أحباش فلسطين لوّنوا ميلاد بيت لحم

تمكنت طائفة الأحباش الأرثوذكس الصغيرة والمهمشة، ومجموعات افريقية اخرى، من ترك بصمتها يوم امس على مدينة بيت لحم، التي احتفلت بعيد الميلاد حسب التقويم الشرقي.

وتجمع ليلة امس في ساحة المهد، التي أُلغيت فيها الاحتفالات الشعبية بعيد الميلاد، لسبب غير مفهوم، المئات من الافارقة الارثوذكس، وألقى واعظ شاب من ارتيريا، كلمة دينية للمتجمعين والمتجمعات بلباسهم الابيض. المنتشين بوجودهم في المدينة المقدسة، قبل ان ينتشروا في الساحة، على شكل مجموعات.
وعلق مواطنون، بان بيت لحم نامت ليلة امس وهي افريقية، بعد ان اختتمت الاحتفالات النهارية بما يطلق عليه "فاكهة الميلاد" وهي الاحتفالات المميزة التي ينظمها أبناء طائفة الأحباش، على شكل عروض مستوحاة من الفلكلور الأفريقي، تتضمن رقصات وقرع طبول كبيرة. لمطرانهم لدى وصوله مدينة بيت لحم قادما من القدس.
ويحتفل أبناء طائفة الأحباش الأرثوذكس في فلسطين، بعيد الميلاد، على طريقتهم، في مبنى صغير يفصله عن كنيسة المهد، شارع صغير، عرضه اقل من ثلاثة أمتار، ولكنهم لا يحق لهم إقامة الاحتفال بعيد الميلاد داخل هذه الكنيسة المهمة للعالم المسيحي، التي تقتصر فيها الاحتفالات على الطوائف الرئيسية.
وتجمع في المبنى الذي يقع في بلدة بيت لحم القديمة، عشرات من الرجال والنساء، معظمهم يرتدي الألبسة البيضاء، لإقامة قداديس خاصة بمناسبة عيد الميلاد، ولا يوجد لهذه الطائفة التي تعتبر غامضة نسبيا لكثير من الفلسطينيين، مكانا في كنيسة المهد، ولا يتضمن البرتوكول، السماح لمطران الأحباش الدخول إلى كنيسة المهد.
ويتخذ بعض المسيحيين موقفا متشددا من هذه الطائفة، يصل إلى حد العداء، مثل الأقباط الأرثوذكس، الذين يتهمونهم بالسيطرة على دير السلطان فوق سطح كنيسة القيامة بالقدس، عام 1970، المملوك للأقباط، ومكنهم الدعم الإسرائيلي باستمرار السيطرة على هذا الدير، الذي هو في واقع الأمر عبارة عن غرف متداعية، لا يجرؤ أحد على ترميمها بسبب النزاع على المكان.
وفشل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، في الحصول على مساعدتها لإعادة دير السلطان للأقباط، ويضع البابا شنودة، بابا الأقباط شرطا للسماح لأفراد رعيته زيارة إسرائيل، بإعادة دير السلطان إلى أصحابه الأقباط، ويفرض على من يزور القدس من اتباعه حرمانا دينيا.
وتدفق يوم امس مئات من الأحباش إلى بيت لحم، للمشاركة في إحياء عيد الميلاد، وكثير من هؤلاء يتحدثون اللغة العبرية، وهم، على الأغلب، ممن هاجروا إلى إسرائيل من أثيوبيا، بصفتهم من طائفة الفلاشا اليهودية، وتطرح مشاركتهم في قداديس مسيحية، أسئلة عن حقيقة هويتهم الدينية.
ورفض هؤلاء الحديث مع مراسلنا، وتجنبوا التقاط صور لهم، ووقفوا خارج المكان الذي تجرى فيه الاحتفالات الدينية يراقبون، ويستقبلون زوار آخرين بحفاوة بالغة، وكأنهم يعرفونه منذ زمن بعيد، في فترة وجودهم في أثيوبيا.
وأقيمت القداديس في ثلاث غرفة مفتوحة على بعضها البعض، مبنية وفقا للعمارة المملوكية الإسلامية، مثلما هو حال البنايات القديمة المجاورة التي يسكنها المواطنون الفلسطينيون، ووقف الرجال في المقدمة، بينما خصصت الأقسام الخلفية للنساء، اللواتي ادن صلواتهن بأردية بيضاء تغطي كامل أجسادهن، شبيهة بالتي تلبسها فئات من المسلمات المتدينات.
وارتدى كثير من الرجال المصلين، خصوصا من كبار السن أيضا أردية بيضاء، وهم يرددوا الصلوات بلغتهم، وانشغل آخرون في المطبخ الملحق بالكنيسة بإعداد الطعام للمصلين، وكأنهم في احتفال عائلي.
ومع تقدم الليل تواصل توافد الأحباش، لحضور القداديس، واللقاء مع أفراد الطائفة، وفي ساعات الفجر، بدأوا المغادرة، ويعتقد أن كثيرا منهم سيعود من حيث أتى إلى مناطق إسرائيلية، حيث يعيشون كيهود.
ويعتقد بعض الباحثين، بان الوجود الصغير لطائفة الأحباش الأرثوذكس في فلسطين، لا يتناسب، مع تواجدهم التاريخي في الأراضي المقدسة، ويشير مؤرخون إلى أن وجود الأحباش كرهبان وحجاج في فلسطين يرجع إلى القرون المسيحية الأولى.
ويقول حنا عيسى ملك، وهو مؤرخ للطوائف المسيحية في الأراضي المقدسة بان الأحباش: "عاشوا في فلسطين كجماعات من الرهبان من العصر الصليبي، ولكن لم يكن لديهم أسقف وأقاموا صلواتهم إلى جانب الطوائف الأخرى في كنيسة القيامة والأماكن المقدسة الأخرى".
ويشير ملك بأنه: "كان للأباطرة الأحباش علاقة وثيقة مع رهبانهم في فلسطين، فمن خلال موقعهم بالقدس لعبوا دور الوسيط بين بلادهم وأوروبا، وبلغ أوج ازدهارهم في فلسطين في القرن الرابع عشر".
وفي العصر العثماني، تعرض وجودهم إلى نكسة ما زالت مؤثرة حتى اليوم، ويقول ملك عن ذلك: "في العصر العثماني فقدوا ممتلكاتهم في الأماكن المقدسة بسبب عجزهم تقديم المال والرشاوي للحكام الأتراك العثمانيين، وفي عام 1678 اختفى الأحباش كليا من الأماكن المقدسة ولم تساندهم حكومتهم لان العلاقات لم تكن حسنة بين الأحباش والعثمانيين، الذين ساندوا الأرمن واليونان في الأماكن المقدسة على حساب الأحباش".
ويضيف: "وفي القرن التاسع عشر قدر عددهم بعشرين راهبا وحاول الأحباش الاستنجاد بكل من القنصلية الروسية تارة وبالقنصلية البريطانية تارة أخرى، وكان وضعهم صعبا للغاية".
وتحسن وضع الأحباش مع نهاية القرن التاسع عشر وذلك بفضل مساعدتهم من قبل ملوك الحبشة، وأدى ذلك لشرائهم أملاكا في القدس واريحا وبيت لحم، وعزز من وجودهم، فتح القنصلية الحبشية في القدس عام 1920، والتي رعت شؤونهم: "وتولى دير الأرمن الأرثوذكس الإنفاق على معيشة رهبان الأحباش وقدم لهم المعونات المالية والغذائية الممكنة" كما يقول ملك.
وتعيش جالية حبشية صغيرة في القدس، وزاد من عزلة هذه الجالية الخلاف على دير السلطان مع الأقباط، الذين يحظون بالتعاطف والتأييد من قبل المجتمع المحلي، الذين يعيشون فيه كجزء من النسيج الفلسطيني، بينما يستقوي الأحباش بالإسرائيليين لاستمرار سيطرتهم على الدير مثار الخلاف.