تواصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تنفيذ خططا استراتيجية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، لتهويد هذه الاراضي، ومن بينها مشروع القدس الكبرى، والذي تبلغ مساحته نحو ثلث مساحة الضفة الغربية، وعملت هذه الحكومات بدأب لتنفيذه، حتى اصبح واقعا. وعن هذا المشروع وقضايا أخرى متعلقة به وبالقدس، حاورت ايلاف الدكتور إبراهيم الفني، الخبير في شؤون القدس الذي قال "ان إسرائيل تسعى إلى إنهاء قضية القدس عبر مشروعها القدس الكبرى" الذي يقوم أساسا على تنظيم المستعمرات اليهودية في كتل ضخمة يجعل نظام أمنها وبناها التحتية اكثر كفاءة ويسمح بوجود مساحات مفتوحة بينها.وفي ما يلي نص الحوار:
س: ما هو مشروع القدس الكبرى وما هو مخاطره على الفلسطينيين؟
ج: تمكنت إسرائيل من عزل منطقة القدس ومنطقة غور الأردن عن العمق الفلسطيني، وتسعى إسرائيل إلى إنهاء قضية القدس عبر مشروعها القدس الكبرى، عبر امتداد 40 كلم هوائي، أي من مستوطنة كفار عتصيون جنوب بيت لحم، إلى مستوطنة شيلو، شمال رام الله، وعبر هذا المشروع تكون إسرائيل سيطرت على المواقع الأثرية والحضارية العربية المحيطة بالقدس، والخليل، وبيت لحم، ورام الله، وأريحا، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ولتنفيذ مشروع القدس الكبرى، نفذت إسرائيل مخططات عديدة، ولا تزال، مثل مشروع الحزام الشرقي، وإجمالا فان إسرائيل صادرت نحو 35% من أراضي القدس الشرقية ومساحات واسعة حولها، من اجل مخططها التهويدي هذا.
س: هل توجد إحصاءات دقيقة عن ما صادرته إسرائيل في القدس وحولها؟
ج: تشير الإحصاءات الصادرة عن الدوائر الرسمية ومراكز المعلومات إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة صادرت منذ الاحتلال عام 1967 نحو 23 ألف دونم (الدونم: ألف متر مربع) من أراضي القدس، وعمدت إلى توسيعها بإضافة 28 قرية عربية من قرى وأحياء مدن البيرة، وبيت لحم، وبيت جالا بمساحة 70.5 كلم2، بحيث أصبحت مدينة القدس تشكل ما مساحته 27-28% من مساحة الضفة الغربية.
وبعد التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993، دخلت حكومات العمل والليكود، والان كاديما، في سباق محموم مع الزمن من اجل استكمال الطوق الاستيطاني حول مدينة القدس، وهو ما نجحت في تنفيذ اغلبه ضمن مشروع القدس الكبرى.
س: ما هي الأسس التي يقوم عليها مشروع القدس الكبرى؟
ج: يقوم مشروع القدس الكبرى أساسا على تنظيم المستعمرات اليهودية في كتل ضخمة يجعل نظام أمنها وبناها التحتية اكثر كفاءة ويسمح بوجود مساحات مفتوحة بينها، لتعلن اسرائيل أنها خارج القرى الفلسطينية والتوجه لمصادرتها لاحقا، وعليه فان التجمعات الاستيطانية حول القدس تربك تماسك الوحدات الفلسطينية ديمغرافيا واقتصاديا وتحرم المواطنين من أراضيهم الزراعية وتحد من نموهم وتمددهم السكاني، ولا تقف إسرائيل في أهدافها الكاملة وراء تنفيذ المشروع عند حدود السيطرة على الأرض العربية فحسب بل يتعدى ذلك إلى تكريس رؤيتها للحدود الدائمة للمدينة وتطبيقها عمليا وهي الحدود السياسية والحدود الطبيعية والحدود الأمنية.
وتحتوي الخرائط والمخططات الخاصة بمشروع القدس الكبرى، مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة بالمدينة من جهاتها الأربع والتي تتيح المجال لتوسيع المستعمرات وربطها مع بعضها البعض بالتسمين (التمدد العمراني) أو بالطرق الالتفافية.
مرتكزات ومراكز استيطانية
س: ما هي المرتكزات والمفاهيم الأساسية لمشروع القدس الكبرى؟
ج:هناك عدة مرتكزات من بينها:
أولا: الطرق الطويلة: وتغطي الحزام الشرقي الذي يلتف حول القدس عبر قرى فلسطينية ومدينة معاليه ادوميم الاستيطانية، ويتقاطع في الجهة الجنوبية الشرقية مع مستعمرات جبل أبو غنيم وجيلو وافرات، حتى بيت شيمش في الأراضي المحتلة عام 1948، وتلتقي هذه الشوارع الطويلة في عدة مداخل خارج التجمعات السكنية العربية فتلتف حولها وتعزلها وتحول دون نموها العمراني.
ثانيا: تحقيق السيطرة الاقتصادية على القدس، بعدة أساليب منها تفريغ البلدة القديمة من سكانها، والقضاء على بنيتها التحتية مما يدفع المواطن المقدسي إلى مغادرتها، وأيضا تفريغ قلب المدينة من حركة المرور، ونقلها إلى الشوارع الطويلة، التي توفر لإسرائيل السيطرة على المصادر الطبيعية والأمن وتعزل الأرض العربية حول القدس.
ثالثا: طريق عرضي: يربط بين المنطقة الصناعية قرب مطار اللد، مع المنطقة الصناعية قرب قلنديا، وله امتداد جنوبا حتى كفار عتصيون، وتبين الخرائط الخاصة بمشروع القدس الكبرى إلى أن أربع مناطق صناعية ستقام على هذا الخط.
س: ما هو المفهوم الإداري للقدس الكبرى كما تراه إسرائيل؟
ج: يختلف نظام القدس الكبرى عن غيره من أنظمة المدن الكبرى، وأساسه التعامل مع بؤر استيطانية كبيرة مرتبطة بالمركز (مدينة القدس) مباشرة، وبؤر استيطانية ترتبط بالبؤر الكبيرة (أشباه المركز).
ووفر هذا النظام المجال أمام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة العمل بهدوء تام للسيطرة التدريجية على الأرض وعناصر الطبيعة دون أن تلزمها القوانين بمنح المواطنين العرب في محيط المستعمرات وحول الطرق الالتفافية أي حقوق بلدية أو إدارية.
ومن ناحية إدارية، فان إيجاد مركز حضري مترابط ومتكامل (القدس الكبرى) سيجعل من المستحيل من الناحيتين السياسية والاقتصادية، عودة السيطرة الفلسطينية على أي جزء من هذا المركز، خاصة وان ثلثي سكانه هم من المستوطنين اليهود، والأمر الذي يسهل على إسرائيل –عندما يحين الوقت- تقديم بيانات لدعم موقفها في الإبقاء على القدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، وتضع المدينة عمليا خارج أية مفاوضات في المستقبل.
س: ما هي المراكز الاستيطانية اليهودية الكبيرة التي يضمها مشروع القدس الكبرى؟
ج: هو يضم،1-مستعمرة جفعات زئيف غربا: وتتبع المركز مباشرة في حين تتبعها المستعمرات القريبة المتصلة معها والممتدة مع الشارع الطولي الذي تحدثت عنه سابقا.
2-مستعمرة بسجات زئيف شمالا: وتتبع المدينة المركز مباشرة في حين تتبعها المستعمرات الشمالية بما فيها بيت ايل المرتبطة بالشارع العرضي.
3-مستعمرة معاليه ادوميم شرقا: مستعمرة كبيرة ترتبط مركزيا مع القدس، وتضم كل المستعمرات المجاورة لها في نظام إداري تابع لها.
وتعتبر مستعمرة معاليه ادوميم الجناح الذي يلتقي فيه الشارعين الطولي والعرضي مما يجعلها نقطة جذب سياحية هامة لوقوعها على طريق البحر الميت وأريحا، وتتمتع بحوافز مالية مشجعة من الحكومة والجمعيات الاستيطانية والقطاع الخاص، فالإعفاءات السخية من الضرائب والمساكن المدعومة ماليا، والهياكل الاجتماعية والاقتصادية المتماسكة، والأنشطة الثقافية، والمرافق المتطورة أتاحت لها المجال للازدهار وتقوية بنيتها التحتية.
س: ما هي امتدادات القدس الكبرى بالكيلومترات؟
ج: بعد الانتهاء من مشروع القدس الكبرى يصبح الامتداد كما يلي:
شرقا: من المركز حتى مستعمرة فيرد يريحو 37 كلم.
غربا: من المركز حتى مستعمرة بيت شيمش 27 كلم.
جنوبا: من المركز حتى كفار عتصيون 41 كلم.
شمالا: من المركز حتى منطقة عيون الحرامية 45 كلم.
ولو قسمنا المسافة الزمنية التي يحتاجها المستوطن للوصول من تلك المستعمرات إلى المركز لوجدنا أنها لا تتعدى في أقصاها نصف ساعة دون المرور في القرى والتجمعات السكنية العربية، وإنما عبر الأنفاق السريعة والطرق الالتفافية. ويستفيد مشروع القدس الكبرى، من الاستخدام الأمثل لطبوغرافية الأرض والدمج المبرمج لمخطط القدس في عهد الانتداب البريطاني مع مخططات أخرى.
تفريغ القدس من العرب
س: تحدثت عن سياسة إسرائيل في تفريغ القدس من سكانها، ما هي وسائلها في ذلك؟
ج: بعد الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس في عام 1967، سارعت السلطات الإسرائيلية إلى إجراء عملية إحصاء للسكان العرب المقيمين فيها، وعلى أساس هذا الإحصاء تم تحديد سكان المدينة الذين لهم حق الإقامة فيها، في حين حرم الآلاف من أبنائها من هذا الحق لوجودهم خارجها أثناء عملية الإحصاء، ورافق ذلك تشكيل مكتب خاص لوزارة الداخلية الإسرائيلية في شرقي القدس، لمتابعة أمور الإقامة الخاصة بالمواطنين العرب، وكان هذا المكتب وما يزال الأداة المثلى في يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتنفيذ سياستها بتهويد المدينة ديمغرافيا وجغرافيا.
وتبدا مشكلة المواطنة للفلسطيني في القدس، من خلال نظرة وزارة الداخلية له على انه مقيم وليس مواطنا، حسبما ما جاء في قانون الإقامة الدائمة لعام 1952، وتعديلاته عام 1974، وبالتالي ليس له الحق في مجال المواطنة وإنما عليه التزامات في حدود الإقامة الممنوحة له.
ونستطيع أن نلمس ذلك بالاطلاع على القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي تؤكد على أن "الإقامة الدائمة ممنوحة لسكان شرقي القدس تماما مثلما تمنح لأي أجنبي".
س: ما هي الخطوات التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية بشان سحب الاقامات من أعداد كبيرة من المقدسيين؟
ج: لا تترك إسرائيل أي أسلوب لتهجير المقدسيين إلا وتستخدمه، مثل إلغاء الإقامة الدائمة وفقا لامر 11 لسنة 1974، الذي يشير إلى إمكانية إلغاء حق الإقامة إذا قيد وزير الداخلية الإسرائيلي هذا الحق بأي شرط، وإذا عاش صاحب حق الإقامة خارج البلاد لمدة تزيد عن سبع سنوات، أو اصبح مواطنا في بلد آخر، أو قدم طلب جنسية لبلد آخر.
وسحبت إسرائيل حق الإقامة من آلاف المقدسيين لانهم سكنوا حول القدس، أو في مدن فلسطينية أخرى، وترفض تسجيل مواليد الأمهات المقدسيات المتزوجات من خارجها، واستخدمت إسرائيل أساليب أخرى لحرمان المقدسيين من الإقامة في مدينتهم، حتى لو كانوا مثل الأجانب فيها.
س: ما هي الظروف التي تدفع المقدسيين للإقامة خارج حدود البلدية الإسرائيلية؟
ج: هناك ظروف كثيرة منها مصادرة أراضي المواطنين العرب في المدينة، وعدم إمكانية البناء في ظل عدم وجود مخططات بناء ورفض طلبات الترخيص وارتفاع رسوم الترخيص والخدمات، وسياسة هدم المنازل، والحرمان من الخدمات الإنسانية . تشير الإحصاءات إلى أن بلدية القدس تخصص 2% من ميزانيتها فقط لتدعيم البنية التحتية في شرق القدس، في الوقت الذي تجبي فيه البلدية أموالا طائلة من المواطنين العرب.
وهناك ظروف أخرى مثل زواج مقدسيات أو مقدسيين من خارج المدينة وعدم منح أحدهم حق الانضمام للطرف الآخر داخل المدينة، مما يدفع بالاثنين إلى السكن خارجها، وبعد أن دفعت إسرائيل بهؤلاء إلى السكن خارج حدود بلدية القدس، أوقعتهم في فخ ما يسمى مركز الحياة، بحيث اصبح لزاما على كل مقدسي ليحتفظ بحق الإقامة تقديم قائمة طويلة من الأوراق الثبوتية مثل فواتير الكهرباء والماء والضرائب وشهادات تطعيم الأطفال وشهادات مدرسية وغيرها، وعندما لا يرضى مكتب الداخلية بما يقدم له، كما يحدث في الغالب، يتم سحب حق الإقامة من المواطن المقدسي.
وبدأت هذه السياسة بالمقدسي المقيم خارج الحدود حيث كان من السهل اكتشافه عبر نقاط العبور، ثم جاء دور المقدسي المقيم خارج حدود البلدية، وبدأت السلطات الإسرائيلية شن حملات مداهمة مفاجئة على القرى المحيطة بالقدس ومصادرة هويات المقدسيين الساكنين فيها، ونتج عن ذلك حرمان نحو 70 ألف مقدسي من مدينتهم، وما زالت سياسة تفريغ القدس مستمرة.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AkhbarKhasa/2008/1/298996.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق