حواء إدريس، رائدة نسائية مصرية-عربية، من عائلة
قوقازية، شردها الاحتلال الروسي لبلادها، وقصة العائلة الدرامية، يمكن تتبعها في
مذكرات قريبتها هدى شعراوي، أو الكتب التي خطت عن سيرتها (ككتاب سنية شعراوي
المترجم إلى العربية).
في مذكرات إدريس، التي صدرت بعنوان أنا والشرق،
يظهر الحس القوميّ العربيّ طاغيًا، وموقفها من القضية الفلسطينية، كما قالت مرّة
للزعيم الهندي نهرو، بأنه مسألة حياة أو موت.
زارت إدريس فلسطين عدة مرات. وصلت في آب 1945
رفقة هدى شعراوي، إلى فلسطين، إثر لقاء في لبنان مع عوني عبد الهادي وزوجته. دعا
عبد الهادي شعراوي إلى القدس لتساهم في مصالحة: "الأطراف المتنازعة على زعامة
فلسطين، نظرا لأن الكثير من الأسر القوية رأت أنها أحق بتلك الزعامة"-ص 75 من
المذكرات.
ظلت شعراوي، وإدريس أسبوعًا في القدس، في بيت
عبد الهادي لأن فندق الملك داود كان كامل الإشغال: "نجتمع بمنزل عوني عبد
الهادي، وقابلنا الكثير من أسر الحسيني، والشاشيبي، والدجاني، والتاجي، وعبد
الهادي، والعلمي، كما قابلنا قائد الثورة في تلك الأيّام وهو السيد عارف عبد
الرازق، وقد حاولت ابنة عمتي السيدة هدى شعراوي في جلسات المصالحة التي عقدتها
طوال أيّام ذلك الأسبوع قصارى جهدها إقناع هؤلاء الأطراف المتنازعة. وذكرت لهم أنه
يتعين عليهم لم شملهم وضم صفوفهم لمواجهة الأخطار التي تهددهم في عقر دارهم، شارحة
أنه ليس وراء تلك الخلافات والمنازعات والمشاحنات إلّا كل هزيمة معنوية، مما يؤدي
في النهاية إلى فقدانهم بلادهم، وهو ما يسعى إليه العدو المتربص بهم".
تأسف إدريس: "لكن
مع الأسف الشديد ذهبت كل تلك الجهود التي بذلتها السيدة هدى شعراوي، أدراج الرياح،
وباءت مساعيها بالفشل".
في مذكراته التي حققتها
الراحلة خيرية قاسمية، لا يتطرق عوني عبد الهادي إلى هذه الواقعة، وإن كان يشير
كثيرًا إلى هدى شعراوي، في تفاصيل لها علاقة بجمعها التبرعات للمقاومة العربية في فلسطين،
أو مساهمتها في جهود رأب الصدع بين الفرقاء العرب الفلسطينيين، ولعل مذكراته ليست
إلَّا تفاصيل معقدة ومملة عن النزاعات التي لا تنتهي بين الفرقاء، وأعتقد أنها
ليست إلَّا رجع صدى للمنازعات بالغة الدموية منذ المغامرة العربية-الإسلامية في
فلسطين (القبيلة، والعقيدة، والغنيمة)، وهو ما لم يثر حتّى الآن، وقفة للتأمل
والدراسة.
بعد أقل من عام على
الواقعة التي ذكرتها حواء إدريس، كانت أنظار عبد الهادي، وغيره، تتجه نحو الاجتماع
فوق العادة، الذي دعا إليه مجلس الجامعة العربية المقرر عقده في بلودان (8-12
حزيران 1946)، لتدارس كيفية مواجهة تقرير اللجنة الأنغلو- أميركية حول فلسطين،
ولكن عشية عقد الاجتماع ازداد الانشقاق بين زعماء الأحزاب الفلسطينية، بدلاً من
الوحدة.
أبرقت وكالة رويترز من
القدس بتاريخ 30 أيار، عن الانشقاق الكبير بين الأحزاب التي اجتمعت في القدس، بعد
اجتماع استمر ثلاث ساعات، وعنونت الأهرام القاهرية الخبر: "انشقاق في الأحزاب
العربية بفلسطين".
لم تعد الأحزاب العربية
الفلسطينية، التي تغيرت أسماؤها، وزعماؤها، وجلس أبناء الفلاحون على رؤوسها، بدلاً
من وجهاء العائلات، تلتئم في القدس التي قُسمت إلى أردنية وإسرائيلية، ثم إلى
موحدة تحت الاحتلال، وإنما في عواصم أبعد، ولكنّها لم تتوقف عن النزاع والمنازعة،
ولم تكف رويترز، وغيرها، عن تطيير برقيات النزاعات، وما زالت الأهرام، وغيرها،
تنشرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق