أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 7 نوفمبر 2007

لغة الأسرى اليومية في السجون الإسرائيلية

انضم اخيرا إلى القائمة التي يطلق عليها الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال اسم «شهداء الحركة الأسيرة»، شابا جديدا، هو محمد الأشقر، الذي قال زملاؤه في سجن النقب، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي الخاصة أعدمته وهو مكبل اليدين، بعد اقتحامها للسجن، بينما أصيب نحو 250 من زملائه بجروح. وأعادت وفاة الأشقر، للشارع الفلسطيني، بعضاً من حيويته التي يفتقدها، فتحرك نصرة للأسرى في السجون الإسرائيلية، والتي كانت طوال سنوات المكان الذي «تخرج» منه عشرات من الشعراء، والكتاب، والصحافيين، والمترجمين. ويوجد الآن نحو 11 ألف أسير في السجون الإسرائيلية، وهو عدد كبير جدا قياساً إلى عدد سكان الضفة والقطاع الذي يقل عن 3 ملايين نسمة. ولا يمكن الزعم، لأسباب كثيرة، بأن الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية، ما زالت تلعب نفس الدور الثقافي الذي لعبته في السابق، وباقتدار عجيب، بعد أن اثر عليها، ما يصفه البعض، بالتشويهات العميقة التي أصابت الجسم الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو. ومثلما تشكل أي مجموعة مهنية أو اجتماعية لغتها الخاصة وتبتكر ألفاظها، التي تفتن علماء اللغة بدلالاتها ورموزها، حدث الشيء نفسه بالنسبة للأسرى في السجون الإسرائيلية. وخلال 40 عاما من تجربة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، طوّر هؤلاء مفردات خاصة بهم يتم تداولها بشكل كبير داخل السجون حتى أصبحت لغتهم الخاصة بهم. ويقول الباحث عيسى قراقع «واقع الأسرى يمثل حالة اجتماعية وسياسية فريدة، أفرزت منظومة من التعبيرات والمفردات التي اكتسبت خصوصية ذلك الواقع الصعب والمعقد». * الإكس ورصد قراقع، وهو نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، مقرر للجنة الأسرى فيه، هذه المفردات وتحدث لـ «الشرق الأوسط»، عن أبرزها، ومن بينها مثلا «الافرادة». وهي كلمة عبرية تعني الفصل أو العزل الانفرادي، وهي تطلق على «الاكس» التي يوضع فيها الأسير المعزول. ولكن ما هي «الإكس» هذه؟ يقول قراقع الذي أمضى عدة سنوات في السجون: «الاكس» مفردة تطلق على الزنزانة الصغيرة التي يوضع فيها الأسير، اما للعقاب أو التحقيق. وهي صغيرة الحجم ولا تتسع لأكثر من أسير، وتخلو «الاكس» من مرحاض، ويوضع فيها أحيانا تنكة لقضاء الحاجة، وبعض «الاكسات» وخاصة التي تستخدم للتحقيق يوجد فيها مرابط حديدية لتقييد أيدي وأرجل الأسير». ويميز الأسرى بين «الاكس» و«الزنزانة». فالثانية كما يصفها قراقع «حجيرة صغيرة مظلمة وقذرة، تنبعث منها رائحة كريهة وترتفع فيها الرطوبة، وتمتاز بالبرد الشديد شتاء والحر الشديد صيفا، جدرانها صماء. وقد تحتوي على نافذة صغيرة جدا تسمح بنور ضعيف، وقد تكون مظلمة تماما. ولا تحتوي الزنزانة على أي نوع من المرافق، فلا ماء فيها ولا مرحاض، وباب الزنزانة مكون من الحديد المصفح ومغلق بقفل كبير». وقد يجد الأسير في الزنزانة برشا، والمستخدم أيضا في غرف السجن، و«البرش» تعبير كثير الاستخدام لدى الأسرى وهو «لفظة تطلق على الفرشة التي تعطى للأسير بقصد استخدامها للنوم، وهي في العادة عبارة عن قطعة إسفنج مغطاة بثوب من القماش الرقيق». * وما أدراك ما «الشبح» ولكن قبل أن يحصل الأسير على البرش «ويتمتع بدفئه»، فانه يمر في ظروف صعبة من التعذيب، ومن اشهرها ما يطلق عليه الأسرى «الشبح». وهو كما يقول قراقع «عبارة عن تقييد يدي المعتقل بماسورة أو مربط في حائط بحيث يبقى المعتقل واقفا ولا يستطيع حراكا سوى نقل ثقل جسده من رجل إلى أخرى. فالأسير لا يستطيع تحريك يديه ولا يستطيع النوم أو الذهاب إلى الحمام أو الجلوس، ويوضع على رأسه كيس خيش قذر، رائحته نتنة، وأحيانا يوضع كيس إضافي، ولا يوجد وقت محدد لمدة الشبح، وتعتمد على تقدير رجل المخابرات الذي يحقق مع المعتقل». ويشير قراقع إلى نوع آخر من الشبح الذي يتم «بتقييد أيدي الأسير على كرسي من الخلف وأيضا تقييد رجليه وتغطية رأسه». وينتشر لفظ بين الأسرى هو «العروم». وهي كلمة عبرية تطلق على تفتيش الأسير وهو عار أو شبه عار من الملابس ويعتبره الأسرى من أبشع أنواع التفتيش لما فيه من امتهان لكرامتهم. وعندما يخوض الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام، تظهر مفردات خاصة اشهرها «الزوندة». وهو يطلق كما يقول قراقع «على أنبوب التغذية الصناعية المطاطي الذي من خلاله يتم إدخال الغذاء السائل من حليب أو غيره إلى المعدة مباشرة ودون المرور بالفم». ويتم استخدام هذا الأسلوب بعد أن تمضي على إضراب الأسرى أسابيع، والخطورة فيه أن الممرض أو الطبيب الذي يشرف على إدخال الأنبوب أو يدخله بنفسه، يتعمد عندما يخرجه جرح المعدة وإيذاء الأسير. وتتم العملية بينما الأسير يقاوم ويرفض لأنه مصر على الإضراب. وسقط عدد من الأسرى في أثناء هذه العملية، قتلى، واصبحوا رموزا للحركة الأسيرة. * كل شيء تمام يتعرض الأسرى الذين انتهى التحقيق معهم، ووضعوا في غرف إلى إجراءات يومية روتينية من بينها «التمام» أو «العدد». ويقول قراقع علي «وهو الإجراء اليومي الذي تقوم به مجموعة من ضباط وحراس السجن، لإحصاء الأسرى بعدهم فردا فردا. ويتراوح عدد المرات لهذه العملية بين 3-5 مرات يوميا تبعا لنوع المنشاة أو السجن أو معسكر الاعتقال». وعندما يبدأ العدد يقف الأسرى صامتين ودون إبداء أي حركة. ويتم عقاب أي منهم بالعزل في «الاكس» إذا تحرك أو ابتسم أو أتى بأية حركة. وهناك نوع آخر من العدد يطلق عليه الأسرى لفظ «التشخيص» ويتم ذلك «بالتدقيق في صورة كل أسير موجودة في بطاقة خاصة لدى شرطة السجن للتأكد من شخصيته. ويجري التشخيص بإلزام الأسرى الوقوف داخل غرفهم أو زنازينهم أو خيامهم. وتحمل البطاقة إضافة إلى الصورة واسم الأسير، اسم التنظيم الذي ينتمي إليه، وإشارات معينة مثل (سجين خطير) أو (محاولة هرب) أو (مرض عقلي). ويتم التشخيص في ساعات المساء وقبل إجراء العدد المسائي». وهناك إجراء مشابه هو «الجرد» ويتم سنويا، حيث توزع إدارة السجن طواقم من رجال الشرطة على أقسام السجن مزودين بملفات إحصاء لكل حاجيات الأسير ولوازمه التي تسلمها من إدارة السجن، وتسجيلها باسمه في ملفه الخاص، ويتم مصادرة أية ملابس أو إغراض زائدة. * عصافير الانفلاش عادة ما يكون الأسرى يقظين لأي اختراق لمجتمعهم من إدارة السجن أو المخابرات، ويتخذون إجراءات أمنية للحيلولة دون ذلك. فيطلقون على العملاء اسم «العصافير»، وعلى من يصبح عميلا «عصفر» أي اصبح «عصفورا». ومنذ سنوات تضع إدارة السجون الإسرائيلية هؤلاء العملاء في غرف خاصة بهم، تحت إشراف المخابرات التي تستخدمهم لإجبار الأسرى على الإدلاء باعترافات. يقول قراقع: «ان غرفة العصافير» هي عبارة عن «غرفة مخصصة للمتعاونين مع الاحتلال، وتكون منفصلة عن سائر غرف المعتقلين في السجن. ولا يسمح للعملاء بالاختلاط بسائر الأسرى أو رؤيتهم، فهم لهم وضعهم الخاص والمنفصل». أما لماذا اختير لفظ عصفور لإطلاقه على العميل؟ يجيب قراقع «يطلق اللفظ على الأسير العميل الذي يكتشف أمره داخل السجن، فيهرب إلى الإدارة كالعصفور الهارب، ويوضع في غرفة العصافير». وعادة ما يتم الهروب عندما يتم «التمام» أو «العدد». فعندما يدخل ضباط السجن لإحصاء الأسرى يفر إليهم الأسير العميل الذي كشفه زملاؤه. ومجتمع الأسرى ليس حساسا فقط اتجاه العملاء، ولكن لأي أسير يبدو عليه انه لا يطبق القواعد التي تعارفوا عليها بينهم، وتتضمن إلزام الأسير بسلوكيات وأخلاقيات معينة، تتناسب مع ما يعتبرها الأسرى، الصفات النضالية الواجب توافرها في الأسير السياسي. ويطلق على الأسرى، الذين لا يلتزمون بتلك القواعد، التي ترسخت، على مدى سنوات وصف «المنفلشين». وهي مشتقة من لفظة الانفلاش. ويشرح قراقع: «الانفلاش تعبير لوصف حالة أو سلوك أسير، يتحلل من التزامات الواقع الجماعي المنظم أو الإطار التنظيمي، ويتصرف وفق أهوائه وميوله الشخصية بعيدا عن روح الجماعة والانضباط بأصول الحياة الجماعية في السجن». * كبسولات وتعاميم ويتخذ الأسرى سلسلة من الإجراءات تنظم حياتهم الجماعية ومن بينها «الجلسة». وهي «تقليد أصيل لدى الأسرى، حيث يجتمعون على شكل حلقات صغيرة داخل الغرف أو الزنازين، لمناقشة مواضيع ثقافية أو سياسية أو حتى أمور داخلية. وهي أشبه بالحصة المدرسية أو المحاضرة الجماعية. وهناك جلسات خاصة لكل تنظيم وجلسات مشتركة، وتمتاز بالالتزام والدقة في مواعيد عقدها». ويستخدم الأسرى أساليب إعلامية للتواصل فيما بينهم. وهناك لفظ يستخدم بكثرة في هذا المجال هو «التعميم». وهو كما يقول قراقع «موقف أو مادة تنظيمية أو سياسية أو ثقافية أو إدارية أو مالية يتم كتابتها في ورقة وتمريرها على غرف المعتقلين كافة، وتحمل اسم التنظيم أو الإطار الذي تنطق باسمه. وهو يمثل ابزر وسائل الاتصال بين قيادة الأسرى وقواعدهم في السجن». ويستخدم الأسرى «الفورة» لتمرير التعاميم. ولكن ما هي هذه «الفورة» التي تعتبر من اكثر الكلمات استخداما في السجون؟ الفورة ببساطة، هو لفظ يطلق على المدة الزمنية التي يسمح بها للأسير بالخروج إلى ساحة السجن للتريض. وعادة ما تكون ساحة صغيرة، والفترة التي يسمح للأسرى بالخروج إليها قصيرة. وعن اصل كلمة الفورة، يقول قراقع: «ان كلمة فورة مشتقة من فار فوارا وفورانا، أي يتحرك الأسير بقصد النشاط والحركة بشكل دائري وفي الغالب من اليمين إلى اليسار». ولأنه عادة ما تكون الساحة صغيرة، فلا يكون هناك مجال للأسير إلا الدوران فيها وكأنه يدور حول نفسه. وهناك أسلوب شائع ومعروف للتواصل بين الأسرى في أقسام السجن المختلفة ومع السجون الأخرى ومع الخارج أيضا. ورغم انه معروف، إلا أن سلطات السجن والمخابرات لم تستطع وضع حد له ويسمى «الكبسولة». وهو لفظ مشتق من الكلمة الإنجليزية (capsule) أي الوعاء البلاستيكي الذي يوضع فيه الدواء ويكون رقيقا ومحكم الإغلاق، ولا يتم هضمه إلا في المعدة، ويصعب فتحه. أما كبسولات الأسرى فهي «أوعية من النايلون الملفوفة جيدا، تغطى بها مادة مكتوبة، والتي عادة ما تكون على ورق شفاف وبخط صغير جدا، ويتم إغلاقها بالتسخين على لهب قداحة. ويتم وضع عنوان المادة المكتوبة على ظهر الكبسولة وتستخدم لنقل المادة المكتوبة من سجن لآخر عبر أسير من هذا السجن إلى ذاك. فيبلع السجين الكبسولة وتدخل معدته، ويخرجها عندما يقضي حاجته، والأمر نفسه مع أسير يتم الإفراج عنه، فيبلع كبسولة هو الآخر». وتلعب الكبسولات دورا مهما، للتواصل ونقل المعلومات بين الأسرى داخل السجون، ومع تنظيماتهم وقياداتهم في الخارج. ويتم نقل الأسير من سجن لآخر بواسطة «البوسطة»، وهي «سيارة نقل الأسرى التابعة لإدارة السجون. وغالبا ما تكون عبارة عن مركبة كبيرة، لا يوجد فيها سوى فتحات صغيرة جدا. وتشبه المركبة خزانا مغلقا لنقل الأسرى، الذين يتحملون أبشع أنواع الإذلال والعقاب والضرر الصحي، حيث تكون مملوءة بالأوساخ وتنبعث منها الروائح الكريهة. وهناك مركبات صغيرة تسمى «الترانزيت» تستخدم في حالات خاصة لنقل عدد من الأسرى. ويشرف على البوسطة شرطة خاصة تسمى «فرقة البوسطة» يمتازون بمعاملتهم الفظة للأسرى المنقولين». ولا يمكن أن يقدر بؤس وقسوة تلك المعاملة إلا الذي جربها.http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&article=444551&issue=10571

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق