سجن نابلس (القشلة)..تاريخ وذكريات شخصية، الذكريات سنتركها لزمن اخر، اما التاريخ، فهو لا يهم احدا، خاصة اذا كان هناك قرار من الاجهزة التنفيذية للسلطة الفلسطينية بهدمه، وتوفر 34 مليون يورو من الدول المانحة لهذه الغاية، كان لدى السلطة فرص مهمة للتعامل مع قضايا الاثار الفلسطينية، ولكن ما حدث ويحدث يدل على ان كل شيء يتوقف على اذا كان هناك قرارا من جهة ما عليا، عندها يتم تجاوز كل القوانين.
قبل سنوات وقفت مع عمر صلاح، مدير دائرة اثار بيت لحم (الذي زهق وتقاعد)، على شرفة مكتبه، لنرى المبنى الحكومي الاثري ينهار (الذي صور فيه بدر وابراهيم لاما فيلمهما الهارب)، رغم مخالفة ذلك لقانون الاثار، قابلت حينها وزير السياحة المغلوب على امره، ولكن قرار عرفات كان قاطعا: اهدموا.
وشيد مكان المبنى مركز ثقافي بتمويل سويدي، وتم ذلك على اثار في غاية الاهمية ليس على المستوى الفلسطيني ولكن العالمي ( لدينا صور عنها).
الان يجري امر مشابه فيما يتعلق بسجن نابلس، مدير دائرة اثار نابلس، يقود حملة معارضة لهدم السجن، وهي حملة هامة، امل ان تثير اهتمام الراي العام المحلي، ولكن كنت اتمنى، ان تبذل دائرة الاثار في نابلس جهدا فيما يتعلق بالاثار الهامة والمهملة كالمقبرة الرومانية الغربية، التي تحولت الى مكب نفايات، ومضمار سباق الخيل، والمدرج الروماني المتهدم الذي يمكن ان يكون الاكبر في الشرق الاوسط، وتل بلاطة (شكيم القديمة الفاتنة)، ولماذا لم نسمع الصوت عاليا عندما سمح لرجل الاعمال الشهير (المرشح ليصبح رئيسا للوزراء) ببناء قصره على قلعة صليبية في جبل جرزيم، واكثر من هذا عمل متحفا شخصيا للاثار التي تم العثور عليها في المكان، واصبح القصر موضوعا لاهتمام صحف ووسائل اعلام عالمية من النيوزيوك الى السي ان ان.
السياسة والنفوذ والفساد فوق القانون في فلسطين، عموما هنا تقرير لرويترز عن الموضوع:
أخلت السلطة الفلسطينية مساء السبت سجن نابلس المركزي الذي يعود بناؤه الى الدولة العثمانية من نزلائه تمهيدا لهدمه رغم معارضة دائرة الاثار العامة.
وقال جمال محسين محافظ نابلس لرويترز يوم الاحد "صدر قرار من مجلس الوزراء بهدم المبنى (السجن المركزي). تم الليلة الماضية نقل السجناء منه الى مكان اخر تم استئجاره الى حين انشاء سجن جديد سيكون ضمن المواصفات الدولية."
وأوضح محسين ان ما يجري من اعمال بناء مكان مقر المحافطة الذي دمره الاسرائيليون خلال سنوات الانتفاضة يهدف الى اقامة مجمع للاجهزة الامنية اضافة الى سجن مركزي ومستشفى عسكري بتمويل من الاتحاد الاوربي يبلغ اربعة وثلاثين مليون يورو. وقد بدأت الاعمال بانشاء السور الخارجي للموقع.
ولم يعط المحافظ موعدا محددا لهدم الجزء المتبقى من مبنى السجن المركزي مكتفيا بالقول "الاليات تعمل في المكان".
يلقى هدم سجن نابلس المركزي الذي يعود تاريخه الى مئة وثلاثة وثلاثين عاما معارضة شديدة من خبراء الاثار وقال حمدان طه مسؤول الاثار العامة في السلطة الوطنية لرويترز يوم الاحد "لم يصلنا اي قرار من مجلس الوزراء واذا صدر هذا القرار فانه مخالف للقانون."
ينص قانون الاثار المعمول به في مناطق السلطة الفلسطينية في احدى مواده على انه "يعتبر اثار أي شيء منقول او غير منقول انشأه أو صنعه أو نقشه أو بناه أو رسمه أو عدله انسان قبل مئة سنة ميلادية من الوقت الحاضر."
ويضيف القانون "يحظر اتلاف الاثار المنقولة أو غير المنقولة أو الحاق الضرر بها."
واضاف حمدان "قدمنا (دائرة الاثار العامة) تصورا شاملا للحفاظ على المبنى كجزء من التاريخ وان هدمه يعني ازالة جزء من الذاكرة الفلسطينية."
يعتبر مبنى سجن نابلس المركزي الذي يطلق عليه اسم (القشلة) الوحيد المتبقي كنموذج للبناء العسكري خلال الفترة العثمانية وكانت اجزاء منه تعرضت للهدم خلال الاجتياحات الاسرائيلية للمدينة في الانتفاضة الثانية والمستخدم حاليا كسجن من قبل السلطة الفلسطينية.
وقال ضرغام الفارس مسؤول دائرة الاثار في نابلس "بقي من المبنى الذي شيد بين عامي 1872 و1876 في عهد السلطان عبد العزيز خان ابن السلطان محمود الثاني 13 غرفة بمساحة 1600 متر مربع".
وأضاف "هذا المبنى شاهد على تاريخين.. التاريخ العثماني في هذه المنطقة وعلى جرائم الاحتلال الاسرائيلي ضد الابنية التاريخية الفلسطينية عندما هدم اجزاء منه في الانتفاضة الثانية. وقد شيد على نفقة اهالي نابلس الذين ضاقوا ذرعا بالجنود العثمانيين الذين كانوا يقيمون داخل المدينة."
وتابع "الاهالي شكلوا لجنة لجمع التبرعات ومن لم يكن قادرا على دفع التبرعات كان يعمل بنفسه في البناء وقام المهندس الحربي نور بك بوضع تصميم البناء والاشراف عليه".
وقالت خلود دعيبس وزيرة السياحة والاثار في الحكومة الفلسطينية لرويترز ان وزارتها "قدمت مجموعة من الاقتراحات لمجلس الوزراء للحفاظ على هذا المبنى ليس لاهميته كبناء معماري فقط بل لانه جزء من الذاكرة الفلسطينية."
واضافت "انني ضد هدم هذا المبنى واذا كنا نحن كجهة رسمية نقوم بهدم المباني التاريخية فكيف نطلب من الناس المحافظة على المباني التاريخية."
وترى دعيبس انه بالامكان الحفاظ على المبنى القديم ودمجه مع المباني الحديثة وقالت "نحن على اتم الاستعداد للمساهمة من خلال مهندسينا على وضع تصور شامل لدمج المبنى المتبقي من السجن مع المباني الحديثة ليكون متحفا او شاهدا على الذاكرة الفلسطينية."
وتسعى السلطة الفلسطينية الى ادراج مدينة نابلس على لائحة التراث العالمي. وقال طه "المدينة (نابلس) موضوعة على اللائحة التمهيدية من اجل وضعها على لائحة التراث العالمي لما تضمه من مواقع أثرية مرتبطة بروايات تاريخية ودينية ومنها البلدة القديمة في نابلس وجبل جرزيم وبلدة سبسطية وغيرها من المواقع".
وهنا جزء من تقرير عن سجن نابلس نشرته وكالة معا الفلسطينية:
اصدرت دائرة الاثار في نابلس نشرة توعوية حول سجن نابلس قالت فيه: على مدخل "القشلة " سجن نابلس -الذي دمره الاحتلال- في الجدار الشمالي للمبنى وعلى ارتفاع 4 م نقش على لوحة حجرية بخط فارسي عثماني جاء فيه: الغازي عبد العزيز خان بن محمود الثاني المظفر دائما سنة 1292 نصر من الله وفتح قريب.
كما ضم النقش ثلاثة أبيات شعرية وهي:
بالمعالي أنشات قشلة من ذوي الثروة والمكرمة
خدمة منهم لسلطانهم صاحب الصولة والمرحمة
شكرهم اذهم عبيد له أرخوه بهذه التقدمه
وقد استخدم نظام "حساب الجمل" في توثيق تاريخ إنشاء المبنى، وهي طريقة قديمة استخدمها العرب قبل الإسلام، وتستخدم لتسجيل التواريخ والأرقام باستخدام الحروف الأبجدية، بحيث يرمز كل حرف لرقم معين، ومن خلال تشكيلة الحروف ومجموعها يتم التوصل إلى التاريخ المقصود.
وفي الأبيات الشعرية الثلاثة المنقوشة على مدخل القشلة استخدمت كلمتي (بهذه التقدمة) في عجز البيت الأخير لتدل على تاريخ إنشاء المبنى، وأحرف كلمة بهذه (2+5+700+5) = 712، وكلمة التقدمة (1+30+400+100+4+40+5)= 580. 712+580=1292. وهو التاريخ الهجري للانتهاء من بناء "القشلة".