قبل نحو أسبوعين،
سألت حسن، عن أبو شريف، قال: أبو شريف لم يعد كما كان.
حسن ابن صفي، وابن
أبو شريف، أحد أكثر رموز مخيم الدهيشة، تقديرًا واحترامًا، وعندما التقي حسن،
أسأله دائمًا، عن أبو شريف، وتكون اجابته دائمًا إنه في صحة جيدة.
رحل عبد القادر حسن
منجد اللحام (أبو شريف)، أحد أشهر المعمرين الفلسطينيين، يوم أمس، عن أكثر من قرن،
عاش في مخيم الدهيشة، منذ تشرده من قرية بيت عطاب، في عرقوب القدس، وعاش معاناة
اللاجئين في النكبة الأولى، النكبة الثاني، والنكبات التي لم تَعد تُعد.
عاصر أبو شريف عدة
سلطات مرت على فلسطين، كما كان يقول وهي: تركيا، والانتداب البريطاني، والحكم
المصري (في جنوب فلسطين)، والحكم الأردني، ثم الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة
الوطنية الفلسطينية.
وكان يمازح أبناء
المخيم قائلاً: "أنتم بصلتكم محروقة، تريدون انجاز التحرير بسرعة، انظروا إليَّ
كم سلطة أو احتلال اختبرت، وما زلت صامدًا، وصابرًا".
تميز أبو شريف بدماثة
الأخلاق، واستقبل في منزله، خلال العقود الأخيرة عددًا كبيرًا من طلبة العلم
والباحثين، وصانعي الأفلام ليروي لهم تجربته، ومعاناة شعبنا. وتحوّل إلى مصدر مهم
للتاريخ الشفوي، واعتبر ذاكرة شعبنا الحية. زرته رفقة الشيخ عبّاس النمر، والباحث
الراحل مصطفى عثمان. طوّر في سنواته الأخيرة، ميثولوجيا جميلة عن القدس، وما
حولها.
أنجز حفيده هشام،
أفلامًا توثيقية عن جده، معتبرًا مثل آخرين، أبو شريف كنزًا. وتمكّن قبل سنوات
قليلة، من التسلل إلى قرية بيت عطاب، واتصل مع جده، الذي تحوّل إلى دليل له، عبر
الهاتف، وبقي معه حتى أوصله إلى شجرة التين العزيزة على قلب الجد، التي زرعها قبل
النكبة الأولى (هل هي الأولى فعلاً؟)
احتفلت مؤسسة إبداع
في مخيم الدهيشة في شهر آب الماضي، بإضاءة شمعة المئة عام لأبي شريف، في احتفال
حميم.
رحل أبو شريف، وهو
يهجس بالعودة، وطوبغرافية قريته، وكان يتذكر كل شجرة زرعها في القرية، وأنذر إذا
تحررت فلسطين، وتحقق حلم العودة أن يعود مشيًا على الأقدام إلى قريته، واعتبر
فلسطين قلب العالم العربي، أمّا القدس فهي بالنسبة له، قلب العالم. الغريب أن
تجربته المريرة مع العرب ومع العالم، لم تغيّر رأيه هذا.