه عفويا في اختياركم عنوان هذا المهرجان: المهرجان الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة، فهل تنتظرون أن يأتي بعده الثاني والثالث الخ، في الأرض المحتلة؟".
كنا فعلا، نعيش وهمًا، ففرخ الأديب الّذي كنته وشارك بقصة عنوانها (إن عاد رفاقي من دوني لا تبكي أبدا يا حبيبتي!) كان مستعدا للذهاب للنهاية للانعتاق ومحاربة ليس فقط إسرائيل، وإنما عدة قوى عظمى في العالم (البيان الختامي للمهرجان تتضمن 6 تأكيدات ضد الاستعمار، والامبريالية، والحلول التصفوية، ومشاريع الحكم الذاتي، وكامب ديفيد، و12 واجبا على الكتاب منها محاربة نفوذ الأنظمة الرجعية العربية، وتصفية النفوذ الامبريالي وإلغاء القواعد العسكرية الأجنبية في منطقتنا، وشجب إنتاج أسلحة الدمار الشامل..والخ..والخ".
وتضاءلت كل التأكيدات، الآن، إلى حلم بالحصول على تصريح للوصول إلى القدس، ربما لو كان إميل حبيبي بيننا لخاطب مهرجانا أدبيا، سنفترض انه أُقيم في بيت لحم أو رام الله، لقربهما من القدس: "لقد كانت القدس بين أيدينا، ونحن بين أيديها، أين ذهبت وكيف ابتعدت؟".
نفخ الكتاب في الصور باتجاه بعضهم اكثر مما نفخوا باتجاه الاحتلال، أو حتى اتجاه الأدب، ونفحت تونس المال الحزبي، فشتتت شملهم..
إميل حبيبي بقي في حيفا، وأصبح له الآن ميدان باسمه فيها. حيفا تحتفي بابنها، هديتها الى العالم..!.