عندما نظرتُ للساعة، رأيت
العقارب تشير إلى الثالثة والنصف، حاولت أن أعود إلى النوم كما أفعل دائمًا،
فالأتي أخطر. سمعتُ أصوات الجنود في الشارع الضيق غرب غرفتي، وهم يخلعون أبواب
المنازل، لم أتمكن من النوم فنهضت، نظرت من شق صغير في الشباك، بدأ الجنود بأخذ
أماكنهم على أسطح المنازل، منذ أسابيع أتأخر في النوم، انتظارا لعودتهم بعد دهم
المنزل قبل أسابيع، وها هم يصلون الحارة، هل سيدهمون المنزل هذا الفجر؟ حاولت فتح
الحاسوب لمشاهدة فيلم. نوع من التحدي لوجودهم، ولكن الأمر لم ينجح، فالضجيج الذي
يحدثونه أوقف كل شيء.
الخميس، 28 سبتمبر 2017
أكّال الحَيّات..!
من أعجب الكرامات
(وكلها عجيبة غريبة فاتنة) لصوفيِّ، بالنسبة لي، ما ذكره الحنبلي شيخ مؤرخي فلسطين
عن الشيخ الصالح محمد المعروف بأكال الحَيّات، الذي توفي في القدس سنة 832ه
(1428م)، ودفن في مقبرة باب الرحمة.
يذكر الحنبلي بان
الشيخ الصالح كان يأكل الحَيّات، وغيرها من الهوام كالخنافس وما هو في معنى ذلك،
فيرى رحمه ورحمنا الله، الخنافس زبيبا والحية قثاء ونحو ذلك من ذوق متقدم أبداه.
شيخنا الصالح كان،
كما يقول الحنبلي من أكابر الصالحين ممن تنقلب له الأعيان ولعل ذلك من أعظم الأمور
بالنسبة للحنبلي ومثقفي عصره، فالقرب من السلطة غاية لا تدركها غاية، ومن كراماته
ومكاشفاته أنه كان يُرى على جبل عرفات مع الحجاج، ويصبح في القدس الشريف في يوم الأضحى،
وهذه برأي قدرة متواضعة، فمعظم أولياء الله الصالحين في فلسطين فعلوها، واجترحوا أكثر
من ذلك، مثل الراعي الفقير تيلاه من بيت سوريك، الذي طلب من أمه توزيع كعك العيد
على الفقراء، وأوكل رعاية قطيع الغنم إلى ذئب كان بالجوار، وطار إلى مكة، وعلى جبل
عرفات التقى شقيقه وناوله الكعك الساخن، وعاد إلى قطيعه، وعبر عن شكره الذئب بما
يجب أن يكون السخاء، بمنحه عنزة، وفيه قيلت الأشعار بالغة الروعة، ومنها هذا
المقطع:
ترى أوّل الليلْ حلو
شُعورْهم حلّوا
فرشوا سجاجيدْهم ع
الموجْ ما انبلّوا
ترى في أخر الليل في
حرم النبي صلوا
صلوا صلاة تفُك الكرب
وانْحلوا
لم يعش الحنبلي ليرى
كرامات الفقير الكريم تيلاه الذي أصبح قديسا شعبيا رغما عنه (عن تيلاه الذي رفض ان يكون قديسا).
إذن شيخنا الصالح أكّال
الحَيّات، بوسعه فقط أن يرى نفسه على اقرانه بالهوام التي يتمتع بها، وأحب أن
أتصوره في هذه الأيَّام، يقف في باب العمود، ينظر إلى جنود الاحتلال يتخيلهم حيات
وصراصير وعناكب، فيأكلهم وكأنه يتلذذ ببطيخ صيفيِّ أو موز أبو نملة، أو جوافة قلقيلية،
أو يتذوق طعمهم كباذنجان بتير ورمان بيتونيا، وبرتقال وادي قانا.
الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017
صراع الاحتلال والمخيم على (الطريق)..!
عندما تأكد فتية مخيم
الدهيشة، من رحيل أخر جندي احتلالي من الذين اقتحموا مخيمهم فجر أمس، توجهوا إلى
مكتبة الطريق التي أغلقها الاحتلال، وفتحوها، معلنين للمرة الثانية تحديهم
للاحتلال.
