كلما لاحت قمة
من جبل (المحفور) وابتهج رفاق الصعود الذي يقودهم شكوت ريّان (28) عاما ابن قرية
قراوة بني حسان، في محافظة سلفيت، لاحت قمة أخرى، حتى بدا ان صعود المجموعة التي
هدها التعب بعد يوم طويل في البراري الفلسطينية، مجرد أمل مخاتل، مع اقتراب غروب
شمس ذلك اليوم.
ريّان المهتم
بتاريخ بلدته، دعا مجموعة من المهتمين، من بينهم مراسلنا، لكي يكشف لهم عن مغارة
اسمها مغارة الشياطين، قال ان عدد الذي يعرفونها الان، لا يتجاوز أصابع اليد
الواحدة من أبناء قريته، وكان معنيا القاء المزيد من الضوء عليها إعلاميا وهي من
المغر التي يوجد مثلها في فلسطين، ولعل اشهرها ما يُطلق عليها الإسرائيليون مغارة
الشموع، التي تبعد 17 كلم إلى الغرب من بيت لحم، في الأراضي المحتلة عام 1948،
وحولتها حكومة الاحتلال إلى حديقة وطنية، ويسمونها أيضا مغارة (سوريك)، نسبة إلى
وادي الصرار، الذي يطلق عليه الاسرائيليون (وادي سوريك)، أمّا النموذج الأشهر
عربيا، لمثل هذه المغر، فهو مغارة جعيتا اللبنانية.
الصور التي
زود ريّان بها أصدقاءه، كانت مثيرة بجمالها، ولكنها أيضا أثارت عماد الأطرش مدير
جمعية الحياة البرية في فلسطين، لأنها تظهر ان تخريبا متعمدا تتعرض له المغارة.
عندما وصل
ريّان إلى قمة الجبل، وقف أمام ما قال بانها فوهة بركانية يسميها الأهالي
(المحفور) والتي أعطت الجبل اسمه، وهي تجويف ضخم، وشرح: "يعتقد أهالي القرية
بان المحفور فوهة بركانية خامدة، ولقد زارها اساتذة في الجغرافيا من جامعات
فلسطينية، بطلب من طلابهم من ابناء القرية، واكدوا علاقة الحفرة بالبراكين، من
خلال رواسب وجدوها على الصخور، ولكن لا شك ان الامر يحتاج إلى مزيد من
الدراسة".
فرحة الوصول
إلى قمة الجبل، التي تشكل جزءا من أرض ممتدة، عكره، عدم استدلال ريّان على
المغارة، رغم انه دخلها قبل فترة وجيزة مع اصدقائه-كما قال.
من هذا
الموقع، تظهر عدة مستوطنات يهودية، إحداها لا تبعد اكثر من نصف كلم، ومبنية على
طراز المنازل العربية، ولكنها تبدو أكثر تنظيما، ويبدو من الاشارات التي وضعتها
سلطة الطبيعة الإسرائيلية، ان ثمة مسارات مشي متعددة في المنطقة الخلابة، بجمالها
وبتنوعها النباتي الذي جعل عماد الأطرش ان يكون الأكثر بطئا في الصعود وهو يلتقط
الصور لكل نبتة يراها، وبعضها من النباتات النادرة.
قال ريّان،
بانه يتم الاستدلال على المغارة من 3 أشجار خروب، ورغم الوصول إلى هذه الأشجار،
إلا ان البحث لمدة نصف ساعة عن باب المغارة لم يجد، فاتصل ريّان، بأحد الذين
يعرفونها، الذي أعطى "الإحداثيات" بناءا على أشجار الخروب.
وعندما وقف
ريّان، أمام فتحة صغيرة، لا يمكن ان تلفت احدا، اقتنع رفاقه فعلا بصعوبة الاستدلال
عليها، وكان لا بد ان يكون هناك شخص ما خارج المغارة، لان أي سقوط لحجر مجاور
للفتحة، يمكنه ان يغلقها بسهولة، وسيعاني من بداخلها الكثير قبل ان تصلهم النجدة،
هذا إذا وصلت. تبرع المصور الصحافي أيمن النوباني بحراسة باب المغارة، ولكن اصوات
زملائه المندهشة في الداخل، جعلته يدخل، تاركا الامور لقضاء الله.
الدخول إلى
المغارة يتم زحفا على الظهر، لنحو 3 أمتار، حتى يقف المرء ويجد نفسه في عالم اخر
مظلم، وبالاستعانة بإضاءة قوية، تظهر صخور وردية، ومنافذ، وأشكال جميلة، تكوّنت
عبر زمن لا يمكن تحديده، من نقاط المياه، والذي يطلق عليها العلماء الأعمدة
الهابطة والصاعدة.
يقول الأطرش:
"نحتاج إلى العودة إلى ملايين السنين الماضية، حتى نستوعب كيف تكونت هذه
الأشكال البديعة، الحجر الكلسي يذوب ببطء شديد في ماء المطر لأنه مشبع بثاني اكسيد
الكربون وهذا الذوبان البطيء الذي يستغرق
ملايين السنين بل البلايين يؤدي في النهاية إلى تكوين الكهوف الجيرية، التي نستمتع
بأشكالها الجميلة والغريبة".
تتكون المغارة
من أربع غرف، متنوعة الأشكال، ومثيرة بما تحتويه، ولكن تظهر بعض الاعتداءات عليها،
حيث تم قص أعمدة ونقلها إلى المنازل، كما أفاد ريّان، رغم قلة من يعرف موقع
المغارة. بالإضافة الى كتابة شعارات لتنظيمات فلسطينية.
يقول ريّان:
"الذين كانوا يقصون الأعمدة، أصبحوا الان كبارا في السن، لا يستطيعون القدوم
إلى هنا، ومن يعرفها الان فقط أربعة أو خمسة شبان".
بعد الغرفة
الرابعة، لم تتم أية عملية استكشاف للمغارة، حيث تظهر بئر طبيعية، يبدو انها ننتهي
في خزان مياه جوفية.
وحول تعرفه
على المغارة يقول ريّان: "من عرفني عليها خالي نعيم سلوم، وهو استاذ لغة
انجليزية متقاعد، وعلمت ان اوّل من اكتشفها، فلاح كان معزب في منطقة اثرية اسمها
خربة شحادة، وكان يضع في المنطقة مصائد للنيص (الشهيم)، ومرة فرّ نيص عبر فتحة،
فقرر الدخول خلفه، ليرى عجائب الطبيعة، موقع المغارة، والرهبة التي حولها، واسمها
الذي لا أعرف من أين اتى (مغارة الشياطين) تجعل الناس لا تفكر بالبحث عنها أو
الدخول إليها".
ورغم ان
المستوطنين اليهود، يأتون بشكل دائم، إلى المنطقة، الا انهم، حسب ريّان لا يعرفون
عنها شيئا، داعيا الجهات الفلسطينية المختصة الاهتمام بها والعمل على حمايتها، قبل
ان يصلها الإسرائيليون.
عماد الأطرش،
اعتبر ان هذه المغارة، رغم عمرها الطويل، ما زالت بكرا: "انها ما زالت تتكون،
نقاط الماء تتساقط من سقفها، التخريب فيها ليس كبيرا، عمرها حسب تقديري الاولي ما
بين 10-15 مليون عام".
وبالإضافة إلى
هذه المغارة، هناك مغارة هربة باطن الحمام في بيت ليد، التي يقدر الأطرش عمرها
بأكثر من 40 مليون سنة، ولكنها تعرضت وتتعرض للتخريب، ومغارة كلزون في عابود، والتي
يقدر عمرها ما بين 20-30 سنة، والتي تعرضت وتتعرض للتخريب أيضا.
يعتقد الأطرش،
ان الاهتمام بهذه المغر الثلاث من شأنه ان يشجع السياحة إليها من مختلف المناطق
الفلسطينية، ويرى بانه لا بد ان يهتم جيولوجيو فلسطين بهذه المغر، لتقديم مسح علمي
عنها.