أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 19 نوفمبر 2020

لا زغاريد في القُدْس


 


عندما جلس ابن مدينة الناصرة ميشيل صبّاغ، على كرسي بطريركية القُدْس، كان الجلوس حدثًا، أوقف أعلا الفخر وقوفًا، ومدعاة للاحتفال الوطني، فهو أوَّل بطريرك عربي يجلس على الكرسي اللاتيني منذ تأسيسها الحديث في القُدْس (1847م). في بداية عام 1988م، قابل صبّاغ بابا الفاتيكان، وحضر سيامته سفراء عرب، ووفد كبير من الناصرة وفلسطين، ضم أكثر من مئة شخص على رأسهم  توفيق زيّاد، رئيس بلدية المدينة الشيوعيّ.

لم يكن الأمر يتعلق فقط بأوَّل بطريرك عربي، ولكن أيضًا بلحظة الانتفاضة الكبرى، ولم يكن أقدر من الباحث والمفكر والمترجم المجاز في الثقافة الإسلامية من السوربون (في الشعر الأموي وطبقات ابن سعد)، من التقاطها، وفي ذهنه تراث لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية، فمدّ ذراع كرسيه إلى المنتفضين.

بعد تنحية صبّاغ بحكم قوانين السن الفاتيكانية، حلَّ محله، كما هو متوقع، بطريرك عربي آخر، ولكن من بادية عبر الأردن، وعندما نُحي هو الآخر، بعد كرور سنوات، كُشف عن جبل جليد ذائب، وديون بقيمة 100 مليون دولار.

هذه المرة، لم يعين الفاتيكان بطريركيًا، وإنما أوكل لحارس الأراضي المقدسة المنتهية حراسته، وبعد وصوله إلى ايطاليا، متقاعدا، مهمة تدبير الكرسي البطريركي.

امتلأ المُدَبِّر، بالشعور الإنجيلي الخلاصي، فالرّبّ وحده، من دبر عودته مجددًا إلى الأراضي المقدسة، ولكن كيف سيتدبر الديون؟ طرح مشروع بيع أراضي للرعية الفلسطينية في الناصرة، فانتفضت الرعية، دون أن يقف أحد من الوطنجية معها. وما زالت منتفضة.

لا يمكن أن يظل المُدَبِّر مدبرًا، فسامه البابا، بطريركًا، منهيًا ربيع البطريركية العربيّ، الذي يدأ صاخبًا صبّاحا مع صبّاح، إلى شتاءٍ مع خليفته.

الصوت الوحيد، الذي تناهى إلى مسامعي، متسائلاً عن مصير عروبة الكرسي البطريركي، جوبه بنقدٍ، من رعية البطريركية، في إعلان فاضح للنكوص العروبي.

لم تتغير مشاعر الرعية الوطنية، ولكنّها فضلت أجنبيًا على أي عربي آخر. ما الذي تغيّر؟

عندما وصل خبر تعيين صبّاغ بطريركًا، أطلقت والدته زغرودة، تردد رجع صداها فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا. لا نعرف إذا كانت والدة البطريرك الجديد، زغردت، مأخوذة بتراث متوسطي أم لا؟ ولكن في القُدْس التي احتفت بالبطريرك الجديد، لم يزغرد أحد.

فلسطين تتغير ليس بالصدمة القاصمة، كما حدث في أمصار أخرى، وإنما بصدمات متتابعة.

قبل أوسلو كانت فلسطين "مشروع" و"مشاريع"، وبعدها أصبحت "مشاريع".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق