مرتضى
الزَبيدي (1732-1790م) اللغوي والمحدث وفلتة العصر العثماني، الفالت (العصر) من
كبار الأدباء، فظهر الزبيدي، ليرقع العصر، زار فلسطين عدة مرات، واِلتقى بعض
الأعيان كنقيب الأشراف، وعلماء في القدس ونابلس وغيرها، وترجم لبعضهم في المعجم
المختص وأحيانًا في درته تاج العروس.
في
واحدة من زياراته التقى سامريًا. في قاموسه عرَّف السَّامِرَةُ والسَّمَرَة:
(قَوْمٌ من اليَهُودِ) من قَبَائِلِ بني إِسرائيلَ (يُخَالِفُونَهُم)، أَي الْيَهُود
(فِي بَعْضِ أَحكامِهِمْ، كإِنْكَارِهِمْ نُبُوَّةَ من جَاءَ بعد مُوسَى عَلَيْهِ
السلامُ، وَقَوْلهمْ: (لَا مِسَاسَ)، وزعمهم أَنَّ نابُلُسَ هِيَ بيتُ المَقْدِسِ.
يعلمنا
الزبيدي، أنَّه التقى جمَاعَة منهم: "أَيّامَ زِيَارَتِي للبَيْت المُقَدّس،
مِنْهُم الكاتِبُ الماهر المُنْشِىء البليغ: غَزَالٌ السّامِرِيّ، ذاكَرَنِي فِي
المَقَامَاتِ الحَرِيرِيّة وَغَيرهَا، وعَزَمَنِي إِلى بُسْتَان لَهُ بثَغْرِ يافا".
في
بستان أو بيارة غزال السامري، تذاكر علامة مشهور وآخر فلسطيني سامري لا نعرف عنه
الكثير، في واحدة من أهم عيون الأدب العربي، وهي مقامات الحريري، بعض شخوص هذا
العمل اكتسبت شهرة عالمية في عصرنا. علاقة الزَبيدي بالمقامات قديمة ومهمة، فشرح
مقامات الحريري للشريشي من مراجعه العديدة خلال وضعه تاج العروس. ويبدو أنَّه أصبح
حجة فيها. ذُكر: "انجذب إلى الزبيدي بعض الأمراء الكبار، فسعوا الى منزله،
وترددوا على مجالس دروسه، وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال، وفي سنة 1190 حضر إلى
مصر عبد الرزاق أفندي، رئيس الكتاب في ديوان السلطنة في استانبول، وسمع بالزبيدي
فحضر إليه والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريري، فكان يذهب إليه بعد فراغه من
درس جامع شيخون، ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية".
بعد نحو قرن من لقاء الزبيدي والسامري، يمكننا
التقرير، أنَّ مقامات الحريري، كانت محل اهتمام النخب الثقافية في فلسطين. في يوم
الأربعاء 21 آب (أغسطس) العام الماضي، التقيت والرحالة نزار العيسة الصديق جورج
الأعمى، الَّذي أرانا مخطوطة مبهرة من مقامات الحريري، انجزت في القدس وبيت لحم،
تعود لعام 1854م، بخط الخوري إِلياس الخوري بنايوت الخوري أودي أبو حمامة التلحمي
(عائلة من رجال الدين)، وكان المساعد له في ذلك ولده الخوري يوحنا إلياس بنايوت.
بدت المخطوطة بحبرها وترتيبها كأنَّها خطت للتو.
عندما
أهدتني هيلين مرج البحرين مجلدًا للشيخ اليازجي، كانت نظرتها الدالة، محفزا لأخذ
الكتاب بجدية، يعلن اليازجي أنَّه: "تطفل على مقام أهل الأدب، من أئمة العرب،
بتلفيق أحاديثٍ تقتصر من شَبِه مقاماتهم على اللقب"، ولم يكن ذلك إِلا تصاغر
غير ضروري.
سيُهزم
فن المقامات، ربما تكون مقامات الشيخ ناصيف اليازحي (1800-1871م) آخر بدائع هذا
الفن الذي عاش قرونًا. ولعل فرياق الشدياق، تطوير لهذا الفن. ولكن أعتقد أن آخر
المستفيدين من هذا الفن، وإن لم يفصح، كان إميل حبيبي، فرواية المتشائل يمكن
إحالتها نسبيًا إلى فن المقامة، فاللغة بطل في العمل، وكان يمكن تسميتها مقامات
المتشائل، ولكنه اختار "الوقائع" سأعتبر الأخير فنًا وتطويرًا لفن
المقامات، واستفادة وتأثرًا بالشدياق، رغم أنَّ حبيبي، لم يشر إلى ذلك في مقابلاته
العديدة. ولم يعد للفن الذي ابتكره (الوقائع).
عودة
للعلَّامة غزال السامري، يذكر الزبيدي أن ولده أسلم: "وسُمِّيَ مُحَمَّداً
الصَّادِق، وَهُوَ حيّ الآنَ". قد يكون ذكر ذلك نوعًا من محاباة جمهور
الزبيدي المتدين، ولكنَّه يفصح عن واحد من أسباب تقهقر الوجود السامري في فلسطين،
والدول المجاورة، فكثير من العائلات السامرية أسلمت فعلًا، وما بقي منها على جبل
جرزيم، وساحل المتوسط، جنوب يافا، يشكِّل أصغر طائفة في العالم.
.#مرتضى_الزبيدي
#إميل_حبيبي
#حورج_الأعمى
#نزار_العيسة
#مقامات_الحريري
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق