ويشتهر الحي بوجود ضريح الشيخ الجراح فيه، الذي أقيم عليه مسجدا، ما زال يستخدم في وظائفه الدينية.
ومنذ سنوات يتعرض هذا الحي، إلى هجمة استيطانية إسرائيلية، وسيطر الإسرائيليون على مقام إسلامي في المكان يخص شخص يطلق عليه محليا (الشيخ السعدي) وحولوه إلى مقام يهودي باسم (شمعون الصديق).
وسكنت سبع عائلات يهودية في المكان بعد إخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم، وتحولت المنازل الفلسطينية إلى منازل يهودية.
ونصبت أبراج حراسة، يداوم فيها جنود الاحتلال على مدار الساعة، وبدت الأمور ممهدة لإقامة حي يهودي في القدس العربية، وهو ما أعلن عنه هذا الأسبوع عضو الكنيست بيني ايلون الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الوطني (المفدال)، والذي شغل في السابق منصب وزير السياحة.
وقال ايلون، الذي يتزعم الجماعات اليهودية التي تسعى لإقامة حي يهودي في الشيخ جراح الذي اصبح اسمه بالنسبة لافراد هذه الجماعات (حي شمعون الصديق) بان الهدف من وراء مخطط الاستيطان اليهودي في الحي الفلسطيني "خلق تواصل سكاني يهودي يحيط بالبلدة القديمة" حسب تعبيره.
وأضاف ايلون "بالإمكان خلق تواصل سكاني يهودي في هذه المنطقة عن طريق الإعلان عن المزيد من الأماكن في القدس كحدائق وطنية ومناطق مفتوحة، بالإضافة إلى ضم أراض تعود ملكيتها إلى أشخاص ومواطنين يهود".
ويعرف ايلون تماما ما يتحدث عنه، وهو ما يمكن وصفه على ارض الواقع، بالمخطط المرعب لتهويد ما تبقى من القدس العربية، وبلدتها القديمة التي تضم الاماكن المقدسة.
وايلون الذي يعتبر عراب الاستيطان اليهودي في الشيخ جراح، كان تزعم بنفسه، عندما كان وزيرا للسياحة في إسرائيل، عمليات طرد السكان الفلسطينيين من الشيخ جراح، كما حدث في شهر نيسان (أبريل) 2003، عندما تم طرد 20 شخصا من عائلة غاوي من منازلهم.
ويعود الان ايلون إلى الواجهة مع مخطط جديد، بالاستيلاء على 18 دونما بالقرب من قبر شمعون الصديق، ووفقا لهذا المخطط كما أعلن عنه أيلون، وطرح على لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس، فانه سيتم إقامة 200 وحدة سكنية. وقال أيلون بوضوح بأنه من اجل تنفيذ المخطط "ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، ووجوب ضم المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة".
ورغم هذا الحديث عن المخطط، إلا أن موقف بلدية القدس الإسرائيلية بدا غريبا، وتحاول التغطية عليه، وقال يشور كوبك نائب رئيس البلدية ونائب رئيس لجنة التنظيم والبناء انه لا يعلم شيئا عن هذه الخطة بالتحديد التي أعلن عنها أيلون، وان في نية البلدية وضع خطط للبناء للسكان اليهود والعرب في مدينة القدس.
وفهم من كلامه هذا بان هناك فعلا خططا لإقامة بؤر استيطانية في القدس، أما الحديث عن وحدات سكنية للعرب، فهو أمر أخر من يصدقه كوبك نفسه.
وكان رئيس بلدية القدس اكثر وضوحا، عندما تحدث صراحة عن الاستيطان في الشيخ جراح، بعد السيطرة على ضريح الشيخ السعدي وتحويله إلى قبر شمعون الصديق، وما تبع ذلك من احتلال طلاب يهود من المدارس الدينية، لخمسة منازل قرب الضريح، وحولوا أحدها إلى كنيس يهودي، وتولت حكومة إسرائيل إسكان سبع عائلات يهودية في منازل فلسطينية طرد سكانها، ويتم حراسة أفراد هذه العائلات على مدار الساعة من قبل فرق حراسة خاصة تعتلي أبراجا وضعت في المكان.
وربط رئيس بلدية القدس الإسرائيلية بين نواة الحي اليهودي الاستيطاني في الشيخ جراح، ومدينة معالية ادوميم الاستيطانية شرق القدس قائلا " إن الحي يقع بجوار الجامعة العبرية، ومن المقرر أن تطل مساكنه على الطريق الرئيسي المؤدي لمعاليه أدوميم من ناحية، وعلى حديقة (عيمك تسوريم) القومية من ناحية أخرى. وفي ضوء ذلك ولأسباب أمنية أيضاً، أعتقد أن إسكان اليهود في الحي، سيضمن أمن المسافرين على الطريق المؤدي لمعاليه أدوميم من ناحية، وأمن زوار الحديقة القومية من ناحية أخرى".
ومنذ سنوات تسعى إسرائيل للسيطرة على المنطقة المعروفة في المكان باسم (كرم المفتي) التي كانت تملكها عائلة الحسيني والت ملكيتها أبان العهد الأردني لشركة استثمارية خليجية، ولكن حكومات إسرائيل لم تنجح حتى الان في اخذ هذه الأرض.
وتسعى إسرائيل أيضا، إلى امتلاك مبنى في الشيخ جراح هو فندق شيبرد، كان مقرا للزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني، ويسيطر على الفندق الان وحدة من حرس الحدود الإسرائيلي، وبالقرب منه يقع كرم المفتي، الذي إذا تمكنت إسرائيل من تحويله إلى حي استيطاني، فإنها ستضمن تواصلا يهوديا من الشيخ جراح إلى حي وادي الجوز الذي يشهد هو الآخر هجمة استيطانية.
وتقع في الحي بعض المعالم الثقافية مثل القصر الذي كتب وعاش فيه أديب العربية إسعاف النشاشيبي (1882-1948م).
بنى النشاشيبي قصره في حي الشيخ جراح، ليس بعيدا عن مقام الشيخ السعدي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الان.
وفي هذا القصر حل كثيرون من أعلام الأدب العربي مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم (شاعر النيل)، والشاعر العراقي معروف الرصافي، الذي نزل ضيفا في هذا القصر وذكره في قصيدته التي يقول فيها:
ويل لبغداد مما سوف تذكرني عنها وعن الليالي في الدواوين
واستذكر القدس وقصر النشاشيبي بقوله:
وكان فيها النشاشيبي يسعفني وكنت فيها خليلا للسكاكيني
والإشارة واضحة لإسعاف النشاشيبي، والمفكر الفلسطيني خليل السكاكيني.
ولا يعرف ماذا كان سيكتب الرصافي، لو قدر له أن يعيش ليرى حال القصر الان، فعلى بعد أمتار قليلة منه، أقام الإسرائيليون نصبا تذكاريا للقتلى من المنظمات الصهيونية الذين سقطوا خلال معركة شنها على قافلة لهذه المنظمات، المقاومون العرب عام 1948.
وتحول هذا النصب إلى ما يشبه حائط مبكى جديد، يأتي إليه المستوطنون بالحافلات، ويقفون بجانب قصر أديب العربية، الشاهد على مرحلة فكرية هامة من تاريخ القدس، ويعرجون على منازل المستوطنين اليهود وقبر وكنيس يعقوب الصديق، الذي اصبح الاسم اليهودي للحي العربي الشيخ جراح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق