أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 28 فبراير 2024

القدس بعيني طفل/ علاء الدين شهاب


 


على الرغم من أنني لا أميل كثيراً إلى التوثيق الجمعي في الكتابة الروائية، إلّا أنّي لا أملك إلّا أن أشيد ببراعة العيسة في هذا النوع من الكتابات، فروايته الأخيرة الصادرة عن دار المتوسط، كانت توثيقاً مكانياً وزمانياً للقدس العاصمة والعاصفة بالأحداث والتغييرات على مدى أجيال كثيرة متعاقبة، وقد برع العيسة في الجمع بين عنصر التوثيق وجمال السرد في الوقت ذاته، وإن كان الجانب التوثيقي برأيي طاغياً على الجانب الآخر، حتى كأنك أمام أكوام هائلة من الوثائق الدقيقة المتعلقة بالمدينة الخالدة، وأرشيفات مهمة لجميع مايتعلق بها من مساجد وكنائس ومتاحف وقصور وحارات ومقاهي وغيرها.. ثُمّ إنّ تكنيك المركبة التي يتنقّل بها الطفل كافل برفقة أبيه ماهي إلّا عدسة لاقطة وكاميرا متنقلة تجوس المكان الفسيح والزمان العميق الغائر، كما أنّ أسلوب أسئلة الأطفال الملحّة التي تثير الأعجاب مرة وتبعث بالملل مرات أخرى، وأجوبة الآباء المفصّلة تارة لإشباع نهم أطفالهم والمبتورة تارة أخرى بحسب مايقتضيه حال الطفل ووعيه وإدراكه يقلل بشكل كبير ومريح من عبء المعلومة وملل الأخبار وثقل الوثائق المجردة، ويعطي للحكاية صفة التشويق والمقبولية، وهذا برأيي يُحسَب للكاتب وتضاف لموهبته، فكأنّ القرّاء كلهم قد صاروا الطفل كافل الذي يبحث عن أجوبة مُقْنِعة لما يدور من ظلم وعدوان وتزييف للحقائق، وكأنّ الأب يجيب هنا نيابة عن المكان والزمان الغائرين في التاريخ والضاربين في العمق والقدم.

لا شكّ أنّ المرحلة التي نمرّ بها اليوم من تحريف للحقائق وتزييف إعلامي مهول لكلّ ماهو تاريخي وإنساني تتطلب التوثيق وتستدعيه، لذا فالعمل مهم جداً إذا نظرنا إلى المسألة من هذه الزاوية تحديداً، وإن كان قد طغى - ربما - على التقنيات السردية التي عهدناها في الأعمال الكبيرة.

ما زلت في النصف الثاني من الحكاية، لذا فإنّ الحكم النهائي يبقى عالقاً، لكن ماهو واضح وجليّ هو انعكاس صفة السرد الأخباري الصحفي على فصول العمل والابتعاد عن الجانب التخييلي المحلِّق، ممّا جعله يرفرف في فضاء سردي محدود ويراوح في منزلة بين منزلتين..

وما زلت أتساءل هل سينجح في النصف الثاني من الرواية بنقلنا من سماء السرد الأولى إلى سمائه السابعة؟

#علاء_الدين_شهاب

#سماء_القدس_السابعة

#بغداد

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق