لم تكن نكبة قريتي زكريا، وتظهيرها
عرقيًا، هي أولى كوارثها، البشرية، والعدوانية.
بعد ما كشفته سلطة الآثار الاحتلالية،
فإن تلّ قريتنا، اكتسب اسمًا جديدًا: بومبي، في إحالة للمدينة الرومانية المنكوبة،
وإذا كان للكوارث أن تصبح مصدر فخر، فهي بالنسبة لأثريي الاحتلال بومبي
إسرائيل-كما ذكرت هآرتس، جذلة، اليوم، وستصبح من وجهة نظرنا، نحن الذين نبني ميراث
هُوياتي، استجابة لتحديات الاحتلال، بومبي فلسطين.
ما عثر عليه من أجساد جمدها الزمن،
قورن بما عثر عليه في بومبي، المدينة الرومانية، التي حفظت أجسادها بسبب البركان.
الفخر حتى بالكوارث، يحتاج إلى أيقونة مرجعية.
ما عثر عليه، في تلنا، سيزود علماء
الآثار، بمعلومات مهمة عن حياة أجدادنا اليومية. هل هم أجدادنا؟ أم أجدادهم؟
أجدادنا، بقدر إيماننا، بالوراثة الثقافية، وليس الفسيولوجية، لحضارات دبت، قبل انتصار
غزوات العرب، في أرضنا وعليها.
تشير التقديرات، أن أسلافنا، قُتلوا في
كارثة مفاجئة، يرجح أنها كانت، بعكس كارثة بومبي، بشرية، والبقايا في مستوطنة العصر
البرونزي في تلنا (يسميها آثاريو الاحتلال: المستوطنة الكنعانية)، التي لقيت
مسارها الدرامي قبل 3,100، وهي في عزّ ازدهارها، مثيرة حتى في جلال موتها.
امرأة شابة، واحدة من الجدات، يبدو إنّها
كانت في طريقها للهروب، من الحريق والدخان، ولكنّها اختنقت، وهي تلتقط شيئًا من
حاجيات العائلة، ميراثها الماديّ-المعنويّ، كما حدث في نكبتنا القريبة. تحمل
جداتنا القريبات، مفاتيح المنازل في صدورهن.
ضحية أخرى، من الأجداد، لقيت حتفها،
وهي تمد يديها، تحاول حماية نفسها، وهي ترى سقف المبنى يسقط، ولم تعش لتر كيف
سحقها.
من هم الأعداء الذين هاجموا قريتنا؟ من
الذين ورثوا عن أجداد العصر البرونزي، تلنا، والصناعات الحرفية، والعطور، والسلع
الدقيقة؟
لم ينجو أحد ليخبرنا. وصلتنا فقط
روايات المنتصرين مفلترة وجزئية. كل منتصر، عربيّ أو أعجميّ، عظّم روايته، شطب
وأضاف، كذَب، وجمّل، وكتم رواية المهزومين.
سنختلف مع الأعداء الجدد، ليس على
حقيقة الأجساد، ولكن على نسبها.
يمكن ليساري إسرائيلي متعاطف مع
قضيتنا، أو حتّى يهودي ينكر يهوديته، أن يذهب بعيدًا في دغدغة مشاعر فخرنا
بعدالتنا، ولكنّه لن يقبل أن يقارن أي نكبة، بهولوكوسه.
سيفخرون بهولوكوسهم، ونفخر، بما يجب أن
لا نفخر به، نكبتنا.
- أين نكبتم، يا مساكين، من هولوكوسنا؟
* أين هولوكسكم، يا شذاذ الآفاق، من
نكبتنا؟
كل بنكبته فخور وفرح. لن يرى إدوارد سعيد، فينا،
إلّا ضحية الضحية.
ليس نادرًا، أن تلتقي، زكراويًا، في رُصيفة
عمّان وبقعتها، أو واشنطن دي سي، أو لندن الضبابية، فخورًا، بنسبه لزكريا، مختالاً
بأن دولة الاحتلال تخزّن، جزءًا من احتياطها النووي التدميري في باطن أرض قريتنا.
عندما تشاع المقارنة ببومبي، فسيختال المنكوب
الزكراوي، في جهات الدنيا، بأنّه من زكريا المغتصبة، بومبي فلسطين..!
يا لفخر العباد، بنكبات البلاد..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق