
يوم الاحد ذهبت الى بلدة اذنا، في جبل الخليل، مدفوعا بكثير من الامل، لا اعرف مصدره، حملت معي اسماء ومعلومات عن مواقع اثرية وتاريخية، استخرجتها من بطون واذيال الكتب، ولكن خيبة الامل كانت كبيرة عندما ايقنت بانني وصلت متاخرا جدا، وان ما ابحث عنه هو في الواقع اصبح خلف جدار العزل الذي بنته سلطات الاحتلال على اراض البلدة، التي فقدت جزءا كبيرا من ارضها عام 1948، ومنذ اكثر من اربعين عاما تغتصب منها اراض جديدة.
الوصول الى خلف الجدار، ليس مستحيلا فقط، ولكنه من سابع المستحيلات، والوصول الى اي مكان في العالم هو اسهل بما لا يقاس من وصول الفلسطيني الى ارضه.
يوم امس الثلاثاء، كنت منذ الفجر على حاجز ترقوميا، وهي المرة الاولى التي اصل فيها هذا الحاجز، وهو في الواقع معبر "حدودي" لا يوجد مثله بين الدول الكبيرة.
وللتوضيح فان الاحتلال الاسراائيلي عمد الى تعميم تجربة غزة، على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، واحاطها بمعابر تتحكم بما يدخل ويخرج الى هذه الاراضي من البترول، الى اموال البنوك، واي اغلاق لهذه المعابر، يجعل كل منطقة في الضفة نموذجا مصغرا من غزة.
الاسرائيليون يسيطرون على ما يعتبرونه دولة اسرائيل داخل هذا المعبر، وهي الاراضي المحتلة عام 1948، بالاضافة الى مساحة كبيرة لا يمكن تحديدها وتزيد باستمرار، تم السيطرة عليها بعد عام 1967، ويسيطر الاسرائيليون ايضا على الاراضي الفلسطينية خارج المعبر، حيث المستوطنات اليهودية، والتجمعات الفلسطينية العربية، والطرق الالتفافية وغيرها من مظاهر الوجود الاحتلالي..
تجاوز المعبر يحتاج الى ساعات، والمرور عبر بوابات وحواجز لا يمكن معرفة عددها، والخضوع لانواع مختلفة ومذلة من التفتيش.
وانا داخل الاراضي التي اصبحت تسمى (اسرائيل)، حيث يعيش الاسرائيليون مثل اي شعب اوروبي، بامان وحياة طبيعية، وكأن ما يحدث في غزة هو في الواقع يحدث في بلاد الواق واق، سمعت ان فلسطينيا استشهد على حاجز ترقوميا لانه حاول خطف سلاح جندي، اوطعنه، اومبرر من هذا القبيل.
ودهشت للامر، لانه لا يوجد اي تماس بين الفلسطيني الذي يدخل المعبر، عابرا البوابات والتفتيش الالكتروني، والتعرية، واي جندي احتلالي، فالفلسطيني هو عبارة عن شيء، بالنسبة للاسرائيليين، يتم تفتيشه لاحداث اكبر قدر من الاحتقار الذاتي، بعيدا عن اي تماس بشري.
كيف يمكن ان يكون قتل ياسر صقر الطميزي؟ بقي الامر غريبا بالنسبة لي.
في طريق عودتي في الليل، اتصلت بي كوثر من النمسا، تشكو امورا كثيرة من بينها تغطيات من اسمتهم بائعي الترمس الذين اصبحوا صحافيين، للاحداث في فلسطين.
على معبر ترقوميا، خضعت لتفتيش مذل اخر، مثلما حدث في الصباح، وتمكنت بعد خروجي من سؤال اصحاب شاحنات تقف على المعبر في انتظار الدخول فقالوا لي بان الشهيد الطميزي قتل في ارضه، وان قصة محاولته "الاعتداء" على جندي اسرائيلي هي كاذبة.
ماذا حدث مع الشهيد ياسر صقر الطميزي؟
لو اراد احد ان يعرف فلن يجد طريقة لذلك، فالصحف الفلسطينية الصادرة اليوم، مثلها مثل وسائل اعلام عربية اخرى، فان صقر اذنا، بالنسبة لها، هو مجرد رقم، فنشرت اخبارا مبتسرة، تتبنى في معظمها الرواية الاسرائيلية حول استشهاده.
لم نقرا لمراسل انتدبته صحيفته الى موقع الحدث، ليعود لنا بتقرير مصور مثلا، عن قصة فلاح فلسطيني يعمل في ارضه فقتله رصاص الاحتلال، بعدان قتل وما يزال يقتل ارضه.
عندها تذكرت كلام كوثر عن صحافيي الترمس، وفضائيات الترمس، ومحللي الترمس، وشعوب كاملة يتوجب ان تغير اسمائها للتوافق مع واقعها، فتصبح شعوب الترمس.