جنود الاحتلال الذين
اقتحموا المخيم، دهموا عدة منازل وعاثوا خرابا في أثاثها، ثم حاصروا مكتبة الطريق
لصاحبها الشاب خالد جمال فراج، ليغلقوها بقرارٍ من روني نومة ألوف قائد جيش
الاحتلال في الضفة الغربية، حتى الثالث عشر من الشهر المقبل، ولم يتضمن قرار
الإغلاق الذي تركه الجنود خلفهم، أية تفاصيل عن أسبابه، ولكن تم الإشارة إلى ما
اعتبرها القائد الاحتلالي صلاحياته.
يعتبر نومة من أقوى
الحكام في الشرق العربي، ترتعد من دولته الدول العربية، وحتى بعض المثقفين
والفنانين، الذي يمكن أن يبح صوتهم احتجاجا إذا أغلقت مكتبة في موقع مغمور في
العالم، يوافقون على طباعة كتبهم في دولة الاحتلال، واحدهم يأتي ليعيش في تل أبيب
ويصنع فيلما تافها عن رواية تافهة فنيا وموضوعا.
وزارة خارجية العدو وأجهزته
الأمنية تحقق اختراقات..الخيانة لن تصبح وجهة نظر أبدا..!
الفتية الذين واجهوا
جنود الاحتلال الذين اقتحموا المخيم، لم يقبلوا بقرار إغلاق مكتبة الطريق، فسارعوا
إلى فتحها، معلنين أن قرار الاحتلال غير شرعي ولا يحق له أن يفتح أو يغلق أية
محلات.
هذه المرة الثانية
التي يغلق الاحتلال فيها المكتبة، فقبل عدة أسابيع أغلقها، وتم فتحها من قبل
الفتية بعد ساعات، وبعد التشاور فيما بينهم، أمّا صباح أمس فكان الأمر مختلفا، لم
يأخذوا وقتا لاتخاذ القرار، بعد أن أصبحت المكتبة بالنسبة لهم، رمزا لكسر شوكة
قرارات الاحتلال.
بعد أن فتح الفتية
المكتبة بعد إغلاقها الأول، سرت تكهنات في المخيم، حول كيف سيكون ردة فعل
الاحتلال، وهو ما يطرح الآن أيضا، ولكن الأمر تحول إلى مسألة ذات بعد رمزي ووطني لا
يقبل المساومة، حتى أن أهازيج شعبية نظمها الفتية تؤكد انه لم يقبلوا أبدا بإغلاق
أي محل في المخيم:
"يا صهيوني احكي
الجد
ارحل بلغ إسرائيل
من لدهيشة جاك الرد
إنا نِغْلِقْ مستحيل"
في المواجهات التي
خاضها الفينة فجر وصباح أمس، أُصيب أحدهم في قدمه، بينما تعرض أحد المنازل في حارة
الولجية في المخيم إلى حريق جزئي، بسبب قنابل الغاز المدمع، وقنابل الدخان
والإضاءة التي ألقاها جنود الاحتلال على منازل الأهالي، ودهمت منازل وحُطم الأثاث،
وسُرقت، و...!!!
وقالت مصادر محلية
بان جنود الاحتلال سرقوا مبلغا من المال وقطعا ذهبية من منزل سامي الجعفري الذي تم
اقتحامه وتحطيم الأبواب واعتقال ساكنيه طوال فترة عملة الدهم، والاعتداء على ابنه
إسماعيل بالضرب، والذي نقل إلى المستشفى لتلقي العلاج.
الجمعة، 22 سبتمبر 2017
مسألة شرف..!
كانت القيادة
الفلسطينية، وهو مصطلح يُعنى به ياسر عرفات (أبو عمار) في أحيانٍ كثيرة، مثلها مثل
المتتبعين لأخبار الشرق الأوسط، على علم ليس فقط بالغزو الإسرائيلي للبنان، ولكن
بمداه، وهو أمر لم يكن سرًا، وكانت تنشر تفاصيله في الصحف السيارة منذ ربيع 1982م،
وبهذا فان المتحدثين والشهود الذين تستضيفهم الفضائيات للحديث عن تلك الحقبة، إما
انهم يكذبون أو يجهلون أو لم يقرأوا صحف تلك الأيام، أمَّا الفضائيات (مثل
الميادين، والجزيرة، والعربية) فتستمر في السقوط في الاختبار المهني.
وعلى الأرجح فإنها
(تلك القيادة-هذه القيادة) قررت كيف تكون مآلات الغزو؛ بالهروب، بعكس الدفق الإعلامي،
الذي صب في نهر الصمود الذي سيكون أسطوريا في بيروت، لذا فان الخروج من العاصمة
المحاصرة، كان بشكل أو بأخر صدمة للجماهير المتحمسة.
بُررت الهزيمة كثيرًا،
ولم تدرس تماما كالخروج من عمّان، بل ان الإعلام الدعائي، ومثلته آنذاك فرقة
العاشقين، قلب الحقائق، ومن التبريرات الحصول على وعد من أميركا بحماية المخيمات،
وعندما جرى ما جرى فيها من مجازر، قالت القيادة، بان ما حدث وضع شرف أميركا
العسكري على المحك.
في دولة الاحتلال شُكلت
لجنة تحقيق، وفي ذكرى المجزرة هذه الأيام، ثمة مطالبات في الصحف العبرية بمعرفة
الحقائق، أمّا على مستوى القيادة، فتكرست قيادتها، ولم تخضع لمحاسبة أو نقد ذاتي،
ولم يطح بها، بل ان ما حدث سيكون من الأمور الغريبة في تاريخ المقاومات.
يذكر الزعيم الكتائبي
كريم بقرادوني، انه عندما ذهب إلى تونس على رأس وفد من اللون السياسي لمجرمي
المجازر في المخيمات، خشي ان يشكل ذلك إحراجًا للقيادة، ولكنه وجد العكس ترحيبا،
وتوسطا لدى عراق صدام حسين ليزود المجرمين بالأسلحة لمحاربة السوريين.
وفي حين اتخذت إجراءات
من دولة الاحتلال بحق مجرم الحرب شارون، فان العرَّاب الأسدي الممانع في لبنان وضع
المجرم إيلي حبيقة وزيرا، وستستقبل حكومة حماس في غزة بعد سنوات مجرما أخر من نواب
القوات اللبنانية التي نفذت مجزرة صبرا وشاتيلا.
ولا اعرف إذا كان
يمكن للمرء الابتهاج باغتيال حبيقة، ضمن تصفية الحسابات بينه وبين دولة الاحتلال.
لم يكن فقط شرف
الولايات المتحدة الأميركية على المحك، ومفضوحا ولكن شرف من بقوا في كراسيهم وهذه
المرة رغم أجساد الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى. وعاشوا
ليعترفوا بالاحتلال، في ما يمكن اعتباره سابقة في حركات المقاومة قبل انجاز
مهمتها..!
المسالة فعلاً مسألة
شرف..!
هذا اسمي وتلك داري..!
"علم وبيان عن أساس دار أبو خالد من قرية زكريا قضاء الخليل عليه السلام.
أنا محمد الحاج عبد الفتاح علي خالد حسن أحمد عدوي من حمولة عدوي من عائلة أبو خالد، تقع دارنا شرقي مسجد نبيّ الله زكريا عليه السلام، على بعد خمسين متر من المسجد تجد شارع على يدك الشمال وأنت مشرق من المسجد فدارنا في داخل هذا الشارع تتألف من ثلاث غرف منها واحدة في شمال الشارع واثنتين في جنوب الشارع، منها واحدة خشب والثانية عقد جملون، ثم من بعد الشارع على بعد عشرة أمتار منه إلى الشرق الجنوبي توجد دارنا الكبيرة مؤلفة من خمس غرف لها طابق علوي وطابق سفلي وفيها ثلاث غرف خشب، مساحتها من الشمال إلى الجنوب 37 مترا، وعرضها من الشرق إلى الغرب 20 مترا، يوجد بها في الجنوب بئر ماء قرب الشارع العام الذي ينزل على بئر البلد السفلاني. يحدها من الشرق..".
طبق الأصل عن مذكرات المرحوم خريج مدرسة زكريا الأميرية قبل النكبة، كتبها بقلم الرصاص بعد نكبته وتشرده عن قريته، التي دفن بعيدا عنها.
محمد خشان... مُدجِّن الألم..!
لم يتمكن الانسان
النبيل الكاتب صموئيل شمعون من رؤية صديقه الكاتب الفلسطيني محمد كامل خشّان. لقد
سبقه إليه الموت، وهو في طريقه لبيروت. رحل خشان قبل ان يرى مذكراته التي نشرها
شمعون، بنبلٍ، في دار كيكا.
الكلمات لا تعبر عن
العزاء للعزيز صموئيل وللزميل عماد خشّان، ولمحبي وتلاميذ الكبير الراحل..!
دمعتان ووردة في غياب
ابن سحماتا..!
يستعيد الأستاذ محمد
كامل خشَّان، في فصول مذكراته، حياة كاملة، في الجليل الذي كان يستعد للخروج من
سباته، بعد عهود موات ثقيلة خلال أكثر من أربعمائة عام؛ احتلال يولد احتلالاً،
ولكنه وجد نفسه يسقط مجدداً في قبضة احتلال جديد قاس.
وخشّان، وهو يفعل ذلك
يستعيد وطناً، نأى بعيداً عنه، وقربه النأي منه أكثر، في سيرة متفردة، فالكاتب لا
يأتي من رحم المقاومات المتعاقبة، كما رأينا في مذكرات غيره، وليس عليه أن يوزع
صكوك اتهامات أو براءات أو يدعي بطولات، أو من أوساط النخب التقليدية، همه تأكيد
إرث ديني، أو موقع ارستقراطي، ولكنه واحد من أغلبية الفلسطينيين الذين خُنقت
أصواتهم، أو لم تمنحهم مغالبة الحياة، فرصة لالتقاط الصوت.
كفلسطيني نموذجي،
تكون قريته مركز الكون، في وعي ما بعد النكبة، وتظهر سحماتا، كأنها المرجعية لكل
ما مر ورأى وجرب وعرف خشَّان الذي ينتمي إلى جيل النكبة الأوَّل الثقافي، فيطوف مع
القارئ على أسماء النخب الفلسطينية من كتاب وتربويين صنعوا وعيه ووعي مجايليه،
ولكنه لا يكتفي بالاعتماد على الذاكرة، فيعيد حكاياتهم إلى ما خطوه بأقلامهم.
تختفي خلف كلمات
المؤلف غصة وحزن عميقان، لكنه يبرع في عدم إظهارهما بشكلٍ فج، حتى وهو يبدي ذلك
صراحة تجاه مواقف في حرب فلسطين، كدور جيش الإنقاذ، أو الجيوش العربية الأخرى.
يتمتع خشَّان بروحٍ مرحة، وحس عالٍ بالسخرية، وفي معظمها سخرية مُرَّة، ولكن لا
يجعل سوادها يستمر إلا لحيظات، فيعود ليمسك بيد أنيسه القارئ، في رحلته التي طالت،
مثل شتات الفلسطينيين، أكثر من اللازم.
يكتب خشّان عن
فلسطينه، لكل لاجئ فلسطينه الخاصة، ولكن بدون بكائيات، وليست لديه، وهو يقتفي رحلة
حياة، أية أحقاد، أو حسابات مؤجلة، وحان تصفيتها، يمضي في الحياة بروح صوفي،
وثقابة حكيم، ووجع زيتوني داخلي، وكأنه يقف أمام العالم وحيداً، ليقول ها أنا، لم
تشوهني النكبات، بقدر ما جلل العالم جليله - فلسطينه بها، متفرجاً ومشاركاً في
صنعها. يحتفي بالصداقة والنَّاس والرفقة، دون شروط، ويستذكر بدون رتوش تفاصيل تلك
الحياة التي لن تعود، في الجليل، جليل المسيح، والأساطير، والأنبياء، والأولياء،
والبطولات الفردية، والأشجار، والنباتات، والحجارة، فيصبح شاهداً، وشهيداً لعشقه،
ولكن ليس قبل أن ينثر ذلك الجليل، تفاصيل حياة وموت يتجددان، كما حدث منذ أن دجّن
أوّل إنسان النار في مغارة جليلية.
خشان يُدجن الألم،
وينفخ روحاً في نسغ الأمل!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)